Friday 14th march,2003 11124العدد الجمعة 11 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أمريكا بين صياغة الآباء. وصناعة الأبناء أمريكا بين صياغة الآباء. وصناعة الأبناء
د. خالد الشريدة

مدخل:
دائماً ما يصوغ الحذاق تجاربهم آخذين بعين الاعتبار الماضي وسقطاته وجوانب قوته وضعفه، ولعل التاريخ يثبت أكثر من مرة بأن قوانينه لا تحابي دولاً دون أخرى، فبالعدل تدوم وبالظلم تزول.. وتستمر المعادلة في الوقت وفي النسبة.. في الخير وآثاره وفي الشر وأطواره طبقاً للقرب والبعد من المعيار المشار إليه في كل من الرعاة والرعية.. ذلك أن استبدال قيادة دولة أو أمة بغيرها يعتمد ابتداء وانتهاء على تجسيد قيم العدل والانتصار لها.
إن عنصرية التفرقة واستعلاء الأنانية وهيمنة القوى البغيضة عوامل أدت إلى تساقط الأوروبيين، وبالتالي صعود الأمريكيين الذين استفادوا من خيرات وخبرات وضعف الآخرين ليعمروا ما أفسده الأوربيون.. وأسسوا لنموذج الولاء لهم وفق استراتيجية بناها الآباء المؤسسون وينقضها اليوم أبناؤها المتنفذون.
محتوى:
حينما تؤسس لقيم الحق والعدل والحرية لا أحد في العالم يمكن أن يكرهك.. إلا إذا أراد هو مخالفة ذلك.. أو أنت يا من «تقولها» خالفتها!.
لا يخفى بأن كثيراً من الناس على مختلف شرائحهم حينما تذكر أمريكا في الماضي - يأنسون لذكرها وتلمح مشاعر الإعجاب على محياهم.. بل وكله أمل أن تطأ أقدامه بلاد الحرية والديمقراطية.. ذلك أن هذه مصطلحات لم يعشها ولا في الأحلام في البلاد العربية.. نعم قد يتفق أناس أو يختلفون حول هذه المسألة، ولكن ذلك كله يتمحور حول نسبة الإعجاب والانبهار لا العكس!.
ما الذي يا ترى استبدل الابتسامة بالعبوس والمسالمة بالمقاومة.. ما الذي جعل الساسة والمسوسين ينتقدون ويكتبون ويتحالفون ضد هذا الصائل الهادر.. نعم إن لغة المصالح تستدعي العمل، لكن لغة التاريخ فوق كل عمل. ذلك أن الواقع هو استجابة لقوانين ليست فقط مادية وإنما سننية حضارية.. إن هذا التعاكس في الرؤية هو الخطوة الأولى للانقباض الحضاري ودليله هذا الهيجان الثائر، وهذا الانتفاخ المتسمم في جسم الإدارة الأمريكية الذي يتلقط يمنة ويسرة يوماً بعد يوم عوامل فنائه..إن هذه المشاعر، وهذه المشاهد تجاه فصل الانحدار الأمريكي لم يشهد لها فقط دراسات ومقالات وآراء المحللين من خارج أمريكا بل يؤكدها أبناؤها من داخلها. لكن الآذان تصم، والعيون تعمى ما دام أن هناك عاقبة تاريخية تجري بها السنن.
يؤكد استطلاع حديث أجري في شبكة جامعة بوسطن على طلاب مدارس حكومية لدول مختلفة حول «صورة الجيل القادم عن أمريكا» وتبين النتائج كما أكدها المشرف على الدراسة «ميلفن ديفلور» بأنها «مزعجة». حيث خلصت الدراسة إلى أن الخصائص السلبية هي الأكثر ارتباطاً الآن بالأمريكيين والتي تمثلت بأنهم غير أخلاقيين جنسياً ومسيطرون ودعاة حرب وماديون وعنيفون..». إن هذه الصورة لشباب من دول الخليج وكوريا والمكسيك وغيرها من الدول لم تكن لترسخ في ذهنيتهم لولا هذا الصلف والاستكبار والتعالي الذي يشاهدونه كل يوم!.
وإذا كنا نتهم غير الأمريكان بأنهم غير حياديين، فإن مجلة تايم «Time» الأمريكية استبانت عدداً من الأمريكيين حول تساؤل مهم هو «من الذي يشكل مصدر الإرهاب في العالم» فأتت الإجابة صريحة وقاسية بأن أمريكا شكلت النصيب الأكبر لجذور الإرهاب بما يعادل 54% ، ومن ثم تأتي كوريا الشمالية بنسبة 20% وأخيراً العراق بنسبة 9%. إن تساؤلات عدة تنطرح إزاء هذا التغيير في الاتجاهات والتوجهات تجاه الأمة الأمريكية. ومما يجب أن يتجذر في أذهاننا أن الناس يساقون - سننياً - بوسائل مختلفة لاعتقاد ذلك.
.. لماذا يخسر الأمريكيون وبسرعة صورتهم تجاه العالم؟.. تجيبه قوانين الفيزياء الطبيعية وقواميس التاريخ الأزلية أن لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه، فخلق سياسة الإرهاب تولد إرهابيين أكثر مما تقتلهم، وعلى هذا يتأكد الأمر جزماً بأن من وراء هذه السياسة هم أناس عنصريون ودمويون ويخسرون حينما يكون هناك سلام، ويربحون حينما يكون هناك حرب لأنهم تجار حرب! ويأنسون حينما تكون هناك مشكلات لأنهم يصبحون قضاة.. وبالتالي لا يساور الإنسان شك بأن خلف هذه السياسة الإرهابية أناس يلقون بأنفسهم وغيرهم إلى التهلكة.. ومن يقرأ ويتأمل يستحضر عبر التاريخ يعلم أن السعي في الإفساد وظلم العباد وخلق العنصرية والاستهانة بالبشرية نتيجتها وفق السنن الربانية حتمية. وذلك ما لم ولن يفقهه المتعالون.
وإذا كانت أوروبا اليوم تعيد صياغة نفسها لتتوحد فإن أمريكا تنقض غزلها بيد أبنائها وتعمق في الناس كرهها، وذلك ما يصعب في النفس تعميره بعد أن تحقق على الواقع تدميره.. يوماً بعد يوم نستمع إلى أخبار تساقط أكبر الشركات في الطاقة والطيران والمال والأعمال وتناقص الثقة في كل مشروع.. بل اتجه الأمر إلى استهداف المصالح الأمريكية ورموزها السيادية حتى شعر الناس بأن تمثال الحرية أصبح مثالاً للدكتاتورية.
.. التاريخ أبداً لا يكذب ذلك أنه مخزون اللاوعي الذي يحدثك عن الحقيقة من غير زيادة أو نقصان.. ويحسن التذكير هنا بأن الذين يشيعون كلمة الإرهاب ألا يغالطوا ذكرى وذاكرة التاريخ، فمن الذين صنعوه بأيديهم وأمدوه بتقنياتهم سواء في الأحداث السابقة أو اللاحقة.. إن عقوبات التاريخ السابقة والمتلاحقة هي «صنيعة الكسب»، استيقنها الناس أو تجاحدوها». «فمن يجني من الشوك العنب».
أخيراً:
إن عالم غير المستكبرين على مستوياته المختلفة بحاجة اليوم إلى أن يتكتل ليشكل من القوة ما يمكن أن يحسب له حساباً، وتلك من إرشادات التاريخ التي لا يوفق إليها المفرطون مجتمعون أو متفرقون، ومن شديد ما يقع في النفس وعليها أن تكون فرنسا وألمانيا وروسيا والصين أكثر عروبة منا في رد الصائل والتكتيك للوقوف ضده.. نعم أولئك يريدون مصالحهم ونحن مع من يريد أن يتبادل معنا المصالح ويوازنها بما يخدم الطرفين. .ويبقى الأمر أخيراً أننا مستهدفون ليس فقط لنعمة النفط التي تحت أراضينا بل لخير الدنيا والآخرة وتلك عقيدتنا «الخير» الذي نحسد عليه{حّسّدْا مٌَنً عٌندٌ أّنفٍسٌهٌم} ، {مّا يّوّدٍَ الّذٌينّ كّفّرٍوا مٌنً أّهًلٌ الكٌتّابٌ وّلا المٍشًرٌكٌينّ أّن يٍنّزَّلّ عّلّيًكٍم مٌَنً خّيًرُ مٌَن رَّبٌَكٍمً وّاللَّهٍ يّخًتّصٍَ بٌرّحًمّتٌهٌ مّن يّشّاءٍ وّاللَّهٍ ذٍو الفّضًلٌ العّظٌيمٌ}.ومن جسامة الخلل أن يظن المستكبرون أن نفسية الشخص العربي المسلم أقل جرأة وعزة وصبراً من شعب فيتنام.. فشتان بين من يريدون الدنيا ومن يريدون الآخرة.
لفتة:
«كف بأس الذين كفروا يحتاج ليتحقق إلى عون الذين آمنوا».

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved