مذابح متتالية

الأفظع من المجازر التي تتسبب فيها الصواريخ الأمريكية في العراق أن يتم تجاوزها من قبل الطرف المعتدي، وكأنها لم تكن، بينما يتم إلقاء اللوم على جهات أخرى في ارتكابها.
ويعني ذلك أن الولايات المتحدة غير آبهة بسقوط مدنيين في هذا القصف الوحشي طالما أن هؤلاء المدنيين، حسبما قالت واشنطن من قبل، تدفع بهم حكومة بغداد إلى مواقع وضعت فيها أسلحة الدمار الشامل.
ووفقاً لهذا المنطق تستمر المذابح التي باتت وتيرتها تتصاعد وكأنها يقصد منها أن تكون إحدى حقائق هذه الحرب العادية، لكن هذا أمر غير ممكن مهما كانت سطوة القوة، ومهما حاولت التبرير القسري لهذه المذابح التي ترقى إلى مرتبة جرائم الحرب.
إننا لا نزال في بداية حرب دامية بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
وما حدث حتى الآن مؤشر لأحداث أفظع، وكل ذلك يحتم بذل كل المساعي لوقف هذا الجنون، ولا يكفي أن نقول إن الحرب بدأت وإنه لا سبيل إلى إنهائها بانتظار الوصول إلى النتيجة النهائية، بل الواجب والوقائع، والمخاوف تحتم قطع الطريق أمام هذا الاندفاع الأعمى نحو القتل.
إن المبررات التي يدلي بها المعتدون للتخفيف من وطأة سقوط قتلى بين المدنيين، من قبيل القول إنه لابد من خسائر غير محسوبة في كل حرب، غير مقنعة خصوصاً عندما يتم استهداف تجمعات للمدنيين على مدى يومين متتاليين.
هذه الوقائع بكل بشاعتها ينبغي أن تضع العالم أمام مسؤولياته وأن تثبت دول العالم أنها قادرة على تحجيم مثل هذا الانفلات نحو القتل.
وبعد أكثر بقليل من أسبوع من اندلاع الحرب أدركت دول عديدة فداحة ما يحدث، بينما تتزايد الضغوط الشعبية لوقفها في الدول التي تشن الحرب، وخصوصاً في الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث أصبح الناس هناك وجهاً لوجه أمام الحقائق البشعة للحرب وأصبحت التوابيت ترد تباعاً لجنود فقدوا أرواحهم، كما أصبح هناك حديث عن ضرورة العودة لمجلس الأمن بغرض القيام بمحاولة جديدة لتفادي الأسوأ.
وعلى الرغم من أنه تم تجاوز الأمم المتحدة فإن هذه الهيئة الدولية تستطيع أن تكون قوية إذا أبدت الدول الأعضاء فيها عزماً على فعل شيء جماعي، يستهدف صالح العالم أجمع، ولتكن هناك محاولة أخرى تستصحب كل هذا التصميم لوقف الحرب، كما تستصحب الفظائع التي حدثت حتى الآن من أجل ألا تحدث مجدداً.