Thursday 17th april,2003 11158العدد الخميس 15 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أضواء أضواء
نهب ذاكرة الإنسانية
جاسر عبدالعزيز الجاسر

لم يكف العراق أن يصبح حاضره غامضاً ومستقبله مجهولاً بعد غزو الأمريكيين والإنجليز.
لم يكف العراق القتل الذي طال أبناءه وتجويع من بقي، ليواصل شعبه عذابه بدءاً من عهد صدام حسين إلى عهد دعاة التحرير الذين تركوا كل شيء ليعبث به اللصوص والغوغائيون.
لم يكف العراق ضياع حاضره، وغموض مستقبله فيخرب تاريخه وتُمحى ذاكرة أعرق حضارة شهدتها البشرية، فنُهب متحف بغداد الذي يضم في جنباته تاريخ الإنسان الأول وفي فترات موغلة في القِدم من مراحل ما قبل التاريخ، تاريخ السومريين والبابليين والاشوريين والكلدانيين والفارسيين واليونانيين والعرب والحضارة الإسلامية في أزهى عصورها عصر العباسيين.
فحضارة بلاد الرافدين، العراق الحديث، هي في الواقع حضارة البشرية جمعاء، ومتحف بغداد الذي نهبه «لصوص الآثار» هو في الحقيقة والواقع خازن الميراث الحضاري والثقافي للإنسانية جمعاء. إن الذين نهبوا آثار وذاكرة البشرية لا يمكن اعتبارهم لصوصاً عاديين بل هم لصوص محترفون ويعرفون قيمة ما قاموا بسرقته، ومن المؤكد أنهم قد وضعوا خططهم الدنيئة منذ الأيام الأولى لعمليات الغزو للعراق، فالقطع الأثرية التي سُرقت واختفت يعرف اللصوص قيمتها الأثرية التي لا تقدر بثمن، ومنها ألواح الكتابة السومرية العظيمة التي تُعد أقدم الألواح التي تؤرخ لهذا النمط المعرفي الذي أسس البدايات الأولى للحضارة الإنسانية، فالكتابة والتدوين بدآ من بلاد ما بين النهرين، وأول القوانين الوضعية التي وضعها الإنسان انطلق من هذه الأرض من خلال لوائح حامرابي التي كُتب عليها أول القوانين الوضعية. كل هذه الكنوز الأثرية نهبها لصوص الآثار وسوف لن يمضي وقت طويل ونجد هذه الكنوز الأثرية في المتاحف الغربية وقصور ومنازل الأثرياء، لتستقر إلى جانب الآثار التي نُهبت من الدول العربية والإسلامية والنامية التي سُرقت آثارها أيام الاستعمار والاحتلال والغزو التي تعرضت لها هذه الدول.
وحتمية انتقال هذه الكنوز الأثرية من العراق إلى خارجه وبالذات إلى أمريكا وأوربا حتمية حقيقية لا مراء فيها. ولهذا فإنّ واجب السلطات الرسمية والمؤسسات الثقافية والعلمية في مختلف دول العالم، أن تعمل بصدق ومن منطلق الحفاظ على التراث الإنساني على تعقب هذه المسروقات والحفاظ عليها وإعادتها إلى متحف العراق الوطني بعد أن يُعاد إنشاؤه ليبقى شاهداً على حضارة الإنسان الأول.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved