Thursday 17th april,2003 11158العدد الخميس 15 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شرُّ البليَّة شرُّ البليَّة
د. سلطان سعد القحطاني

كنت أتابع خطاب الرئيس الأمريكي، بوش الابن، وهو سليل الأب الذي قاد مجموعة التحالف لتحرير الكويت، بكل اقتدار وذكاء، وقد أعطته الفرصة الذهبيَّة التي قدمها إليه صديقه القديم، صدام حسين شعبية دولية، عندما كان بوش رئيساً للمخابرات الأمريكيَّة. ويا لها من هدية مجزية. استطاع بوش تحقيق نصر مؤزر بقيادة الحلفاء عام 1991م، واستطاع صدام حسين الانتصار على الشعب العراقي، ترك جزءاً منه يضرب في صحراء الكويت، وآخر يموت عطشاً، أما الباقون فراحوا ضحية ما تبقى من الذخيرة التي يجري تجريبها في الصحراء العربية، ومنها اليورانيوم المنضب، عندما ضربوا في طريق العودة من الكويت إلى الحدود العراقية. أما آخر فصل من المسرحية، فكان قتل الثائرين العراقيين، عندما اكتشفوا مؤامرة الطرفين (القيادة العراقية، والجندي).
وبما أن الفصل الثالث من المسرحية الدرامية لم ينته، فقد ساهمت القوات الأمريكية المنتصرة في إخماد التمرد في الجنوب وتشريد الكثير من عناصر القوة العراقية، وأخذها إلى أمريكا ولندن، لتدجينها هناك وتنعيم ملمسها الخشن، للدرجة التي لم تعد تثق فيها، لشدة ما جرى على أفكارها من غسيل، وأنها لم تعد تنفع.
إن مدة الحصار التي بلغت حوالي ثلاثة عشر عاماً تكفي لنزع الثقة من الأمريكي، مهما حاول خداع الإنسان البسيط، كما كان يعهده، لكن معلوماته قديمة، عرف أنه يعد ولا يفي وعرف انه مسعور بحب المال وجني ثمار البترول بأسرع وقت ممكن؛ ولم يكن الشعب العراقي الذي يعاني ويلات الجوع والمرض، من آثار حصار طال أمده وحاكم جائر لا مثيل له، هو الوحيد الذي عرف خداع التاجر الأمريكي، بل حلفاء أمريكا أنفسهم في تحرير الكويت، عندما استأثرت أمريكا بالغنائم لنفسها، ولم يحصلوا على شيء. إنهم يقولون ما لا يفعلون!!.
الشعب العراقي يعاني من حكومته الظلم والاستبداد والقهر، وتصور أن نصير الحق والحرية ومنقذ الشعوب المظلومة جاء لإنقاذه، كما جاء الفاتحون من المسلمين الأوائل لإنقاذ المستضعفين. وشتان بين (الثريا والثرى) جاء الفاتحون يحملون رسالة سماوية، هدفهم تبليغها، كما أمرهم الله، الصدق شعارهم، والقناعة زادهم. وجاء بوش يحمل حقيبة خالية، نزفتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وإن كان المخطط قبل ذلك بسنوات، رفع شعار (تحرير العراق) على غرار تحرير الكويت. والفرق بين التحريرين فرق شاسع، ولا مقارنة بينهما، بأي حال من الأحوال. لم يكن هناك من عاقل وافق على غزو الكويت، كدولة مستقلة، عضو في كل الهيئات الدولية، وبالتالي ساهم كل بما يستطيع، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، أو الرسمي. وبنت الإدارة الأمريكية ومستشاروها على هذا التأييد الشعبي والرسمي، لكنها فوجئت برصاص وعصيان مدني ، بدلاً من الوردة والتصفيق والهتاف لجنودها الذين غلبوا على أمرهم، ولم يجدوا أكثر من وجبة واحدة في اليوم، وإلى الآن، بعد ثلاثة أسابيع من الغزو، لم يحققوا الانتصار الذي وعدوا به. لقد لاموا صدام حسين في غزو الكويت، وحقه التجريم واللوم من كل الأطراف، ونسوا ذلك اللوم ليكرروه، ويبرر بوش ورامسفيلد هزائمهم بالنصر، وقامت سياستهم على الدعاية، ويخلطون الأوراق، بين شعب عربي مسلم، يدافع عن أرضه ومقدساته وأعراضه، وبين أسلحة الدمار الشامل. يدعون تحرير العراق، وهم يحتلونه، يضربون مخازن الأغذية، ويدعون أنهم يجلبون لهم الغذاء ، يقطعون أنابيب المياه الصالحة للشرب، ويدعون أنهم سيجلبون لهم المياه النقية، ويتضح أن بعض جنودهم يشاركون الأسر الفقيرة طعامهم القليل.
فأين الحرية التي جاءوا بها وأين الأخلاق الحضارية، وهم يضربون الشعب الأعزل؟ أليست هذه شر البلية؟؟

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved