Sunday 30th march,2003 11140العدد الأحد 27 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

حرب الأمس واليوم حرب الأمس واليوم
سلمان بن فهد العودة

دعونا نمنح أنفسنا فرصة الفرح بالضرر الفادح الذي لحق بقوات الغزو الأمريكي للعراق، وبالمقاومة الصلبة التي فاجأتهم حيث استقبلوا بالرصاص بدل الزهور، دون أن نؤجل هذا الفرح طمعاً بنصر أوسع ننتظره، وهو في علم الغيب.


أخافُ على نفسي وأرجو مفازها
وأستار غيب الله دون العواقب
ألا من يريني غايتي قبل مذهبي
ومن أين والغاياتُ بعد المذاهبِ؟

ودعونا نفرح مرةً أخرى بعدم تحول الشعب العراقي إلى قطيع من اللاجئين يستجدي لقمة العيش من أيادي الهيئات الدولية والخيرية، بل ثبت وتمسك بحقه وحقله.
ليس من المستبعد أن تكون آلة الحرب الضخمة، وحمم النار التي تصب على العراق بلا حساب قادرةً على حسم النتيجة الأولية لهذه الحرب لصالح الطرف الأقوى، وعلى اضطرار فئات من هذا الشعب إلى الرحيل نحو المجهول.
لكن ها نحن نرى الشعب الفلسطيني مثلاً يقاوم ببسالة وضراوة وصبر وإصرار بعد هذه الحقب الطويلة من الاستعمار، مع الأخذ بالاعتبار الفارق بين استيطان يهودي مكشوف، وسيطرة أمريكية محتملة على العراق.
إن الاندفاع الأمريكي نحو التوسع والسيطرة قوي جداً، وليس هو استثناء من الاندفاعات الإمبراطورية التاريخية، غير أنه مسرف في حسن ظنه بنفسه، وإظهار براءته وسلامة أهدافه ونبل مقاصده، وهو مسرف أيضاً في الاستخفاف بالقوى التي لا تتفق مع رؤيته للأمور.
ولعل هذا وذاك هما المسؤولان عن سوء التقدير الذي وقعت فيه القوات الغازية التي يسمونها خداعاً وتضليلاً ب«قوات التحالف».
والشيطان لم يكن مريداً للتغرير بالكافرين وهزيمتهم، ولا وقوعهم في قبضة المؤمنين، ولكن الرغبة العمياء لا تمنح الإنسان فرصةً التأمل والنظر وحسن التقدير.
إن الشعب العراقي اليوم تحت وطأة ظلم جديد، يتحدث عن تحريره وحقوقه، ويبشره بالديموقراطية القادمة عبر الصاروخ والدبابة، ويحاول تحويله إلى أرتال من الجياع والمرضى والمصابين ليمن عليه بعد ذلك بالمساعدات الإنسانية التي تستقطع من أرصدة بلده، بينما تذهب ثرواته وخيراته إلى جيب المعتدي!
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (لأنفال:48)
وفي المسند أن عمر رضي الله عنه سأل رجلاً ممن أنت فقال: من عنزة فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (حي من هاهنا مبغي عليهم منصورون).
ولعل هذا من أسباب اختلاف الصورة اليوم عما كانت عليه أثناء حرب الخليج الثانية، حين احتلال العراق الكويت، حيث كان معتدياً ظالماً، فانكسر انكساراً سريعاً، ولم يفلح في أي مقاومة، بينما هو اليوم معتدى عليه في أرضه، ومقصود بالتدمير والقضاء على قدراته الحاضرة والمستقبلية، فهذا عزز موقفه في الدفاع والمقاومة.
ومن تأمل سير الأحداث واستقرأ سنن الله فيها رأى العجب في لطائف الحكم الربانية، وكيف يجري الله تعالى القدر وفق علمه وحكمته وعدله، وإن كان هذا المعنى قد يغيب عمن يشهد اللحظة الحاضرة ويندمج فيها، فتستغرقه عن رؤية ما قبلها، أو توقّع ما بعدها.
وكان جديراً بمن عانى مرارة الظلم أن يكون أبعد الناس عنه، وأشدهم نفوراً منه، وأعظمهم خوفاً من عاقبته وشؤمه، ولهذا يقال في مأثور الحكمة: «من أعان ظالماً سلط عليه»!
إن من الخطأ الانسياق في هذه الحرب تحت مسوغات خاصة ذاتية، بينما أهدافها الحقيقية تتجاوز العراق ونزع أسلحته، بل وتغيير نظامه إلى إعادة صياغة المنطقة، ورسم خريطتها وفق رؤية أمريكية إسرائيلية.
وهذه الحرب تأسيس خطير لمبدأ التدخل المباشر في شؤون الدول، وخوض المعارك بهدف تغيير الأنظمة، فضلاً عما قد يتمخض عنها من انكسار حاد في النظام والوجود العربي والإسلامي.
وتمهيد للتطبيع الكامل وصفقة السلام المذلة، وفق «خارطة الطريق» أو غيرها مما تتفتق عنه قرائح الليكوديين!
وربما كانت العراق حلقةً في سلسلة ممتدة ترمي إلى القضاء على جميع ألوان الاستقلال في الإرادة والقرار، أو العمل والتخطيط، أو التصنيع وامتلاك القوة في المنطقة الإسلامية كلها، وزحزحة كل مشروع يشكل خطراً حالياً أو مستقبلياً على الوجود الغربي والتفوق الإسرائيلي في المنطقة.
قد تتمكن الآلة المتفوقة من حسم المعركة في نهاية المطاف، وإقامة الأنموذج الذي تنشده ليكون قدوةً لجيرانه، ومنطلقاً لحروب أخرى تشن هنا وهناك...
( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً) (الاسراء:33)
وحين أذن الله تعالى بالقتال علل ذلك بقوله (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج:39)
وفي المسند أن عمر رضي الله عنه سأل رجلاً ممن أنت فقال: من عنزة فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (حي من هاهنا مبغي عليهم منصورون). ولعل هذا من أسباب اختلاف الصورة اليوم عما كانت عليه أثناء حرب الخليج الثانية، حين احتلال العراق الكويت، حيث كان معتدياً ظالماً، فانكسر انكساراً سريعاً، ولم يفلح في أي مقاومة، بينما هو اليوم معتدى عليه في أرضه، ومقصود بالتدمير والقضاء على قدراته الحاضرة والمستقبلية، فهذا عزز موقفه في الدفاع والمقاومة. ومن تأمل سير الأحداث واستقرأ سنن الله فيها رأى العجب في لطائف الحكم الربانية، وكيف يجري الله تعالى القدر وفق علمه وحكمته وعدله، وإن كان هذا المعنى قد يغيب عمن يشهد اللحظة الحاضرة ويندمج فيها، فتستغرقه عن رؤية ما قبلها، أو توقّع ما بعدها. وكان جديراً بمن عانى مرارة الظلم أن يكون أبعد الناس عنه، وأشدهم نفوراً منه، وأعظمهم خوفاً من عاقبته وشؤمه، ولهذا يقال في مأثور الحكمة: «من أعان ظالماً سلط عليه»! إن من الخطأ الانسياق في هذه الحرب تحت مسوغات خاصة ذاتية، بينما أهدافها الحقيقية تتجاوز العراق ونزع أسلحته، بل وتغيير نظامه إلى إعادة صياغة المنطقة، ورسم خريطتها وفق رؤية أمريكية إسرائيلية. وهذه الحرب تأسيس خطير لمبدأ التدخل المباشر في شؤون الدول، وخوض المعارك بهدف تغيير الأنظمة، فضلاً عما قد يتمخض عنها من انكسار حاد في النظام والوجود العربي والإسلامي. وتمهيد للتطبيع الكامل وصفقة السلام المذلة، وفق «خارطة الطريق» أو غيرها مما تتفتق عنه قرائح الليكوديين! وربما كانت العراق حلقةً في سلسلة ممتدة ترمي إلى القضاء على جميع ألوان الاستقلال في الإرادة والقرار، أو العمل والتخطيط، أو التصنيع وامتلاك القوة في المنطقة الإسلامية كلها، وزحزحة كل مشروع يشكل خطراً حالياً أو مستقبلياً على الوجود الغربي والتفوق الإسرائيلي في المنطقة. قد تتمكن الآلة المتفوقة من حسم المعركة في نهاية المطاف، وإقامة الأنموذج الذي تنشده ليكون قدوةً لجيرانه، ومنطلقاً لحروب أخرى تشن هنا وهناك... ولكن تظل السنة قائمة (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة:251)
فصاحب الحق أطول نفساً وأمد صبراً، وأقدر على التضحية والفداء، وهو إذا مات يورث الأحفاد الوصية بمحاسبة المعتدي والانتصاف منه. فإذا رأيت جريمة الجاني وما اجترحت يداه فانثر على قبري وقبر أبيك شيئاً من دماه! وما زالت ذكريات المقاومة الباسلة للاستعمار ماثلة في الأذهان، أو ظاهرة للعيان، في العراق والشام ومصر وبلاد المغرب وغيرها، وما الاحتلال الجديد عنه ببعيد. قل للفرنسيس إذا جئته مقالة من ناصح بر فصيح دار ابن لقمان على حالها والقيد باق.. والطواشي صبيح ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون:8)

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved