Sunday 13th april,2003 11154العدد الأحد 11 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

سَلْوَة «النَّقَّاش».. سَلْوَة «النَّقَّاش»..
في كَرَامَات «السَّيَّد» أبي «مِنْقاش»..؟!!
حمّاد بن حامد السالمي*

* في شأن المحنة التي تمر بها المنطقة على أرض السواد اليوم، فإني لا أجد أفضل ولا أبلغ من قول، للأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية السعودي، في المنتدى الإعلامي السنوي، الذي عقد بالدرعية قبل عدة أيام.. قال: «إنه ليس هناك من هو متعاطف أو راضٍ عما يحدث في العراق».
* هذه حقيقة، وهذا هو شعورنا في المملكة، إن هذا القول، الوجيز في مبناه، العزيز في معناه، يمثل وجهة نظر واقعية وحقيقية، تكتسب مصداقيتها، من مواقف إسلامية وأخوية لهذه البلاد، حكومة وشعباً، وهي مواقف مبدئية، لا تقبل التشكيك او المزايدة. فقبل اثنتي عشرة سنة، عندما غزا النظام العراقي دولة الكويت واحتلها بقوة السلاح، أخذت المملكة العربية السعودية، موقفاً مبدئياً مشرفاً حيال هذه القضية.. فكانت بالضرورة، مع الحق ضد الباطل، ومع الخير ضد الشر، على الرغم من تلبيس الملبسين، وتدليس المدلسين، وتبليس المبلسين.
* أما وقد سعى النظام في العراق الى هذا المصير المهلك، كان ذلك منذ سنوات طويلة، وليس إبان غزوه الكويت أو بعده، فما العمل إذن..؟ خاصة أن هناك أطرافاً دولية، تقاطعت مصالحها في المنطقة، ليس مع مصالح حكومة بغداد، ولكن مع تناقضاتها الكثيرة، لأنها فقدت زمام التحكم في أي مصلحة لها على المستويات كافة بل إن أكثر من طرف دولي، لعب على هذه التنقاضات بشكل واضح فاضح، بتشجيع ورضا من صدام حسين نفسه، وبمساعدة ممن حوله، وممن ظل وما زال، يغذي فيه روح الغطرسات، ويزين له حب المغامرات..! إن من داخل حزبه، أو من «غرف البعث» الفضائية، المنبثة في فضاءات هذا الوطن العربي، المبتلى بالمتكسبين من المتكلمين باسم الرأي والرأي الآخر.
* لقد وقع شعب العراق المظلوم، في مأزق خطير، قادته اليه حكومته، عبر مغامرات تتلوها مغامرات، ونكسات تتلوها نكسات، فكيف لهذا البلد الضعيف عسكرياً واقتصادياً ونفسياً، خوض حرب غير متكافئة، ومواجهة قوات أمريكية وبريطانية مدربة ومسلحة بأحدث وأفتك العتاد..!
* منذ اليوم الأول للعدوان على العراق، لم نر طائرة عراقية تطير في الجو، ولا صواريخ تصطاد طيور النور والظلام الأمريكية..! حتى الجيش العراقي «المليوني»، الذي كان صدام يهدد به جيرانه، لا وجود له..؟! كل ما هنالك، صفوف من «قلاوزة ميليشيات» القتل، تلك الفرق المؤدلجة، التي تدربت على قتل العراقيين والتمثيل بهم وتكميم أفواههم..؟!
* إنها مغامرة حمقاء، سوف تحفل بها سجلات التاريخ السياسي والعسكري، لا لشيء، إلا لأنها الأسوأ على الإطلاق.
* لقد كان في يد هذا الحاكم الحالم بالتسلط والجبروت، ان يجنب العراق وشعبه هذا المصير الأسود، وأن يفوت جميع الفرص على الغزاة المعتدين.. ولكن:


لقد أسمعت لو ناديت حياً
ولكن.. لا حياة لمن تنادي

* وإذا كان هذا هو حال الحاكم العراقي، من الاندفاع والتهور، وعدم التروي، وضربه صفحاً عن سماع النصح، فما بال قوم خارج العراق، يبدون وكأنهم «صداميين» أكثر من صدام نفسه..!
* نحن في حقيقة الأمر، نمر بظروف شبيهة بما وقع في أفغانستان عام 1979م، في تلك الفترة، كثرت الفتاوى والتنظيرات، وتم استهداف الشباب المتحمس، للحشد والاستنفار، والزج بالجميع، في أراضٍ بعيدة، ومصائر مجهولة، باسم الجهاد.. فرأينا كيف تحول الأمر بعد ذلك، إلى نشوء فكر مناهض لنهج الأمة، خارج على إجماعها، وما وقع في 11 سبتمبر، هو نتيجة طبيعية لثقافة العنف البليد، التي خرجت من عباءة الدعاوى المسيسة في العالم الإسلامي، ثم هانحن نعاني من المنتج الأفغاني، وسوف نعاني منه سنوات طوال.
* ما الذي يجري اليوم في الحالة العراقية..؟!
* من المؤكد أن بعضاً منا، لم يحفظ الدرس الأفغاني، أو أن البعض الآخر، أرادها رجعة لتلك التجربة البغيضة، من أجل تحقيق مكاسب شخصية أو فئوية، على حساب البسطاء من الشباب المتحمسين في هذه الأمة.. حتى لو جاء الخروج غداً، بثوب بعثي وعلى أرض عربية.. لا يهم..! فالغاية في هذه الحالة، تبرر الوسيلة على ما يبدو..؟! وهذا يتم، على حساب هؤلاء الطيبين وحدهم، لأننا لم نر واحداً من المستنفرين لهؤلاء البسطاء، أو من أولئك المستفزين للعامة، تقدم الركب بنفسه الى ميدان المعركة، او ندب لها أحداً من أولاده أو إخوانه او قرابته، واخشى ما أخشاه هنا، أن يكون الدافع لمثل هذا الموقف الذي لا يراه كثير من كبار العلماء، نابع من شعور عدائي لأمريكا فقط، ومن حب للانتقام من جنودها، لما حدث في أفغانستان لا أكثر.. أو أن بعضهم، يسعى الى توظيف هذه الحالة في العراق، لخلق حالات مشابهة في المنطقة في المستقبل، وإلا.. لماذا يعمد بعضهم الى دفع الشباب الى المستنقع العراقي، بصورة غير مسؤولة وغير منضبطة.؟
* إن ما يجري من حشد خطابي منبري وإعلامي باسم الجهاد في العراق اليوم، يضفي على الرئيس العراقي صدام حسين، صفة الرئيس المؤمن، والمجاهد الأكبر، وهالة الزعيم الأوحد، الذي قال لأكبر قوة في العالم «لا»..! وهو.. هو الذي كان في هذا الخطاب حتى الأمس القريب، الرئيس «البعثي المشرك الكافر الزنديق»، الملطخة يداه بدماء المسلمين الأبرياء..! فكيف يمكننا إذن، حل هذا المعضل «الانفصامي»، الذي يعتور خطابنا الإسلامي..؟!
* قبل أيام قليلة، قتل من هؤلاء الشباب المتطوعين المتحمسين في أول مواجهة لهم مع قوات الغزو «600»..! فما هو ذنب هؤلاء الذين نزلوا ساحة المعركة، وسلاحهم فيها فقط، الرغبة في الشهادة لا غير..؟!
* في سنوات الجهاد في أفغانستان، ملئت الرؤوس بروايات الكرامات التي تحدث على أرض الأفغان، ومعظم الذين صدقوا هذه الخزعبلات، قتلوا هناك، أو ماتوا فوق نيويورك، او انتهوا الى اقفاص غوانتانامو.
* هل ما زال البعض يصدق مثل تلك الروايات..؟!
* لم نكد نفرغ من كرامة المقاتل الأفغاني، الذي يركب رأس الصاروخ المنطلق، فإذا وقع الصاروخ على هدفه، عاد الأفغاني سليماً معافى، وهو يصف مدى الدمار والقتل الذي حدث في صفوف الكفار..! لم نكد نفرغ من هذه الرواية حتى ملأوا الرؤوس بكرامة السيد «ابو منقاش»..! الذي أسقط طائرة أباشي، ببندقية «برنو» تشيكية قديمة، من مخلفات الحرب العالمية الأولى..!
* قيل ل«محمد سعيد الصحاف»، الممثل المسرحي البارع على رأس إعلام صدام: ولكن الطائرة يا معالي الوزير، كانت واقفة لم تسقط فتتحطم..! وطاقهما أين هم..؟! فقال معاليه: أبو منقاش قال اسقطها.. خلاص اسقطها..!
* ومع هذا الوضوح في الأقوال والأفعال.. نجد منا من تنطلي عليه حيل المتحايلين، فيعمد الى رفع «الفلاح ابي منقاش»، الى مرتبة الأولياء، ويدبج في كراماته القصائد، فتذاع مرات ومرات على الهواء، ليزداد المواطن العربي، تسطيحاً على ما هو عليه من تسطيح..!
* لقد أعجبني رد شاعر عراقي، هو «حسين الراوي»، عندما عارض قصيدة «كرامة أبي منقاش»، بقصيدة تفند هذه الأكاذيب، وتدحض تلك الألاعيب. قال في مطلعها:


أي جهل.. أي هزل.. أي جد؟!!
أي فعل خلته فعل الأسد..؟!
* ثم يقول فيها:
سخّر الأبيات مجداً وثناءً للحجاز
واقرض الأشعار مدحاً في نجد
قول منقاش الذي قد صار يحبو
من مكان.. لمكان.. للبلد
صار أكذوبة دهر.. زينوها
طرفة باتت.. وفيكم للأبد..!!
كم رصاص في الأباشي.. أو ثقوب
لا يراها.. من قرُب منها أو بَعُد
سوف يبقى.. ديدن الأوغاد كذباً
هكذا من مهدهم.. حتى اللحد..!!

* وفي هذه القضية، نجد أن هناك مجموعة من علمائنا الأجلاء، حذروا ومازالوا يحذرون من «فتاوى الجهاد هذه، وتوريط الشباب المسلم، في أمور عاقبتها ليست في صالحهم».. هكذا.. انظر هذا التحذير، في نشرة جاءت بجريدة الشرق الأوسط يوم السبت 29 من مارس الفارط 2003م، والمشايخ هم: «محمد بن عبدالرحمن بن يعيش - أحمد بن محمد العماري - صالح بن غانم السدلان».
* وانظروا هنا كذلك، ماذا قال بعض علماء المملكة في هذه المسألة، جاء ذلك في جريدة «الوطن» عدد يوم الأحد 4 من صفر الحالي 1424هـ.
1- الشيخ الدكتور ابراهيم الخضيري: «على المسلمين أن يلتفوا في هذه الظروف حول قادتهم، لنبذ وجهات النظر التي لا تصب في مصلحة الدين والمعتقد والبلد والأمة».
2- الشيخ خالد الغفيلي: «أهم دوافع الجهاد، أن تكون راية الحرب إسلامية، والذهاب بعشوائية تحت راية غير بينة المعالم، يشكك في المقصود».
3- الدكتور عبدالله المصلح: «يجب أن نعتبر مما جرى في أفغانستان، حيث ذهب المتحمسون دون دراسة الأوضاع، وانتهى بهم الأمر في جو انتانامو».
4- الشيخ سليمان الضحيان: «من التبسيط المخل، تصوير المسألة، على أنها حرب من جيش كافر على المسلمين، دون أخذ واقع النظام، ومعاناة الشعب».
* لقد مكثنا سنوات طوال في هذه المنطقة، حكاماً ومحكومين، نطالب الحكومة العراقية، بالتعقل والتروي، وترك السير وراء النزوات، والأخذ بمراعاة مصالح الشعب العراقي، وتجنيب المنطقة ويلات الحروب، وعندما ركب صدام حسين رأسه، ولبس عباءة الدين، ودغدغ بعض المشاعر بوعود النصر المبين، وذبح «العلوج الأوغاد كالنعاج»، صف إلى صفه، من عزز في نفسه نوازع العناد، ورسخ في ذهنه نوازغ الغطرسة، حتى رأينا الذي رأينا من آلام جسام، وعذابات عظام، عمت الشعب العربي المسلم في هذا البلد، وهو الذي لا ذنب له، إلا أنه محكوم من قيادة كهذه..
* لماذا لا نضع تجربة الحالة الأفغانية، أمام أعيننا في هذا الوقت..!
* لو فعلنا ذلك، لأدركنا جيداً، أنه مثلما ولى العهد في أفغانستان، فسوف يولي العهد في العراق لا محالة شئنا أم أبينا.. ومن المفيد بعد ذلك، التفكير فيما بعد صدام حسين.
* إن التعامل مع المستقبل، من منطلق ما يجري في الحاضر، هي الحالة الوحيدة التي تستحق جهدنا، لا الرهان على حصان خاسر.
fax: 02 73 61 552

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved