Thursday 1st may,2003 11172العدد الخميس 29 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إنه الاحتلال فهل لنا إلا أن نفكر بصوت مشترك لئلا تكون العراق أولاً.. ولإنهاء الاحتلال؟ إنه الاحتلال فهل لنا إلا أن نفكر بصوت مشترك لئلا تكون العراق أولاً.. ولإنهاء الاحتلال؟
د. فوزية عبدالله أبو خالد

دخل العرب حرب 48 كما تؤكد كتب التاريخ وإن تضاربت تفاصيلها دون أي استعداد عسكري أو سياسي أو اقتصادي لم يكن ليتاح لهم وهم ما زالوا يعيشون بين مد وجزر مرحلة الكولونية الأوربية التي أبت أن تنسحب دون أن تتوج احتلالها بوجود الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي على أرض فلسطين. ولما لم يعرف جيل الأجداد كيف يكفِّر عن تلك الخطيئة التاريخية في حق الأجيال الآتية فقد سمى تلك السنة بسنة النكبة كرمز ليس فقط لفداحة ضياع فلسطين إلى أجل غير مسمى ولكن أيضاً كتأكيد للحد الأعلى من التردي العربي الذي بلغ منتهاه بتلك الهزيمة، أي بهذا المعنى كان تعبير النكبة كناية عن أن ليس للسنوات أن تأتي بما هو أسوأ، غير أن جيل الآباء من الذين كانوا شبابا صغاراً أو في مقتبل العمر حين وقوع النكبة كانوا على موعد مع هزيمة جديدة لحرب 67م في حرب خسروا فيها مساحات جديدة من الأرض العربية قبل أن يخوضوا المعركة التي لم يبد أن الاستعداد لها كان أفضل من استعداد الحرب السابقة، ولعل تسمية سنة تلك الحرب بسنة النكسة ليس لأن خسائرها السياسية والعسكرية كانت أقل فداحة ولكنه ربما كان من قبيل الرأفة بذل الذات وذلك باتخاذ موقف أقل صرامة من موقف الجيل السابق في محاسبة النفس. وفي حرب 73م سارعنا إلى قلبها من حرب تحرير إلى مجرد حرب تحريك باتجاه مفاوضات غير متكافئة وبشروط غير عادلة، أما دخول قوات العدو الإسرائيلي إلى قلب العاصمة اللبنانية وشرب جنود العدو نخب انتصاراتهم وسط الصمت العربي المريب في جماجم أطفال صبرا وشاتيلا عام 82م فقد سميناه عملية اجتياح بيروت وكأن العملية مجرد عملية اجتياح عابر وإن أتى من عدو غير عابر بما ترتب عليه ليس فقط إعادة توزيع الشتات الفلسطيني بشكل أكثر تشتتاً وتشظياً ولكن بما ترتب عليه إسقاط الصراع العربي الإسرائيلي من الأجندة السياسية للوطن العربي وتحويلها إلى مسألة قطرية ضيقة لا تزيد عن مساحة الضفة الغربية وغزة. وحين جاء الدخول على خط القتال مع أفغانستان ضد الاحتلال السوفيتي في اطار الأجندة الأمريكية للمواجهة بين قطبي تلك المرحلة فقد كانت تسمية «الجهاد» جاهزة لتجييش عدد من الشباب ممن دفعوا حياتهم بسخاء قبل أن تنقلب السياسة على مسمياتها المستعارة وبنفس الاسلوب تم استخدام مسمى القادسية والدفاع عن البوابة الشرقية في تلك الحرب الانتهازية التي شنها نظام العراق السابق على إيران في حين كان دونالد رامسفيلد نفسه يقوم بزيارة صدام حسين صديق الثمانينات ليؤكد له الدعم الأمريكي لتلك الحرب وليبارك عقود الشركات الأمريكية لتجهيز الجيش العراقي بالمواد النووية والكيمياوية والبيولوجية التي صارت إحدى الذرائع لشن الحرب اللا شرعية على العراق يوم 20/3/2003م.
فهل هناك علاقة بين العجز الفاحش في مواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية التي كانت تعبر عنها تلك الهزائم العسكرية وبين تدخيل اللغة أو توسلها لستر فحش العجز وتفاقم الأزمات؟ ليس هذا سؤالاً لغوياً ولكن كما يقول نعوم تشاوماسكي فإنه لا يمكن فصل الصياغات اللغوية عن التصور الاجتماعي للشيء أو للمصطلح. إن ما استدعى طرح هذا السؤال وبإلحاح حول ما ذكرنا من تبني العالم العربي لعدد من التسميات الرحيمة لتلك الحروب الكارثية التي شكلت التاريخ الاجتماعي والراهن السياسي للمنطقة العربية فيما عدا مسمى النكبة الذي لم يتوصل التنصل من المسؤولية بأسماء رومانسية للمصائب هو الخلط اللغوي والمضموني الذي نعيشه اليوم من يوم أن اكتمل لأمريكا تتويج عدوانها على العراق باحتلال بغداد وبقية المدن العراقية من جنوب البلاد إلى شمالها، فالعدوان يسمى حرباً رغم افتقاد هذه الحرب لأبسط أشكال الشرعية ناهيك عن عدم تكافؤ القوى لا يسمح بتسمية أخرى لنتيجة العدوان بغير اسمه الفعلي وهو مسمى احتلال العراق.. واذا كانت حماقة صدام في غزو الكويت والنسق السياسي العاجز الذي تنتمي اليه الأنظمة الأخرى من المنطقة العربية قد أباح كما قد تبيح أحياناً الضرورة بعض المحرمات للإدارة الأمريكية في تلك المرحلة بأن تزين وجودها العسكري في الخليج بمسمى «تحرير الكويت» في إطار حرب عاصفة الصحراء التي لا تزال من يومها إلى ما شاء الله على ما يظهر تمطرنا بوابل الدوامات ما دمنا لم نحاول مداواتها بأي إصلاحات جدية فإن من غير المقبول أن نجاري أمريكا فيما تذهب اليه من تسمية الحرب على العراق واحتلاله بمسمى الحرية للعراق. وفي ذلك نجد أن حتى الصحافة الغربية والأمريكية نفسها لا تخجل من تسمية الأشياء بأسمائها الصريحة أو بالأحرى القبيحة بينما تتردد صحفنا العربية وبعض النخب السياسية في مصارحة شعوب المنطقة بحقيقة الكارثة التي لم تعد تخفيها الكاميرا على أحد. فصحيفة الواشنطن بوست على سبيل المثال تسمي الجنرال جاي جارنر برئيس الاحتلال أو الحاكم العسكري الأمريكي للعراق المحتل Chief of occupation بينما لا يرى فيه بعض كتَّابنا أكثر من منسق لعلاقات القوى الوطنية بالعراق رغم أن ذلك المنسق المزعوم يقوم بدور رئيسي في دعوة أو استبعاد من يريد أن يكونوا مساعديه «المحليين» في إدارة العراق تحت راية الاحتلال الأمريكي بغض النظر عن رأي شعب العراق فيمن يعتبرهم ممثليه الوطنيين. وكما أن تسمية الشيء هي جزء من تصوره فان التسمية الدقيقة أو المضللة تكون جزءاً من تصور الحل، لذا فإن الإصرار على تسمية الاحتلال الأمريكي للعراق بمسماه الدقيق لا يأتي من الرغبة في تعذيب الذات أو جلدها وإن كنا نستحق ذلك ولكنه يأتي بدافع البحث عن حلول جذرية للاحتلال قبل أن يلحقنا جميعاً لا سمح الله بأن نكون يوماً ما رعايا في دولة عبرية. وفي هذه العجالة نطرح خطوطاً عامة جدا وقد تكون فضفاضة على أمل بلورتها من قبل المعنيين بصناعة القرار السياسي وإن كنا في لحظة تاريخية جارحة لا تحتمل تحييد أحد من المواطنين العرب والمسلمين في مسألة البحث عن حلول حقيقية وليست لمجرد الاستهلاك الإعلامي لفاجعة عودة الاحتلال، ومن هذه الخطوط:
*العمل على اعتراض أمركة العراق التي يقترفها الاحتلال حين يحاول أن يتعامل معه بمعزل عن محيط جواره الجغرافي والسياسي. إن تحذيرات رامسفيلد عشية زيارته للمنطقة للقوى الوطنية العراقية من النموذج الإيراني للسلطة لا تؤخذ فقط كمؤشر على نموذج الديموقراطية التي تريدها أمريكا للعراق ولكنه مؤشر أيضاً على مسار إعادة التشكيل الإقليمي للمنطقة وتوزيع القوى بها. وفي هذا فإن المواطن العادي بدول الجوار العربي والخليجي يمكن أن يلعب دوراً وإن كان بسيطاً. إن التعاضد مع شعب العراق لمواجهة المآسي الانسانية التي لحقت بأطفاله وبالغيه نساء ورجالاً كالبعثة الطبية من الجزائر هي واحدة من الضمانات لعدم تسليم رقبة ذلك الشعب لجميل من تسببوا في حرقه بالقنابل العنقودية والطَّنية.
*العمل على اعتراض أفغنة العراق وترثيثه. إن ما يحدث في العراق من يوم سقوط بغداد والبصرة والموصل يحمل مؤشرات قوية على عملية الأفغنة، فعلى الرغم من تميز العراق ببنية تحتية قوية فقد جرى تهديم هذه البنية دون رأفة إلا بآمال الذين ينتظرون الحصول على حصة من استثمارات إعادة الإعمار، بل إن عملية النهب والتخريب المنظَّم التي حدثت لثروته الوطنية والحضارية دليل واضح على محاولة محو الهوية الحضارية والمدنية للمجتمع العراقي وتحويله إلى حالة اجتماعية رثَّة إن لم يكن بدائية، هذا دون أن نذكر البعد السياسي لاعتراض الأفغنة وهي من المهام الشاقة التي تواجه قوى العراق الوطنية بمختلف أطيافها السياسية وذلك حتى لا يستفرد بحكم العراق في ظل الاحتلال الأمريكي أولئك الذين لم يسمعوا في صرخات أطفال العراق وأمهاته من القصف المتواصل عليهم لمدة عشرين يوما بما يزيد ثلاث مرات على حجم القنابل التي مسحت هيروشيما ونجازاكي إلا أصوات أجراس الحرية المحمولة على أجنحة حاملات الطائرات الحربية.
*الضغط على المحتل عربياً وإسلامياً وعالمياً لوضع ضمانات محددة تنهي الاحتلال بأسرع وقت ممكن وعدم ترك الموضوع لساعة المحتل وأريحيته، وهناك من وسائل الضغط السلمية ما يمكن أن تشارك فيه القوى المدنية والقانونية بالمجتمع العالمي إجمع بما فيها قوى الضغط النزيهة بالمجتمع الأمريكي نفسه.
* بد من العمل على خلق وعي عام في أواسط الشباب العربي بالعلاقة المشبوهة بين احتلال العراق وبين إعادة تشكيل المنطقة لصالح الهيمنة الإسرائيلية كما جاء بشكل لا لبس فيه في دراسة ريتشارد بيرل وذلك لخلق حالة إيجابية من المقاومة السلمية للمشروع الأمريكي بمشاركة الشباب والشابات في العمل على تطوير البدائل الوطنية للمواجهة بدل أن يترك الشباب نهباً للشك ولقمة سائغة للتحريض الذي قد يوظَّف في أوجه عنيفة.
هل هذه الخطوط العامة مجرد أفكار طوبائية؟ إن كان الأمر كذلك فليكن، إذ إن مناهضة كوابيس الاحتلال تحتاج إلى أحلام تعقلنها المحاولات الحقيقية للتحرر من محتل ينتحل شخصية المحرر بينما يسيل لعابه نفطاً عبر حيفا. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved