Tuesday 29th april,2003 11170العدد الثلاثاء 27 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نائب رئيس سلطة المياه الفلسطينية لـ « الجزيرة »: نائب رئيس سلطة المياه الفلسطينية لـ « الجزيرة »:
إسرائيل تسيطر على 88% من مجموع المصادر المائية المتجددة

  * رام الله نائل نخلة:
منذ حرب 1967، أو كما سميت في حينها «حرب المياه» تقوم إسرائيل بنهب وسرقة مياه الفلسطينيين، فبعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، سيطرت إسرائيل على جميع مصادر المياه بما فيها الأحواض المائية في فلسطين «الغربي والشرقي والشمالي الشرقي».
وهي تسيطر الآن كما يقول المهندس فضل كعوش نائب رئيس سلطة المياه الفلسطينية على 88% من مجموع المصادر المائية المتجددة، أي قرابة 800 مليون متر مكعب.
وبالرغم من أن الفلسطينيين هم طرف تاريخي مشارك في مياه نهر الاردن بمقدار 250 مليون متر مكعب، وفق كل الاتفاقيات لا يحصل الفلسطينيون على أي منها، فالإسرائيليون منعوا الفلسطينيين منذ 1967 من الوصول لنهر الأردن ودمروا كل المضخات على نهر الاردن وطردوا المزارعين وأعلنوها منطقة عسكرية مغلقة.
يقول كعوش في مقابلة خاصة مع صحيفة «الجزيرة»، ان غزة تعاني من مشكلة نقص في المياه منذ زمن، فمعدل حصة المياه في فلسطين «الضفة وغزة» لا يتجاوز 40 لتراً للفرد في اليوم، مقابل ما يستخدمه الإسرائيلي داخل إسرائيل يصل إلى عشرة أمتار مكعبة في السنة أي ما يعادل 350 لتر في اليوم.
وإذا قارنا بين المستعمرات في الضفة بالمواطن الفلسطيني، وجدنا أنه يوجد في الضفة حوالي 180 ألف مستوطن يستهلكون حوالي 55 مليون متر مكعب، أي ما يعادل 450 500 لتر لكل فرد في المستعمرات، مقابل الفرد الفلسطيني الذي لا يحصل على حاجته في المياه، و40 لتراً أقل بكثير من المعيار العالمي لحياة المواطن المقدر ب150 لتر من المياه يوميا.
وتكمن المعاناة الفلسطينية في وجود 250 تجمع فلسطيني من أصل 615 مدينة وقرية ومخيم في الضفة الغربية لا توجد فيها شبكات مياه، مثل بلدة طمون ذات العشرة آلاف مواطن، والذين لا تتوفر لديهم شبكات مياه، بل يعتمدون على آبار الجمع والينابيع التي جفت في معظمها بسبب سرقة إسرائيل لهذه المياه، كذلك يوجد الكثير من المدن في جنين محرومة من المياه بسبب ممارسات الاحتلال في تلك المناطق التي تحول دون حصول المواطنين الفلسطينيين على المياه.
والاحتلال الإسرائيلي منذ سيطرته على الأراضي الفلسطينية أهمل حاجة المواطنين الفلسطينيين للمياه وأهمل شبكات الصرف الصحي، ولم يقم كمحتل وفق كل الاتفاقيات الدولية برعاية شؤون المواطنين في توفير المياه لهم، مما نتج عنه نقص حاد في المياه، وعدم توفر شبكات المياه في الكثير من التجمعات البشرية الفلسطينية الكبيرة ويحصلون على المياه من آبار الجمع ومن المياه السطحية التي هي غالبا غير صالحة للشرب أو من تجار المياه بحيث يكلفهم متر الماء المكعب أكثر من دولارين.
وبالرغم من أن الفقرة 40 من اتفاقية السلام» أوسلو» التي نصت بالحرف الواحد على وجود تفاهم واعتراف إسرائيلي أن 80 مليون متر مكعب من المياه هي احتياجات عاجلة للفلسطينيين، إلا انها لم تطبق شروط الاتفاقية وتم الحصول فقط على 20 مليون متر مكعب.
وقد شكلت لجنة مشتركة لمتابعة هذه القضية لكنها فشلت نظرا لتغير السياسات بين حزبي الليكود والعمل اللذين تعاقبا على رئاسة الحومة عدة مرات منذ توقيع اتفاقية أوسلو.
وقال كعوش إن إسرائيل لم تكتف بمصادرة المياه وحجز حصة الفلسطينيين، إلا أنها لم تسمح لهم أيضا بحفر الآبار إلا في إطار محدود جدا، بحيث أصبح كل من يحفر بئراً يسحب المياه على حساب بئر أخرى كانت محفورة مسبقا.
ففي منطقة رام الله مثلا نجد أن الفلسطينيين توجهوا لحفر آبار جديدة، في مناطق الآبار المستنزفة، كنتيجة أن السلطات الإسرائيلية قلصت كمية المياه المسموح بأخذها من عين سامية من 15 ألف متر مكعب في اليوم، إلى 3 أمتار مكعبة فقط. هذا إلى جانب أن الفلسطينيين كانوا يحصلون على المياه من الينابيع التي بنيت عليها قراهم، حيث إن كل قرية فلسطينية بنيت على نبع من المياه، على 60 مليون متر مكعب اليوم مسموح فقط 15 متراً مكعباً والسبب أن هذه المياه يتم سحبها من قبل إسرائيل بغض النظر عن زيادة احتياجات الفرد الفلسطيني.
وذكر كعوش، انهم توجهوا إلى إسرائيل بطلب من أجل حفر آبار ارتوازية بتاريخ 30 آذار من العام الجاري، قوبل بالرفض المطلق. وبالرغم من أنه تم تقديم الادلة الكافية على المعاناة الفلسطينية جراء نقص المياه، حيث الآبار الارتوازية تحتاج إلى وقت طويل كي تصلها المياه من جديد، وان موسم الأمطار الجيد لا يساهم كثيرا في ملء الآبار الارتوازية التي تقع على عمق 500 متر تحت الأرض تقريبا. وتم الطلب منهم في عدة اجتماعات، ضرورة توفير المياه لرام الله ولجنين وطوباس ولقرى نابلس وقلقيلية وطولكرم، وكان الرد دائما لا... بحجة عدم توفر المياه المطلوبة.
والمشكلة الحقيقية لا تكمن في قلة المصادر المائية فهناك الكثير منها، إلا أن المشكلة تكمن في عدم السيطرة على مصادر المياه تلك، فهناك 800 مليون متر مكعب تكفي لعشرات السنين إلى الأمام، ولكن إسرائيل وبمنعها الدائم لاستغلالها إنما تهدف إلى تحقيق أمرين كما أوضح فضل كعوش، فهم يريدون أولا السيطرة على المياه وسرقتها ونقلها إلى داخل الخط الأخضر لري السهل الساحلي المزروع بالقطن، الذي يروى بأكمله من المياه الفلسطينية.
وثانيا استخدام هذه المياه كسلاح سياسي يجعل الفلسطينيين يستجدون مياههم من إسرائيل من أجل أن يقوموا بتمرير أوراق تفاوضية أخرى، وهو سلاح فتاك ضد الفلسطينيين في كل الجوانب إن كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، يهدف إلى إخضاعهم وإبقائهم تابعين للحكم الإسرائيلي، ومن ثم الاعتراف بالمستعمرات الإسرائيلية كأمر واقع عن طريق مشاركة المياه بين المستعمرات الإسرائيلية والمدن الفلسطينية، مثل المشاركة في المياه بين مدينة الخليل ومستوطنة كريات أربع، وإذا استمر الجانب الإسرائيلي بممارسة هذا النوع من الضغط على الفلسطينيين وحرمانهم من مياههم سيسود نوع من التوتر وسيكون مصدر عنف مستقبلي، فالمياه مثل الجوع والجوع كافر، فأي إنسان عندما لا يجد أي من مقومات الحياة الرئيسية لن يتوانى عن القيام بأي شيء في سبيل الحصول على حقوقه، فعند ما ينظر المواطن الفلسطيني الذي لا يستطيع الحصول على مياه للشرب وينظر إلى المستعمرات الإسرائيلية بجانبه تهدر بها المياه على الجنائن يمكن أن يعمل أي شيء من أجل الحصول على المياه.
وإلى جانب المعاناة نجد أن هناك ضعفاً في القطاع الزراعي، فقد كان يشكل 42% من الأيدي العاملة، أصبح يشكل فقط 15% من الأيدي العاملة الفلسطينية فقط، الأمر الذي يهدد مصادر رزق الفلسطينيين، مما يؤدي إلى العنف وزيادة التوتر، ولن ينعم أي من الطرفين بالسلام مُطلقا.
ومن الواضح أن الجدار الفاصل يهدف إلى السيطرة على الأحواض الغربية في الضفة، فلو كان هذا الجدار أمنياً لكانوا بنوه على الخط الأخضر ورفعوه إلى ارتفاع شاهق جدا، حيث إننا نرى أنه يتم بناء الجدار الفاصل ابتداء من قرية سالم وصولا إلى الجنوب، ويتم تحويل هذا الجدار وتسيره بشكل يتناسب مع التجمعات المائية لكي يجعلها متاحة لإسرائيل بشكل كامل دون منازع. وهذا الجدار وإن كان له ذرائع أمنية فقد وضع غربه حوالي أربعون بئرا للمياه، وحصر وراءه أكثر من 85 ألف دونم من الأراضي الزراعية في المرحلة الأولى وسيحصر حوالي 70 بئراً فلسطينية أخرى.. أي قرابة 110 من الآبار ستكون غرب هذا الجدار وتحت تصرف إسرائيل، هذا إلى جانب أن تعرج الجدار في مناطقه المختلفة يهدف للسيطرة على الحوض الغربي «أكبر حوض مائي لدى الفلسطينيين» بأكمله 380 مليون متر مكعب من المياه، وبالتالي فالجدار الفاصل متراس عسكري من أجل إحكام السيطرة الإسرائيلية على المياه الفلسطينية وخاصة الحوض الغربي.
والوضع في غزة أصعب من الضفة الغربية فمساحة غزة ضيقة لا تزيد على 365 كيلو متر مربع يسكنها حوالي مليون ومائة نسمة تقريبا، مصادر المياه الموجودة فيها محدودة جدا، تنتج عن الأمطار التي لا تتجاوز ال45 مليون متر مكعب من أصل 120 مليون متر مكعب تستخدمها غزة سنويا. فهناك عجز سببه سحب زائد من الاحتياطي وزيادة نسبة الملوحة، البحر يتقدم نحو المصادر المائية العذبة، والمياه في غزة سطحية كلما يسحب منها يسمح لمياه المجاري المياه القادمة بالوصول إلى نظام المياه هناك.
هذا ونجد غزة تعاني من مشكلة كبيرة في النوع والكم، حيث ان نوعية المياه هناك متردية ولا توجد كميات مياه تكفي حاجة السكان، وهناك قنبلة بيئية موجودة في غزة حيث يوجد الكثير من الأمراض الناتجة عن تلوث مصادر المياه.
وبالتالي غزة مهددة ليس بالعطش فقط بل بالتلوث لاتساع مناطق الملوحة فيها، وكان في إطار اتفاقية السلام اتفاق أن تعطى غزة 5 ملايين متر مكعب من الضفة ولم تعط غزة أي متر مكعب من الضفة الغربية، ولو يسيطر الفلسطينيون على حصتهم البالغة 800 لاستطاعوا تزويد غزة بالمياه عبر خط أنابيب من الخليل إلى غزة بطول 40 كيلو متراً، إلا أن الإسرائيليين يحاولون دفع السكان في غزة إلى تحلية المياه التي هي مكلفة جدا وتكلف أكثر من دولار ونصف الدولار لكل متر مكعب واحد من المياه، إضافة إلى أنه لا يمكن أن يصنع الفلسطينيون منشآت تحلية في ظل وجود دولة فلسطينية، غير قادرة على إنشاء هذه المنشآت، وغير قادرة على توفير قطع الغيار اللازمة أو الخبرة اللازمة أو الكهرباء، فكل هذه الأمور مجتمعة تجعل بديل تحلية مياه البحر غير ممكن في قطاع غزة.
وقال كعوش الإسرائيليين يتهموننا أننا نلوث البيئة بسبب عدم توفر أنظمة صرف صحي في الضفة الغربية، وكان نتنياهو وزير المالية أمر بمعاقبة الفلسطينيين عبر خصم 49 مليون شيكل، ومنذ أسبوعين أيضا خصموا 35 مليون شيكل، يعاقبنا أننا لا نملك محطات مجاري في قلقيلية وطولكوم ونابلس ويتهمنا أننا من خلال مياه المجاري نسبب أضراراً قيمتها المبالغ التي خصمت، ولكن حقيقة انهم هم الملوث الوحيد، فهناك كثير من المستعمرات الصناعية يخرج منها أكثر من 50 مليون متر مكعب من المياه العادمة، ولا يقومون بمعالجة مياه المجاري بل يصبوها في مياه نهر الأردن.
وأضاف: تقدمنا لكل الجهات الدولية بشرح تأثير إسرائيل التدميري على مصادر المياه، وعن خطر المستعمرات الصناعية على المياه.. ولأنه يوجد في العالم سيد واحد فقط «الإسرائيليون» فقد تم رفض كل النداءات والمطالب الدولية من أجل إعطاء الفلسطينيين حقوقهم، ونحن الآن ننتظر حدوث مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي ونأمل أن يطرح ملف المياه بشكله الكامل، حيث سنطالب بالحقوق المائية داخل حدودنا، وسنطالب بالتعويض عن الأضرار التي نجمت جراء الممارسات الإسرائيلية في جانب المياه، هذه مطالب عادلة.. فهم الذين تسببوا في الأضرار وهجروا عشرات آلاف العمال في قطاع الزراعة، إلى جانب المشاكل البيئية الجمة، فهذه الأمور مجتمعة ستكون على سلم أي مفاوضات تتم.
وأشار كعوش إلى أن الشعب الفلسطيني يعاني مرارة السياسات العنصرية الإسرائيلية التي تمس بقضايا حياتية للشعب الفلسطيني، فالعائلة الفلسطينية تعاني بشكل يومي، وبدوره ناشد كل الجهات العربية والدولية الحقوقية أن تسند الشعب الفلسطيني في مطالبه العادلة، لأن الهجمة الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني هي هجمة شرسة وظالمة وقاسية جدا، وخاصة إذا كانت القضية تتعلق في أحد أسس الحياة، وهي المياه.
وأوضح أنه لن يتم الجلوس إلى طاولة نستجدي بها لترات من المياه من الجانب الإسرائيلي، فهو حق فلسطيني، وليس كرما منهم.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved