Thursday 17th april,2003 11158العدد الخميس 15 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

لعبة الحرب لعبة الحرب
جاك فيري(*)

أوراق اللعب تلك .. مجرد أوراق اللعب صغيرة الحجم، والتي عادة يتسلى بها أولئك الذين لا وقت لهم سوى للتسلية بالورق. ربما في أوروبا، يمكنك أن تتذكر أوراق اللعب حين تجلس أمام نفسك، لتضحي بمساء من الوحدة، حيث لا تجد من تلعب معه سواك. في مدن الغرب، يمكنك البحث عمن يلعب معك الشطرنج أو ورق اللعب. ولا تجد.. كل الناس ينشغلون بأشيائهم. ربما ليلعبون لوحدهم وليخسرون لوحدهم وليشعرون في النهاية أنهم كسروا روتين الوقت الإضافي، في ليلة من الوحدة حد البؤس.. لكن العراق ليست أوروبا، ومدن العراق ليست باردة كمدننا.. إنه الشرق هنا، النخيل والبيوت المتلاصقة مع بعضها. الناس الذين يتقابلون دوما. ربما يلعب جار مع جاره لعبة ما، باستمرار. بينما الوقت يتكسر في لحظة ما من الأنس.. لكن لعبة الورق لم تعد حميمية. ولم يعد لاعبوها يشعرون بشيء جميل أثناء اللعب بها. لأن البيت الأبيض حولها إلى أوراق سياسية.. حالة مثيرة من حالات المطاردة المخابراتية العسكرية. مكتب الاستخبارات الأمريكية لا يضيع وقته في العراق. يقرر أن يضع لجنوده قوانين لعبة جديدة، بالورق والترصد على حد سواء.. لأي جندي أمريكي يريد أن يتسلى في وقت فراغه أن يلعب الورق، وأن يراقب جيدا الوجوه المرسومة بدقة على تلك الورق.. وجوه كانت ذات يوم تشكل ميكانزمات النظام العراقي.. من الرئيس المخلوع صدام حسين إلى آخر مستشار كان يؤسس الثقافة البعثية العراقية .. وجوههم مرسومة على ورق اللعب بين أيدي الجنود وأولئك الذين «يريدون» مساعدة الأمريكيين للقضاء عليهم .. أحد الجنود الأمريكيين قال مبتسما «نحن نؤدي واجبنا الوطني بالتسلية..! نعم بالتسلية .. لأنهم يعترفون أن وقتهم الضائع كبير، وأن الورق ليست لعبة عادية، لأن الوحدة شاسعة .. بامكان جندي الآن أن يجلس مع بعض الجنود الآخرين للعب .. للبحث عن تفاصيل الصور التي تخفي خطورة أصحابها على الأمريكيين. صدام حسين لم ينته إذن. حتى وهو مشروع ميت أو هارب. فإنه يؤرق البيت الأبيض. ويصنع من مكتب الاستخبارات الأمريكية شيئاً قابلاً للسخرية. ليس لأنهم لم يرصدوا مكانه أو حركاته، على الرغم من أقمارهم الصناعية القادرة على رصد ادق التفاصيل على الارض. إنما لأنهم دخلوا الحرب أولا بمنطق القوة الأخرى التي لا يمكن هزيمتها.. لعبة الورق تلك ذكرتني بلعبة مماثلة تقريبا صنعها الجيش الإسرائيلي للبحث عن كوادر المقاومة الفلسطينية. عبر طاولة اللعب بمربعات صغيرة عليها صور تلك الكوادر. ورسم مشابه للصورة مكتوب عليه: خطير جدا..
في الثمانينات كانت تلك اللعبة أشبه بالموضة، بحيث لم يقتصر لعبها على الجنود الإسرائيليين بل على المدنيين أيضا.. حرب اللعب .. أو لعبة الحرب.. لا يمكن تفرقتها عن بعضها. فالجيوش التي تريد فرض أسلوب «أنا المحق» هي التي تلعب لعبة كهذه أو كتلك .. النازيون لعبوا أيضا، لعبة الكلمات المتقاطعة السرية، بحيث كانوا يمررون أسماء أعدائهم عبرها. والعنصريون في جنوب إفريقيا لعبوا أيضا لعبة الأسماء والصور التي يكتب تحتها: مطلوب حيا أو ميتا .. تماما كما فعل رعاة البقر قبل أكثر من مائتي سنة! مشكلة الإنسان أنه لم يتغير. أنه لا يتغير عندما يتعلق الأمر بالحرب. تبدوفكرة «كل الطرق مباحة» سببا في الانتهاك.. في الحرب ليس هنالك شيء اسمه «من فضلك» لأن الأمور تصبح عندئذ «رغما عنك» .. نعود إلى لعبة الورق التي علقت عليها في برنامجي الإذاعي لهذا السبت قائلا: إنها سخافة الحرب.. سخافة الشعور بالحرب أيضا..» وهي فعلا كذلك.. الأمريكيون يتسلون بالحرب دائما.. تماما كما يفعلون عبر كل فيلم يوزعونه على العالم بعبارة: أنظر إلى قوتنا.. إلى قدرتنا على الدفاع عن الحق.. «ربما نتذكر دوما أمام فيلم أمريكي مليء بالإثارة وبالحركة التكنولوجية. أن ثمة من كان ضحية القوة تلك.. نتذكر حكايات الهنود الحمر بنفس رغبتنا في تذكر مآسي الإنسان الحالي الذي قد يصبح «خطرا» على الأمريكيين في لعبة ورق قادمة يكتب عليهاعبارة «خطر رقم واحد». لأن العالم بأسره سيصبح عدوا للأمريكيين إن استمرمفهوم التعايش مع الإنسان بهذه الصورة.. ولأن أمريكا حين تقرر القضاء على شخص تجعله لعبة ورق مفضلة لدى جنودها في مساءات الضجر .. فلنلعب إذن كي لانموت من اليأس !

* كاتب وإذاعي فرنسي عن «اللوموند» الفرنسية

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved