Wednesday 23rd april,2003 11164العدد الاربعاء 21 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

القنفذة عقد من الزمن.. وعقود من إنجازات عملية وعلمية وإنسانية كبيرة قام بها آل إبراهيم القنفذة عقد من الزمن.. وعقود من إنجازات عملية وعلمية وإنسانية كبيرة قام بها آل إبراهيم
الفقيه: أمَّن للقنفذة مياه الشرب ونشّط ميناءها وحرك تجارتها وأكثر مدارسها ورعى طلاب العلم والأيتام وساعد المحتاجين وزار المرضى وأكرم رجال العلم

  تحقيق حمّاد بن حامد السالمي
* لمن نكد نفرغ من نشر
حلقات حدود الوطن عن محافظة القنفذة، في الفترة من السبت 19 من محرم 1424هـ حتى الجمعة 25 منه، وقد خصصنا حلقته الأخيرة «السابعة» للكلام على معالي الأمير إبراهيم بن عبدالعزيز آل إبراهيم - رحمه الله - الذي أدار امارتها بين عامي 1370هـ و1380هـ.. وكذلك للكلام على آداب وفنون وابداعات أبناء القنفذة.
* أقول.. لم نكد نفرغ من ذلك، حتى توالت الاتصالات والمكاتبات سواء من أبناء القنفذة، أو ممن عمل مع معالي الأمير ابن إبراهيم - رحمه الله - أو عرفه خاصة إبان امارته للقنفذة.
* وللحقيقة.. فإني عرفت معاليه أول مرة في الباحة بعد أن تولى امارتها، فقد كنت أزوره بين وقت وآخر، وأجري معه أحاديث صحافية، أو أهاتفه من الطائف متحدثاً معه في شؤون الصحافة وما يخص منطقة الباحة.. لقد كان - رحمه الله - في قمة المسؤولية التي تعرف كيف تتعامل مع وسائل الإعلام، وكان يؤمن بدور مؤمل للإعلام في التعريف بمنطقة الباحة وتنشيط حركتها السياحية، وأذكر أني كنت أطرح عليه بعض الأسئلة التي تأتي في صيغة اقتراحات: ماذا لو جرى كذا.. وكذا.. فأجده يقولك «هذا اقتراح جيد.. وسوف نناقشه مع كبار المسؤولين ليتحقق في منطقة الباحة» راجع «ملحق.. الصيف والاصطياف في المملكة» أصدرته مؤسسة «الجزيرة»، في شهر رمضان عام 1404هـ حزيران 1984م وكان أول ملحق سياحي تصدره صحيفة سعودية في المملكة.
* وكان رحمه الله، يتابع ما تنشره الصحف ويرحب بالحديث إليها، ويذلل كل عقبة تعترض وصولها إلى الباحة، أو تعرقل توزيعها.. وأذكر أن توزيع «الجزيرة» تعرض في يوم جمعة من عام 1404ه إلى تصرف غير مسؤول على طريق الطائف الباحة فلم توزع في ذلك اليوم، وجرى بيني وبينه مهاتفة في هذا الخصوص فسارع - رحمه الله - إلى التصرف بفهم وحزم في ساعات قليلة، وحلت المشكلة ل«الجزيرة» ولصحف أخرى مماثلة.
* وكنت كلما أردت زيارة الباحة في عمل صحافي، هاتفته مستأذناً، وأفاجأ عند وصولي، أنه وجه الجهات كافة بتسهيل مهامي وانجاز عملي كما ينبغي.
* رأيته آخر مرة في شعبان عام 1404هـ ، ومكثت عدة أيام عنده، كتبت خلالها الكثير عن الباحة وجمعت صوراً له وللمنطقة هي من أعز ما أملك.
في العام 1406هـ غيبه الموت، لكن اسمه ظل لامعاً، وذكره بقي خالداً، وفي زيارتي للقنفذة، سمعت عنه وعن وفاء أبنائه ما يثلج الصدر، فهاهم أبناء القنفذة ومن عمل معه، يعكسون بعض الصور الجميلة من حياته وانجازاته في القنفذة.
حفل استقبال ابن إبراهيم عند تعيينه أميراً للقنفذة
يقول الشيخ حسن بن إبراهيم الفقيه، وهو مؤرخ، ثبت، وباحث ثقة، وممن عرف ابن إبراهيم، وجلس مجالسه، وخبر حماسه ونشاطه في القنفذة قال:
في أحد أيام شهر جمادى الأولى من سنة 1371هـ أقام أهالي القنفذة ورؤساء الإدارات الحكومية حفل استقبال لأميرهم الجديد الشاب «34 سنة» الشيخ ابراهيم بن عبدالعزيز آل إبراهيم مشتملاً الحفل على رقصات العرضة المحلية وفنون أخرى في الساحة الواقعة أمام قصر الضيافة المكون من دورين عاليين، وأقاموا حفلاً خطابياً شاركت فيه المدرسة السعودية الابتدائية بالقنفذة ومن ضمن فعالياته الخطابية «قصيدة شعرية ألقاها كاتب هذه السطور وقد كان من طلاب المدرسة يومها» وهي مختارة من أحد المقررات الدراسية وتنوعت الكلمات والقصائد يومها، وشارك بها بعض رؤساء الإدارات الحكومية والشخصيات المحلية، وكان يوماً منفرداً ببهجته وجماله بقي راسخاً في أذهان الذين عاشوه وعايشوه.
جهده في تأمين مياه الشرب للقنفذة وكان ذلك على مرحلتين:
1- كانت مدينة القنفذة تعتمد في تأمين مياه الشرب على «حفائر» بدائية وهي آبار صغيرة كانت توجد في الشعاب المتفرعة من وادي قنونا بجوار القنفذة «5 كلم» شرقاً مثل «السلسلي، هارون، أم الجرم» مياهها مغثبرة بالطين والأتربة وتجلب على الجمال والدواب الأخرى التي تحمل «القرب» و«التنك» وتباع بأثمان عالية وليس للسكان بد ولا مناص من ذلك فلما شاهد ذلك أميرهم الجديد عمل على تحقيق سقيا القنفذة بالوايت الصهريج من إحدى الآبار المشهورة بعذوبة مائها وصفائه المطوية بالحجر في ضاحية أحد بني زيد «17 كم شرق القنفذة» وأمر ببناء «بركة» كبيرة تتسع لعدد كبير من شحنات السيارة الوايت ويأخذ السكان حاجتهم بوسائل عصر ذاك «المردوف» وكان في ذلك حل لأزمة دامت قبل ذلك عشرات بل مئات السنين من حياة هذه المدينة.
2- عندما زار جلالة الملك سعود - رحمه الله - مدينة القنفذة سنة 1374هـ
عندما شرفت هذه المدينة بزيارة جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز - رحمه الله - وذلك في شهر صفر من سنة 1374هـ كان الأمير إبراهيم آل ابراهيم قد عرض على جلالته ما تعانيه القنفذة من شح المياه ومتاعب نقله بالسيارة فأصدر جلالة الملك سعود أمره الكريم في أثناء فعاليات زيارته بمد القنفذة بالمياه عبر التمديد بالأنابيب من ضاحية أحد بني زيد واقامة مباني الخزانات اللازمة والتمديدات اللازمة للشبكة وقرأ الأمر الملكي على المواطنين يومها أحد رجال الدولة «الشيخ يوسف ياسين» - رحمه الله - وقد استقبل السكان هذا النبأ والمكرمة الملكية بمشاعر الفرحة والدعاء لجلالته ولأميرهم ابن إبراهيم الذي سعى في تحقيق ذلك.
وقد بدأ هذا المشروع يتدفق بالمياه من أحد بني زيد منذ عام 1375ه ولا يزال كذلك إلى اليوم وقد شهد تحسنات وتطويرات كبيرة في عهد خادم الحرمين الشريفين حفظه الله حيث استبدلت التمديدات وأنشئ في القنفذة خزان عالٍ يعد تحفة معمارية رائعة، وأنشئت شبكة داخلية مدت في كل الأحياء القديمة والجديدة.
ونعرّجُ بهذه المناسبة إلى بعض جهود أمير القنفذة الشيخ إبراهيم آل ابراهيم عند الزيارة الملكية للملك سعود إلى القنفذة.
فقد كانت الجهة المقابلة للبحر «شاطئ البحر الذي رست فيه السفينة التي كانت تقل جلالة الملك سعود وركبه الميمون كانت الجهة المقابلة من البلدة للبحر ذات مناظر لمنازل قديمة البناء في بعضها أو من المباني ذات القش وأراد أمير القنفذة أن يجمل هذا المنظر فأقام على امتداد البلدة من الناحية الغربية مجموعة من أعواد «الدوم» وألبسها بالأقمشة البيضاء لتكون ضمن «الزينة» المقامة بمناسبة زيارة جلالة الملك ولتعالج ما يحسن معالجته من ذلك المنظر، وأذكر أن المذيع المرافق لجلالة الملك يومها وهو «الأستاذ عباس فائق الغزاوي» الذي كان يرسل تقريره اليومي للإذاعة والصحافة قد قال بما معناه «وصلنا إلى شاطئ البحر المقابل لمدينة القنفذة وإذا بنا نشاهدها كطائر أبيض يرفرف بجناحه على شاطئ البحر» وهي صورة وصفية جمالية لا أزال ممن يذكرها.
وقد أقام أمير القنفذة ابن إبراهيم يومها حفلاً عظيماً ورائعاً أصبح ليس فقط حديثاً للركبان ولكنه حديث الزمان جيلاً بعد جيل بجانب ما وجه به من اقامة الحفلات الخطابية وما عبر به الأهالي سواء من السهل الساحلي أو من العرضية من العرضات أو الفنون الشعبية ابتهاجاً بزيارة الملك سعود - رحمه الله -.
تأثره العميق يوم وفاة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - واستقباله المعزين
ما ان انتقل إلى جوار ربه جلالة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وسرى الخبر بين الخاصة والعامة حتى خيمت سحب الآسى والحزن على أرجاء المملكة كافة ومنها «منطقة القنفذة» «محافظة القنفذة حالياً» وحتى بلغ الحزن والآسى مبلغه على صفحة وجه الأمير إبراهيم آل ابراهيم - رحمه الله - ونهض من حينه لابلاغ الخاصة والعامة وأعطى توجيهاته الأمنية والإدارية، وفتح باب قصر الإمارة لاستقبال أرتال المعزين من أرجاء القنفذة حاضرة وبادية، وكان مدير شرطة القنفذة يومها الشاب الأديب الملازم «يحيى بن عبدالله المعلمي» - رحمه الله - الذي كان تعيينه مديراً للشرطة بعد تعيين الأمير إبراهيم ومباشرته لعمله بشهر أو نحوه.
فكان «المعلمي» من أوائل المعزين وقام يومها بإلقاء مرثية عصماء أمام الأمير إبراهيم والمعزين الحاضرين في قصر الامارة ولا تزال الذاكرة تختزن مستهل تلك المرثية التي قال فيها:


عنت الوجوه ومالت الأعناق
وبكى الفؤاد فدمعه مهراق
وتلفتت شبه الجزيرة دهشة
وارتجَّت الأمصار والآفاق
نَبأ به صُكَّت مسامع أمة
قد هالها من حولها الإطراق

وبعد نحو أربعين سنة من ذلك اليوم جمعتني بالفريق «المعلمي» مناسبة عقد «ملتقى أبها الثقافي لعام 1414هـ»على ما أظن» فرويت له هذه الأبيات فتأسف على فقدان تلك المرتبة مع طول الزمان وتنقله في أعماله في عديد من البلدان - رحمه الله- ولا أزال أذكر قربه في أثناء عمله من الأمير إبراهيم قرب محبة وتقدير وبخاصة أنه ينتمي إلى أسرة علمية مرموقة «أسرة آل المعلمي» ولأنه كان بجانب كونه رجلاً عسكرياً مبرزاً فإنه أديب بارز يجتمع حوله كثير من محبي الثقافة والأدب في مجلسه إبان إدارته لشرطة القنفذة.
بناء السقالة أو رصيف الميناء بجهود أمير القنفذة إبراهيم آل إبراهيم
من أوليات الأعمال التطويرية في القنفذة التي تبناها أمير القنفذة الشيخ إبراهيم بن عبدالعزيز آل إبراهيم حال تسلمه وتقلده منصب امارتها اهتمامه ببناء «السقالة» أو شارع ورصيف الميناء وتكلل جهده بالنجاح فقد تم انشاء شارع الميناء ورصيفه على يد بعض المهندسين الايطاليين التابعين للشركة المنفذة والمقاولة على التنفيذ وأذكر أنه كان على رأس العمال الذين عملوا في تنفيذ هذا المشروع المهندس الفني الايطالي «النونو» الذي أسلم على يد قاضي القنفذة يومها الشيخ «حامد محمد عطي» - رحمه الله - وتسمى «محمد النونو» وتزوج في مدينة القنفذة وأنجب ولداً.
والمهندس المنفذ «قرملي» وكان بناء هذا الشارع والرصيف في حدود عامي 1372، 1373هـ أي قبل زيارة الملك سعود للقنفذة بنحو السنة، وطرأ على هذا المشروع خلال الخمسين سنة الماضية لبعض الاصلاحات والترميمات ولا يزال على وضعه إلى اليوم.
محاولة الشيخ إبراهيم بن إبراهيم في تطوير الحركة التجارية
جمع أمير القنفذة الشيخ ابراهيم بن عبدالعزيز آل ابراهيم تجار القنفذة، وطرح عليهم فكرة تطوير أحوال البلدة التجارية بإنشاء شركة للاستيراد والتصدير أو ما شابه هذه الفكرة التي تعتمد على الاستيراد من الخارج وفق المتبع في الموانئ التجارية السعودية الأخرى مثل جدة وما شابه بغية النهوض بالمستوى التجاري في هذه المدينة وضواحيها وبعد أخذ ورد، وجد التجار أنفسهم غير قادرين في نظرهم من الناحية المادية لإخراج هذا المشروع الى النور على الرغم من استعداد أميرهم بأن يدبر مساهمة تقدر بـ51% من هذا المشروع وعليهم البقية وانقضت الاجتماعات للأسف دون خروج ذلك المشروع.. ويظهر أن هذا المشروع أو ما يشبهه ظل ضمن هم واهتمامات الشيخ إبراهيم حتى بعد تعيينه أميراً لمنطقة الباحة.
جهوده رحمه الله في تطوير عدد المدارس وإيجاد إدارة تعليمية تشرف عليها
واصل أمير القنفذة الشيخ ابراهيم جهوده لتطوير اعداد المدارس وتكوين إدارة تعليمية تشرف عليها وتنهض بأعباء متابعة التعليم والنهوض به فتحقق بمساعيه وتعاون المسؤولين عن التعليم في القنفذة إحداث مدارس ابتدائية في القرى الكبيرة من منطقة القنفذة آنذاك «محافظة القنفذة» حاليا وتعددت وقد كان عددها يوم تسلمه لمنصب امارة القنفذة مدرستين اثنتين «المدرسة السعودية بمدينة القنفذة» و«مدرسة حلي» ولم يأت عام 1375 - 1376هـ إلا وفي القنفذة وضواحيها عشرات المدارس، التي احدثت لها «معتمدية المعارف بالقنفذة» منذ عام 1375هـ التي طورت الى «إدارة تعليم منطقة القنفذة» في رجب سنة 1378هـ.
تشجعيه لطلاب العلم
كان رحمه الله محباً للعلم وطلابه، ومعتزاً بتحقيق تلك الطفرة في اعداد مدارس التعليم الابتدائي في أيام امارته للقنفذة وكان يتابع رفع مستوى التعليم وتقديم الجوائز المادية للطلاب وحضور معسكراتهم الاشبالية ورحلاتهم المدرسية وحفلات مناسباتهم الدورية والسنوية ومهرجاناتهم الرياضية.
سعى رحمه الله في سبيل إحداث «معهد للمعلمين» لتخريج أفواج من المدرسين الوطنيين الذين يسهمون في بناء المسرح التعليمي في بلادهم وتحقق له ذلك بفتح أول معهد سنة 77 - 1378ه وتخرج في إبان امارته للقنفذة اول فوج من المعلمين السعوديين نهاية عام 79 - 1380ه فاحتفى بهم وأجزل لهم الجوائز.
أول رئيس لأول لجنة امتحان
للشهادة الابتدائية
ومن جميل ما يذكر هنا ان الشيخ إبراهيم آل إبراهيم أمير القنفذة كان أول رئيس لأول لجنة لامتحان الشهادة الابتدائية بالقنفذة في تاريخ تعليم القنفذة في العهد السعودي الميمون وذلك في نهاية العام الدراسي 1374هـ وكان أعضاء اللجنة كلاً من فضيلة الشيخ ابراهيم الراشد الحديثي رئيس محكمة القنفذة يومها والسيد محمد مصطفى الشنقيطي مدير مالية وجمرك القنفذة والشيخ عبدالله العواد رئيس هيئة الأمر بالمعروف والأستاذ يوسف علي نتو مدير المدرسة السعودية الابتدائية بالقنفذة، وكان المتخرجون في الشهادة الابتدائية سنتها أول فوج يتخرج في الابتدائية في تاريخ التعليم في العهد السعودي من «القنفذة» وبهذه المناسبة أقيم للمتخرجين حفل تكريم تحت رعاية أمير القنفذة الشيخ ابراهيم، وتبرع ليلتها -رحمه الله - لكل متخرج بمبلغ سخي وانهال بعده التجار والأهالي بالتبرع لهم واذكر في هذا المقام ان الحماس والتشجيع والوطنية دفعت أحد «مخرجي السيارات: السمسار عبدالله سعيد عمر» الى التبرع بمبلغ كبير بزَّ به تبرع أي من التجار والأهالي على الرغم من ضآلة دخله من مهنته - رحمه الله -.
سعيه وتحقيق مشروع إنشاء مدرسة للأيتام في إمارة القنفذة
من أعماله الإنسانية سعيه في سبيل لم شمل الأيتام في مدرسة تقوم بتدريسهم واسكانهم واعاشتهم وظل يسعى وراء ذلك حتى تحقق فتح المدرسة عام 74/1375هـ ولم يكن بالقنفذة من الدور الكافية لها ولكن هيئت إحدى الدور المبنية بالحجر كمدرسة للأيتام وكمقر لسكنهم وكان أول مدير لها هو الشيخ عبدالعزيز الفدا ويدرس بها بعض المدرسين واستمرت لمدة ثم رُؤي من المصلحة ضمها الى مدرسة الأيتام في جدة بداية من عام 1379هـ فنقلت وطلابها الى هناك ولعل من أهم الأسباب لذلك: 1- عدم وجود المبنى الكافي للدراسة ولإيواء الطلاب في سكن مناسب. 2- انعدام مؤسسات لتأمين التغذية والملابس لقصور بلدة القنفذة حينذاك من تقديم شيء من ذلك.
حبه لزيارات معسكرات النشاط والمهرجانات الطلابية وتقديم الجوائز له
ومن تشجيع أمير القنفذة الشيخ إبراهيم للعلم وطلابه وحرصه على ذلك زيارة معسكرات الكشافة والرحلات المدرسية التي كانت تنفذ في ضواحي القنفذة، اذكر من ذلك زيارته الفجائية التشجيعية لمعسكر الكشافة الذي أقيم عام 1380هـ في ضاحية أحد بني زيد وحضوره الحفل الكشفي بها وتوجيهه للشباب من المدرسين على احياء مناسباتهم بالكلمات والقصائد الشعرية كمناسبتي عيدي الفطر والأضحى واستقبال كبار الزوار وغيرها وتقديم الجوائز المادية والعينية لحثهم على التحصيل، ورفع معنوياتهم وشحذ همتهم.
وبمناسبة توجيهه رحمه الله حرص كاتب هذه السطور على اغتنام فرصة عيد الأضحى لإلقاء قصيدة أمامه في قصر الامارة وقيام زميله «الأستاذ علي محمد زين مرعي» بإلقاء كلمة وان يكون ذلك عملاً مستمراً في مناسبتي العيدين وغيرهما من مناسبات.
ففي عيد الأضحى من سنة 1380هـ بدأ تنفيذ هذه الفكرة لتقدم أمام الزميل الأستاذ علي مرعي حال اجتماعه بالمهنين بالعيد في قصر الإمارة وألقى كلمة تهنئة نثرية ثم تلاه «كاتب هذه السطور»بقصيدة أبياتها تتجاوز الثلاثين بيتاً لم يبق منها في الذاكرة سوى هذه الأبيات التي أوردها على علامتها العروضية وربما اللغوية، وهي تتحدث عن بزوغ شمس يوم العيد وخروج المصلين وكذلك قيادة الملك سعود يومها للحجيج وبعض المعاني الأخرى وهي:


لاح فجر.. وأبدت الغزالة هاما
خجل الليل فانطوى وتراما
ومع الإشراقة الجميلة جاءت
للمصلى مواكب إغطاما
وسعود قام في الحجيج إماما
حفظ الله للبلاد الإماما
قادها في مواطن القدسات
وحباها من فيضه إكراما
يا أميري أجل حلو التهاني
والأماني أزفهن دواما
لابن عبدالعزيز أمير بلادي
من حباها من حبه الاهتماما
يا أميراً تسامت الروح فيه
فكرك الخصب في الصلاح تساما
تشتكي الكهربا عليك الليالي
عارف أنت كم تعاني الظلاما
إهدها النور يسري مضيئاً
ومزيلاً عنها الضباب والاعتاما
مثلما النور شع به العلم في مدارسها
مضيئاً السهول والاكاما
وختاماً فتهنئة العيد أهدي اليك
عطرها عاطر وللجميع السلاما

حرصه على تفقد أحوال الناس وفض بعض قضاياهم ميدانياً وزيارة المراكز التابعة لامارة القنفذة
كان - رحمه الله - يحرص على زيارة مراكز الامارة الفرعية او ما يسمى ب«الطوارف» للتفقد والوقوف على أحوال الناس والنظر والبت في بعض القضايا التي تستلزم الحل بالوقوف الميداني فمرة يزور «مركز جلي» ومرة «مركز دوقة او المظيلف او القوز» أو أي مركز آخر، ولا ازال اذكر رحلته الشاقة لزيارة «مركز العرضية» وكان للعرضية مركز واحد يقع في بلدة «ثريبان» في بلاد بني رزق القرنية ثم فيما بعد انشئ «مركز العرضية الشمالية» ومقره «بلدة نمرة» واصبح مسمى «مركز ثريبان» «مركز العرضية الجنوبية».
زيارته لمركز العرضية عام 1371هـ
في يوم 2/10/1371هـ قام - رحمه الله - بزيارة لمركز العرضية وكأنه يريد ان يزوره في أيام «عيد الفطر» لمعايدة الناس هناك والنظر في بعض قضاياهم فاختار لبدء رحلته «ثاني أيام عيد الفطر المبارك من سنة 1371هـ» وفي هذا لفتات كريمة منها «المعايدة» ومنها التعرف والوقوف على بعض أجزاء نطاق امارته على الرغم مما عليه المسالك الى العرضية «القطاع الجبلي» من امارة القنفذة من صعوبة، وكان قد اتخذ لرحلته سيارتين احداهما «ونيت كبير من نوع الفورد» والأخرى «سيارة فورد 3 أطنان ذات صندوق» امتطى الوانيت وكان يسوقه بنفسه وكان برفقته فضيلة الشيخ حامد محمد عطي قاضي القنفذة وسعادة مدير شرطة القنفذة الملازم يحيى بن عبدالله المعلمي والكاتب بمكتب الامارة رئيس المكتب فيما بعد سعيد باخشوان ويرافقه نجلاه «عبدالعزيز وخالد ال ابراهيم» وكانا فتيين صغيرين وكذلك اصغر ابناء الشيخ حامد عطى «عبدالله وأحمد» وكاتب هذه السطور وثلة من رجال الشرطة وبعض أخوياء من الامارة وكان افراد الشرطة والأخوياء يمتطون السيارة الكبيرة مع مؤن السفر والمخيم ومعدات السفر.
كان الانطلاق من القنفذة عصر ذلك اليوم 2/10/1371ه فمر بمركز المظيلف وكان قد استقبله «أمير مركز المظيلف وشيوخ الجهة» وكان مضيفنا أمير المركز عبدالعزيز بن صليهم - رحمه الله - وكان من أجود الناس ومن أكثرهم ذكراً في ناحية الكرم، ثم سرنا ليلاً من المظيلف وثبتنا في «وادي نادان» وفي الصباح سرنا فاستقبلنا في وادي الاحبة شيخ قبيلة «بني عمر العلي» بالمخواة محمد بن علي العمري «عاش نيفاً ومائة سنة» رحمه الله وألح على أن يستضيف الشيخ ابراهيم فاستجاب لدعوته وبعد تناول الغداء أقيمت عرضة ضمت مئات من أهالي قرى بن عمر «المخواة» وتبارى عصر ذلك اليوم الشعراء في المدح والاشادة ب«ابي عبدالعزيز» ثم سار ركبه وبعد نحو عشرين كيلاً استقبل شيخ غامد الزناد «الشيخ الزندي» وكان يسوق أمامه رعية من الخراف هدية للشيخ ابراهيم فرفض وبعد الحاح وافق على بضع منها وواصل سيره -ر حمه الله - ومررنا بقرية المعقص واستراح لدى الشيخ المتشرى لبعض الوقت وواصل سفره فأمسى في وادي «ببيان» وواصل سيره صباح اليوم التالي ليصل الى «مركز العرضية في ثريبان» وكان له استقبال غاية في الروعة والترحيب وحسن الاستقبال ونُصب مخيمه في برحة جنوب البلدة وكان أمير العرضية يومها الشيخ خالد بن فهيد الدوسري وكان ذا كرم باذخ وقضى الشيخ إبراهيم بضعة أيام للنظر والبت الميداني في بعض القضايا التي كان ينظر فيها القاضي الشيخ حامد عطي ويحيل تنفيذها الى مدير الشرطة يحيى المعلمي، وبعد بضعة أيام عاد موكبه رحمه الله الى القنفذة والحقيقة التي احتفظ بكثير من تفاصيل رحلته تلك وبعض متعلقاتها الشخصية أنني لا يحتملها المقام هنا، وارجو ان اتمكن من التعرض لها في كتابتي لبعض ذكرياتي ومذكراتي إن شاء الله.
مخيمه الربيعي بجوار السابلة لإفادة المسافرين وإكرامهم
كان من أعماله الإنسانية - رحمه الله - أن يقيم مخيماً في كل ربيع بجوار الخط العام الذي يطرقه المسافرون بين القنفذة وما يقع جنوبا عنها وقد اختار موقعاً من «خبت آل زياء» بجوار تلك الطريق التي يمر بها الحجاج ايضا وكان المخيم يضم مكاناً خاصاً بالأنعام «البقر والغنم» التي يشرب ألبانها سابلة الطريق ومن يستضيفهم ويمد سماطه للذاهب والآتي تقبل الله منه وجعله في صالح أعماله.
زيارته للقنفذة وتواضعه ونبله ووفاؤه
زار القنفذة في مناسبة زواج إحدى كريمات قريبة أمير القنفذة الشيخ «عبدالله الحمد البراهيم» - رحمه الله- وهو من الرجال الصالحين والعباد، وكان الشيخ ابراهيم يومها وكيلا لامارة منطقة عسير وكان ذلك في أواخر عام 1392ه وكان يرافقه على ما اذكر فضيلة الشيخ ابراهيم الراشد الحديثي رئيس محاكم عسير والشيخ محمد صالح الفواز مدير تعليم منطقة عسير والشيخ عبدالله العواد رئيس هيئات الأمر بالمعروف في عسير وغيرهم وكان الشيخ ابراهيم قد تفضل واستجاب ومرافقوه لدعوة أهالي القنفذة بتناول الغداء لديهم في أحد أيام الزيارة الشخصية هذه وقد اكرمني ومرافقوه الأفاضل اكرمهم الله بجنة الخلد فاستجابوا لدعوتي لهم بزيارة منزلي ضحى يوم وليمة الأهالي وزادوا في اكرامي بالمقيل في داري المتواضعة حتى حين موعد وليمة الأهالي ولم يخصوني وحدي بهذه الزيارةفقد زاروا عدداً من محبي الشيخ ابراهيم ومحبيهم - رحم الله الجميع أحياءً وأمواتاً - .
ابن إبراهيم في القنفذة
أما الأستاذ الدكتور ابراهيم بن محمد الزيد، فهو الذي عمل سنوات طوال مع معاليه رحمه الله، كان مديراً عاماً لمكتبه وهو وكيل في امارة عسير، ثم اصبح وكيلاً له في امارة منطقة الباحة، فهو يعكس هناك بعض جوانب شخصية ابن ابراهيم وعلاقتها مع القنفذة التي لم تنقطع حتى وفاته رحمه الله، يقول: القنفذة محافظة من محافظات مكة المكرمة، في تهامة الوسطى تقع على ساحل البحر الأحمر تبعد عن مدينة جدة ب370 كيلا الى الجنوب في منتصف المسافة بين جازان وجدة، وهي ميناء تجاري وعسكري مهم في أيام الدولة التركية، كان يرد عن طريق مينائها معظم احتياجات المنطقة الجنوبية عسير والباحة وما حولها من البلاد، لقد لقيت رعاية مهمة في عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وأبنائه الميامين من بعده ويرتبط بالقنفذة عدد من المراكز الأمنية ولأهمية القنفذة اختير الأمير إبراهيم بن عبدالعزيز آل ابراهيم رحمه الله وعين أميراً لها في عهد الملك عبدالعزيز في عام 1371ه، وفور وصوله اليها قوبل بحفاوة من الأهالي، وقام بجولة للتعرف على احيائها وقراها وللتعرف على احتياجات وحاجات السكان وقوبلت هذه البادرة بالارتياح من الأهالي ولتواضع الأمير ابراهيم احبه الناس والفوه واختلطوا به واختلط بهم فعدوه والدهم ففزعوا اليه لقضاء حوائجهم حتى عندما انتقل الى ديوان الامارة في مكة - وعسير والباحة كان يقدم نصائحه لأهالي البلاد رغبة في تطويرها من الناحية العمرانية والزراعية والتجارية والتعليمية والاجتماعية فمن الناحية الزراعية قام بإنشاء بعض السدود الترابية على نفقته، وقد اهتم بمكافحة الجراد، ومن أعماله المذكورة والمشكورة انه كان يذهب للقرى ويأخذ منه بعض المسؤولين والمعاملات ويقوم بحلها على الطبيعة حتى لا يتكلف المواطنون مشقة السفر من قراهم الى القنفذة، كان يصحطب معه القاضي ومدير الشرطة والإدارة المعنية بالقضية - وأبرز مثال على ذلك سفره للعرضتين عندما كثرت المعاملات وتراكمت ومعه القاضي ومدير الشرطة واقام هناك مدة حتى انجز حل هذه المعاملات دون ان يكلف الناس مشقة السفر الى القنفذة بهذا قابله الأهالي بالمودة والمحبة والإكرام الكبير، لقد كانت مدينة القنفذة تعاني من قلة مياه الشرب الصالحة، فسعى بجهد حثيث عند الدولة أيدها الله فاعتمد المشروع وجلب الماء بواسطة شبكة حديثة من أحد بني زيد على بعد 18 كيلاً، لقد كان رحمه الله يعامل الناس بالعدل والحسنى والمساواة ويزور مريضهم ويساعد محتاجهم - حدث مرة ان احد أهالي القنفذة امضى كثيراً من عمره في صناعة الحلوى البلدية فتجمع لديه بعض المال وتوجه للخارج لاستيراد بعض البضائع لكنه فوجئ بغرق السفينة فاسقط في يده فلما علم الأمير بذلك ذهب اليه وواساه ودفع قيمة ما خسره «قال خال الأمير فهد البراك - رحمهما الله - وقد شهد الواقعة ان ذلك المال هو كلما يملكه معالي الأمير - وطلب من خاله الا يخبر احداً بذلك، لقد أصيب معالي الأمير بالربو مرة فسافر الى الخارج، ولما عاد رغب في النقل من القنفذة لظروفه الصحية، ولما علم أهالي القنفذة بعث مائة وعشرون رجلاً من كبارهم برقية الى سمو ولي العهد يطلبون عدم الموافقة على نقل الأمير الى مكان آخر، وبقي في عمله حتى تعين وكيلاً لإمارة منطقة مكة المكرمة، بناءً على امر الملك سعود رحمه الله بعد عشر سنوات قضاها في مدينة القنفذة - رحمه الله رحمة واسعة -.
أبناء ابن إبراهيم وعلاقتهم بالقنفذة
وهذا الأديب الشاعر، حمزة بن أحمد الشريف، شاعر القنفذة، والسهل والساحل والجبل، يتناول جانباً آخر من علاقة ال ابن ابراهيم بمحافظته فيقول:
سعادة الأستاذ الفاضل/ حماد بن حامد السالمي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم، اطلعت على العدد «11138» تاريخ 25 -1 - 1424هـ من صحيفتكم الغراء الجزيرة، ولقد كان الختام مسكاً عن محافظة القنفذة في الحلقة السابعة من استطلاعكم الناجح، بما نشرتموه عن تاريخ معالي الشيخ ابراهيم بن عبدالعزيز آل ابراهيم وما قدمه لمحافظة القنفذة من جهود موفقة ومشاريع ناجحة في تلك الأيام التي قضاها مع مواطني هذه المحافظة أميراً لها ولا يزال يذكرها التاريخ بل يسطرها بماء الذهب، داعين له بالرحمة.. وما لا بد من ذكره في هذه العجالة هو ما يقدمه ابناؤه الكرام من الأيادي البيضاء ومد يد العون الى مواطني هذه المحافظة وما جاورها من القرى والهجر فإن لمعالي الشيخ عبدالعزيز بن ابراهيم، ومعالي الشيخ خالد بن ابراهيم جهوداً مباركة في هذه المحافظة يصلون بها جهود والدهم وتقديم كل ما فيه الخير وبسخاء مما يجعل ذكرى والدهما ماثلة لدى المواطنين، ولست هنا اريد تعداد ما قام به ابناء الشيخ ابراهيم ال ابراهيم فهم في غنى عن ذلك ولكن كان لزاما عليَّ ان اشهد للحق والتاريخ بما اراه من تلك الأعطيات والمساعدات الجزيلة الدالة على كرم النفس وصلة أهل هذه المحافظة الدائم وتفقد أحوالهم، فباسم الجميع نتقدم بالشكر والعرفان بالجميل لهؤلاء الرجال الأفذاذ، داعين لهم بمزيد من التوفيق وكان الله في عونهم، هذا ولكم مزيد الشكر والتقدير ولصحيفة الجزيرة ومسؤوليها.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved