Thursday 17th april,2003 11158العدد الخميس 15 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

باعتراف كبار المسؤولين فيها باعتراف كبار المسؤولين فيها
إسرائيل أكبر المستفيدين مما حدث في العراق

* القاهرة مكتب الجزيرة- عمرو شوقي:
في الساعة الثالثة من فجر السابع والعشرين من شهر نوفمبر من عام 2001 دق جرس الهاتف النقال الخاص ب«دوف فايسجلاس» مدير مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إرئيل شارون وكان على الخط الثاني «بول ولوفيتز» نائب وزير الدفاع الأمريكي، كانت كلمات ولوفيتز قاطعة مع فايسجلاس كما يلي:
قال له: «عليك أن تحضر لمقابلتنا في غضون 48 ساعة لأمر مهم». أطلع فايسجلاس رئيسه، وأذن له بالسفر.
وفي مبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) عقد ولوفيتز لقاءً مع فايسجلاس أطلعه فيه على قرار الإدارة الأمريكية بشن حرب على العراق للإطاحة بنظام الرئيس العراقي صدام حسين، مع العلم أن ولوفيتز نفسه هو أول من اقترح ذلك على الرئيس بوش في أول اجتماع له مع مستشاريه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كما جاء في كتاب «بوش في الحرب» الذي ألفه الصحفي «بوب ودورد» مدير تحرير صحيفة «واشنطن بوست».
وأوضح ولوفيتز ل(فايسجلاس) أن الإدارة الأمريكية معنية بأن تقدم إسرائيل كل المعلومات الاستخبارية التي بحوزتها، والتي من شأنها أن تساعد في الحرب على العراق، فضلا عن الاستعانة بتجارب الجيش الإسرائيلي في إدارة الحرب بالعراق.
انتقل فايسجلاس بعد ذلك إلى البيت الأبيض، حيث التقى هناك مستشارة الأمن القومي «كوندوليزا رايس» لمناقشة بلورة آلية للتعاون بين الجانبين في كل ما يتعلق بالحرب على العراق. اتفقت رايس مع فايسجلاس على أن يتولى عملية التنسيق عن الجانب الأمريكي جورج تينت رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية هو وأبرز ثلاثة مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية، وهم رئيس هيئة المستشارين في الوزارة ريتشارد بيرل - الذي استقال أخيرا من منصبه عقب ثبوت عدد من الفضائح المالية علية- ونائبا وزير الدفاع: ولوفيتز، ودوجلاس فايث.
بينما مثل الجانب الإسرائيلي في لجنة التنسيق إفرايم هليفي رئيس جهاز «الموساد» في ذلك الوقت (يتولى حاليا منصب رئيس مجلس الأمن القومي)، وعاموس مالكا رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، إلى جانب رئيسي قسمي الأبحاث في كل من «الاستخبارات العسكرية» و«الموساد». هذه اللجنة كانت القناة التي تسربت منها المعلومات الاستخبارية من دولة الاحتلال الإسرائيلي للإدارة الأمريكية.
وإلى جانب هذه اللجنة عملت لجنة عسكرية، كان هدفها التشاور في بلورة الخطط الميدانية للحرب بناء على المعلومات الاستخبارية، وكان يشارك فيها رئيس هيئة أركان الجيش السابق شاؤول موفاز، وخلفه موشيه يعلون، وعن الجانب الأمريكي كان الجنرال تومي فرانكس قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي.
هذه الرواية للأحداث أشارت إليها وسائل الإعلام الإسرائيلية عدة مرات، وبشكل متواتر، خلال الشهرين الماضيين وتزايدت منذ الحرب على العراق وحتى عقب دخول القوات الأمريكية العاصمة بغداد.
اتفقت لجنتا التنسيق الاستخباري والميداني على أن معيار نجاح الحرب الأمريكية على العراق يتمثل في القضاء على نظام صدام حسين، وأن هذا لن يتأتى إلا في حالتين: إما أن يقتل الرئيس صدام، أو أن يغادر العراق في ظروف استسلام. كان الاعتقاد السائد لدى الجانبين أن شخصية الرئيس صدام حسين لا تسمح له بالاستسلام، وأنه سيقاتل حتى النهاية. لذا اتفق الجانبان على ضرورة بلورة خطة لاغتيال الرئيس العراقي.
مناورات للحرب على
العراق في إسرائيل
بالنسبة للجانب الإسرائيلي كانت الخطة جاهزة؛ فمن المعروف أنه في صيف العام 1991 قاد نائب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت الجنرال إيهود باراك -الذي أصبح بعد ذلك رئيسا للأركان، ثم رئيسا للوزراء- تدريبات لتنفيذ خطة اغتيال الرئيس صدام حسين؛ انتقاما منه بسبب قيامه بقصف إسرائيل في حرب الخليج الثانية (هذه المعلومات أجمعت عليها جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية والعالمية، فضلا عن الكثير من جنرالات الجيش المتقاعدين الذين كانوا في هيئة الأركان في ذلك الوقت).
وحسب ما أورده أمنون أبراموفيتش وروني دانئيل المعلقان في قناتي التلفزة الأولى والثانية الإسرائيليتين؛ فإن الإسرائيليين كانوا واثقين من أن الخطة ستنجح، على اعتبار أنهم يستندون إلى معلومات استخبارية بالغة الدقة حول مكان وجود الرئيس صدام، واشترك في هذة المناورات عدد من الجنود الأمريكيين والبريطانيين أيضا.
وأعجب قادة الاستخبارات المركزية الأمريكية الذين اطلعوا على الخطة الإسرائيلية بها، وأشادوا بما أسموه «حجم الإبداع» التي تعكسه الخطة. وقد اقترح جورج تنيت أن يتولى قادة وحدة «سييرت متكال» تدريب فريق من الوحدات الأمريكية الخاصة على عملية مماثلة. وبالفعل تم تدريب الجنود الأمريكيين على الخطة في كل من صحراء النقب في فلسطين، وصحراء «نيفادا» الأمريكية، بالطبع تم إدخال تعديلات على الخطة الأساسية؛ بحيث تواءمت مع المعلومات الاستخبارية المستجدة.
كما يقول يوآف ليمور المعلق العسكري في القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي، فقد أبدى الأمريكيون إعجابهم الشديد بالتجربة التي اكتسبها الجيش الإسرائيلي في شن عمليات عسكرية في مناطق مأهولة بالسكان، ومن المفارقات التي يشير إليها ليمور أن الأمريكيين أعجبوا بشكل خاص بكيفية إدارة جيش الاحتلال الإسرائيلي لعملية اقتحام معسكر جنين، وهي العملية التي ارتكب فيها جيش الاحتلال مجازر ضد المدنيين الفلسطينيين العزل.
وكما يقول ليمور فإنه قد تقرر أن يتم ضم جنود من الوحدات الأمريكية في العمليات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في أنحاء الضفة الغربية، ويؤكد ليمور أنه شاهد بأم عينه جنودا من المارينز الأمريكي يشاركون إلى جانب الجنود الإسرائيليين في عمليات اقتحام عدة مدن من الضفة الغربية في الفترة الممتدة بين شهر يوليو من العام الماضي وشهر فبراير من العام الجاري. ضباط في المخابرات الإسرائيلية الداخلية «الشاباك» أطلعوا نظراءهم الأمريكيين على كيفية التحقيق مع الأسرى العراقيين، وكيفية الحصول منهم على معلومات عبر استخدام أساليب الضغط الجسدي والنفسي.
وكما يقول الصحفي رونين بريجمان المختص بتغطية الشؤون الاستخبارية الإسرائيلية فإن ضباطا من «الشاباك» أطلعوا نظراءهم الأمريكيين على الأساليب التي بواسطتها يمكن تجنيد العملاء لصالح الاستخبارات المركزية الأمريكية من أوساط العراقيين. وأشار بريغمان إلى أن علماء نفس وخبراء في النفسية العربية ألقوا محاضرات أمام ضباط الاستخبارات الأمريكية الذين من المنتظر أن يسعوا لتجنيد العراقيين للتعاون معهم.
اصطفاء الخبراء الإسرائيليين
ضمن برنامج «بوبوليتيكا»الذي بثته القناة الأولى في التلفزة الإسرائيلية الثلاثاء 18-3-2003 كشف البروفيسور عماتسيا برعام أستاذ التاريخ العراقي في جامعة «حيفا» أن نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني قد التقاه لمدة ثلاث ساعات في أحد الملاجئ في البيت الأبيض؛ وذلك للاستماع منه عن الأوضاع في العراق. برعام هذا فاجأ المشاركين في البرنامج عندما أكد أن تشيني التقى على الأقل سبعين خبيرا إسرائيليا من أجل التحضير للحرب على العراق. ولم يفت الخبير الإسرائيلي أن يشير إلى أن تشيني معجب جدا بمهنية الخبراء الإسرائيليين.
من جانبه المح اللواء عاموس مالكا إلى أن التورط الإسرائيلي في الحرب الأمريكية على العراق يفوق إلى حد كبير ما كشف النقاب عنه حتى الآن، ولكن ما لم يعد خافيا هو حجم الرهان الإسرائيلي على الحرب الذي يزداد كل يوم بشكل مطرد. وقد كان خيال دوائر صنع القرار في دولة الاحتلال الإسرائيلي واسعا إلى حد أن توظيفها للحرب على العراق لا يعرف له حدود.
1- كل من وزير الدفاع الإسرائيلي موفاز ورئيس أركانه يعلون شددا على أن أهم هدف سيتحقق لإسرائيل من وراء انتصار أمريكا في الحرب هو تكريس الهزيمة والشعور بالعجز في الوعي الجمعي للعرب والفلسطينيين عامة. يعلون ذهب إلى حد القول: إن انتفاضة الأقصى ستتلاشى بسرعة بعد هزيمة العراق، معتبرا أن حالة الذهول ستفرض واقعا جديدا لن يستطيع العرب والفلسطينيون تجاهل استحقاقاته.
2- شددت دوائر صنع القرار الإسرائيلية على أن إقامة نظام متعاون مع الأمريكيين في بغداد سيكون بمثابة آلية لاحتواء كل من إيران وسوريا، وفرض استحقاقات على إيران، كما يقول عوزي عراد الرئيس السابق لقسم الأبحاث في «الموساد»، والباحث البارز حاليا في «مركز هرتسليا متعدد الاتجاهات»، أهمها: التخلي عن برامجها النووية، والتوقف عن مساعدة «حزب الله»، أما بالنسبة لسوريا: إقناعها بضرورة التوافق مع إسرائيل حول حل وسط لهضبة الجولان، والتوقف عن دعم المنظمات الفلسطينية وطردها من دمشق.
3- ويؤكد شبتاي شفيط الرئيس السابق للموساد ما أشار إليه موفاز ومرؤوسوه سابقا، لكنه يتوقع أن العالم العربي بعد هزيمة العراق سيسوده مناخ ثقافي مغاير تماما؛ حيث سيستعيد الجناح الداعي للتطبيع مع إسرائيل «قوة الدفع» من جديد، سواء على مستوى الدول أو الجماعات. ويشبه شفيط الأطراف التي ستعود للمطالبة بالتطبيع، فيقول: «يتسيئا مي هارون» (أي الخروج من الخزانة، وهو تعبير باللغة العبرية يطلق عادة على الشاذين جنسيا الذين يعلنون ممارستهم الشاذة، بعد أن كانوا يقومون بها سرا). وحسب شبتاي فإن الهزائم التي تلحق بالعالم العربي تدفع المثقفين خاصة إلى نهج «واقعي». ويلفت شفيط الأنظار إلى أن هذا التحول قد يحدث بدون أن يرتبط بقيام إسرائيل بإبداء «تنازلات» على صعيد التسوية مع الفلسطينيين.
الرهان الاقتصادي
أ- لعل أهم رهان اقتصادي إسرائيلي على الحرب أبرزته التصريحات الصريحة والمتكررة لوزير البنى التحتية الإسرائيلية يوسيف بريتسكي الذي أكد أنه سيتوجه إلى عَمَّان ليناقش مع الحكومة الأردنية اقتراحا بأن يتم ضخ النفط العراقي في مرحلة ما بعد صدام إلى مدينة «حيفا» عبر الأراضي الأردنية، ويشير بريتسكي إلى أن هذا المشروع من المتوقع أن يخلق فرص عمل لآلاف العاطلين عن العمل، إلى جانب مد خزانة الدولة بمداخيل إضافية.
ب- من المعروف أن معظم الصناعات التي لا تعتمد على التقنية المتقدمة في اسرائيل قد أغلقت أبوابها في العامين الماضيين. وهذه المصانع متواجدة في «مدن التطوير» التي تسكنها الطبقات الضعيفة من اليهود من أصول شرقية والمهاجرين الجدد. لكن الحرب على العراق تحيي الفرص أمام هذه المصانع؛ فكما يقترح داني جيلرمان رئيس اتحاد الغرف التجارية الإسرائيلية فإنه من الممكن أن يتم تسويق منتجات هذه المصانع في العراق.
وبالتالي يبرز الدور الاسرائيلي في الحرب على العراق وهو الدور الذي بدأ منذ حرب الخليج عام 1991 ويستمر حتى الآن.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved