Wednesday 26th march,2003 11136العدد الاربعاء 23 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

سِباب الدُّجى...! سِباب الدُّجى...!
إبراهيم عبدالرحمن التركي

( 1)
** كان جيُلنا يُحفَّظ:
* وما الحربُ إلا ما علمتُم وذقتمُ
وما هو عنها بالحديثِ المرجّم..
** وما علمها علم «اليقين».. ولا رآها رأْيَ «العين».. ولم يذقْ «ويلاتِها».. وكانت بحق حديثاً مرجّماً بخلافِ ما رأى «ابن أبي سُلمى»..!
** عِشْنا «الحروب».. ولم نعشَ في «صورها» التي تخطف «البصر» ثم تئدُ «البصيرة» حتى جاء زمن ال«C.N.N» وما بعدها حين أصبحنا جزءاً من «المعركة».. ينامُ «الجنود».. ولا ننام.. ويهدأُ «العسكريون» ونُضام.. ويقتسمُ «السياسيّون» الغنائم.. ونُسام..!
(2)
** كان زمناً شحَّ فيه «المذياع».. وربما حورب.. وانقسم الناسُ في الحرب الكونية الثانية إلى «حلفاء» و«محور».. غذّى توجهاتهم جهاز راديو وحيد في منزلِ أحد وجهائهم بعنيزة ولعله إن لم تخنْه معلوماتُه الشيخ عبدالرحمن المقبل الذكير..
** يصبح الناس على أخبار الحرب ينقلها (يونس بحري) مفتتحاً إياها ب«هنا برلين.. حيّ العرب».. و«يتعللون» مساءً على «جدواها» و«نتائجها» في حوارات «دوريّاتهم»... وكان «الصيتُ» للأقوى «صوتاً»، ومع مِثل «يونس بحري» فإن أشياعَ توجهاتِه «المساندة» «للفوهرر» هم الأغلب..!
** يتناقلُ أهلنا في «عنيزة» حكايات «طريفة» عن حواراتٍ «تصادمية» راقية بين «الفرقاء»، حول من يملك الحق.. وإلى مَنْ سيؤول النصر..!
** كل هذا وهم قرأوا الحرب بآذانهم كما كان تعبير الأستاذ الراحل الكبير محمد حسين زيدان في برامجه أو برنامجه الإذاعي الذي لا يزالُ يسكنُ ذاكرتَه من أيام الطفولة وإن نسي «مبناه» و«معناه» ولم ينسَ عازفَه المرهف ولقاءه المؤثِّر به قبل وفاتهِ بقليل..!
(3)
** هكذا عاش الناس مع حرب «نائيةٍ» عبر أثير مذياعٍ أوحد.. انضم إليه غيرُه في حرب فلسطين.. وزاد في العدوان «الثلاثي».. التي لم يُسطّر مواقف الناس القومية «في بلادنا» مثلما صنع الشاعر الكبير «أبو عبدالعزيز سليمان الشريّف» في قصيدته التي سارتْ بها الركبان:
الله أكبر فلتمتْ يا «إيدِنُ»
ولينتحر «مولييه» ذاك الأرعنُ
** وقد أشار إليها أستاذنا الدكتور «أبو صالح العثيمين» في إحدى «اثنينياتِه» بهذه الصحيفة قبل أسابيع، واستشهد بها صاحبكم في أربعاويته ذات تناسب أو مناسبة.. منذ حين..!
** جاءت حرب استقلال «الجزائر».. وغذّى المذياعُ همم الناس ومشاعرهم الإسلامية العروبية، وتبرع النساءُ بحليهن، والرجال بقوت أبنائهم.. وهم لم يروا الحدث مباشرة.. بل تابعوه بأسماعهم، ووعوا أصوات شعرائهم (وأولُهم نزار) يروون الملاحم البطولية:
* الاسمُ جميلة بو حيرد
رقم الزنزنة تسعونا
في السجن الحربيّ بوهران
والعمر اثنان وعشرونا..!
(4)
** استيقظت «المشاعرُ» على لغة «الشاعر»، وجاء زمن (أحمد سعيد) فعاش به المتفائلون زمناً رغداً.. وحوّل الإعلام الحدث الجلل عام 1967م إلى «نكسة» وصحا الناس فرأوها أم «الهزائم»..!
** ابتدأ حضور الصورة «صحفياً» وتلفازياً».. وتزايد فيما تلا ذلك من أحداث وحوادث حتى دخلنا في زمن النقل الحيّ المباشر حيث لا مجال «لتوقع».. ولا معنى «لتقوقع».. فالجميع يشاركون في الحرب «متابعةً» أو «تبعيةً».. «فضولاً» أو «تضرراً» أو «فَرَقاً» أو حتى «شوفونيّة»..!
(5)
** في الحرب «الحالية» التي نشهد أحداثَها عبر كُلِّ الوسائط «المرئية» و المسموعة» و«المقروءة» بما فيها شبكاتُ «الإنترنت» مفارقةٌ ذات دلالة..!
** ففي زمن «التعتيم» حيث لا مصادر للأخبار كان الناس «معنيين» و«منتمين» لا تفوتهم «واقعة».. ويشاركون «بفاعلية».. وتحسُّ بهم «داخل» الحدث وإن عاشوا «خارجه»..!
** واليوم.. وقد انتقلت الحروب إلى غرف نومهم ورافقتهم في «خلواتهم» و«فلواتهم» و«سرّهم»و«جهرهم» كما في «انتفاضة فلسطين» «والعدوان على العراق» فقد أصاب بعض قومنا ولا سيما شبابنا شيء من «التبلد».. وبعض من «التردد».. وكأن الموقف لا يمس «بني أبيهم».. أو كأن «الدائرة» لن تحيط بآخرين بعدهم.. وربما وصلتْ إليهم..!
** هل هو «تشبُّع» من الإعلام..؟ .. «اكتفاء» من «الهزائم»..؟ «يأسٌ» من «النتائج»..؟ «هروب» من «الآتي»..؟ «إيمانٌ» بعدم الجدوى..؟ .. «خوفٌ» مما هو أسوأ..؟
(6)
** «مللٌ».. «إحباطٌ».. «كُرهٌ».. «ظلامٌ» داخل «الأضواء».. «ظلمٌ» في دعاوى «العدل».. خطوط بلا مسافة.. وخطواتٌ دون هدف.. بدايةٌ ولا نهاية.. ونهايةٌ ولا مقدِّمات.. ركون إلى «الرؤى» و«الأحلام».. وتعلق بالمجهول.. واتكاءٌ على «صمت» يغتال «الصوت».. و«قولٌ» يُعوِّض «الفعل».. و«شعر» يشتري المشاعر..!
** تشخيصٌ مضطرب كحالةِ الإنسان العربي / المسلم «اليائس» «البائس» «المهزوم»..! ولا غرابة.. بعدُ أن ازدادتْ الأمراضُ «النفسية» و«العضوية» مع كل خبرٍِ يُذاع، وكذب يشاع، وحاضر يُباع، ومستقبل يُراع..!
(7)
** بغداد الرشيد تُضرب فلا نغضب..!
** إنه «القهر»و«العُهر»، و«الخزي»، والعار..!
* لأنَّا رضعنا حليب الخنوع
تقمصنا من صبانا الخضوعْ
فجُعنا ليكتظّ جلادُنا
ويطغى، وننسى بأنَّا نجوع
وحين شعرنا بنهش الذئاب
شددنا على الجرح نار الدموع
ورحنا نجيد سباب الدجى
ولم ندر كيف تضيء الشموع
نفورُ وتطفئُنا تفلةٌ
فتمتصُّ إطفاءَنا في خشوع
(8)
** لنا الله يا «عبدالله البردوني» فقد صدق فينا ما قلت... ولم نجبْ حتى اليوم:
* فهل خَلْفنا شاطئ يارياح؟
أقُدّامنا مرْفأ يا قلوعْ؟
وصلنا هنا لا نطيق المضيّ
أماماً ولا نستطيع الرجوعْ!
** أما لماذا فكما قلت رحمك ورحمنا الله
فلم يبق فينا لماضٍ هوى
ولم يبق فينا لآتٍ نزوع..
* الغد لا يأتي..!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved