Sunday 11th may,2003 11182العدد الأحد 10 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

التجنيد الإجباري التجنيد الإجباري
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

ميل شبابنا الجارف والخطير إلى الغرق في مظاهر الترف والانغماس في المتع يحتاج إلى وقفة تفكير وتأمُّل وتدبُّر.. لا سيما وأننا نعيش في زمن أصبحت فيه التسلية والاستمتاع بملذات الحياة والبعد عن الجد إلى الهزل ظاهرة اجتماعية، تكادُ أن تفرغ اهتمامات الشباب - وبالذات صغار السن منهم - من كل ما هو نافع لترسخ كل ما هو عبثي. وفي تقديري أن هذه الظاهرة رغم تفشيها الآن، هي في طريقها للتفاقم أكثر، لا سيما ونحن نعيش في ظل ثورة الاتصالات، وعصر الفضائيات التي لم يسلم منها أي بيت ولم ينجُ من غزو سلبياتها ذهن أي شاب. فأدوات التسلية والمتع وإشباع الملذات أصبحت تكنولوجيا واقتصاد، يُستثمرُ فيها مئات المليارات من الدولارات، وتغري الجميع من كل فئات المجتمع العمرية، فما بالك بالشباب والمراهقين على وجه الخصوص.
في رأيي كأب أن ما يُسمَّى في المجتمعات الأخرى ب«خدمة العلم»، أو «التجنيد الإجباري» للشباب في أعمار معينة، يمكن أن يكون بمثابة الحل الناجح والمؤثر، والذي نحنُ في أمسِّ الحاجة اليه، لتطويق هذه الظاهرة، والحد من تفشيها، وانتشار سلبياتها.
فنحنُ من جهة في حاجتها للدفاع عن الوطن أمام الأخطار المحدقة بنا من كل حَدَبٍ وصَوْبٍ، ومن جهة أخرى نحنُ في حاجتها لتكريس الاحساس بالوطنية وترسيخ مفهوم أن الدفاع عن الوطن هو مسؤولية أبنائه أولاً وأخيراً، ومن جهة ثالثة - وهي الأهم - نحن في حاجتها لكبح جماح مظاهر الترف والنعومة والترهل الأخلاقي والاجتماعي بغرس قيم وأخلاقيات العمل الوطني والانضباط لدى الشباب بدلاً من التسيّب والانغماس في المتع والممارسات العبثية التي ما تفشَّتْ في أمة إلا وقضت عليها.
صحيح أن هناك جدلاً عالمياً ما يزال قائماً حول مفهوم «خدمة العلم» بين مدرستين: مدرسة ترى أنها ضرورة وطنية يحتمها مبدأ الدفاع عن الوطن، أي وطن، من شرور أعدائه والطامعين فيه. ومدرسة أخرى ترفضها، على اعتبار أن الدفاع عن الوطن عسكرياً لا يأتي من خلال الإجبار وإنما بالتطوع والاختيار؛ ويقيم هؤلاء حجتهم على أن التجارب التاريخية أثبتت أن المجندين إجباريا هم أول الفارين في المعارك وأول المستسلمين للأعداء، بينما أن من يأتي إلى الخدمة العسكرية مختاراً يكون هو الأقوى أداءً، والأكثر تحملاً، والأشد مراسا.
يقول أحد الخبراء العسكريين: أعطني ألف جندي متطوع باختياره استطيع ان اسحق بهم عشرة آلاف جندي معسكر بالاجبار؛ هذا إضافة الى أن «التجنيد الإجباري» هو ضربٌ من ضروب عسكرة المجتمع التي لها تداعيات سلبية كثيرة كما ثبت ذلك تاريخيا. ربما ان وجهة نظر من يقفون ضد التجنيد الإجباري تحملُ الكثير من المنطق، إذا أخذنا الموضوع من زاوية أنه فقط مجرد أداء قتالي في المعارك العسكرية وتدريب على التعامل مع السلاح؛ غير أننا إذا أخذنا هذه القضية من زاوية أكثر شمولية نجد أن جدواها على المستوى الوطني، والاجتماعي، والتربوي، تتخطى مجرد الأداء القتالي إلى بناء الإنسان وغرس قيم الانضباط والاعتماد على النفس وتنظيم الذات.
وفي الاتجاه ذاته، يجب أن نتعاطى معها على أنها «دورات تأهيلية» وطنية لا تقف أهدافها عند كونها مجرد تأهيل للشباب للدفاع عن الوطن عسكريا إذا ما اضطروا إلى ذلك فحسب، وإنما يجبُ أن تكون فرصة تربوية وتوعوية وتعبوية بالإمكان توظيفها لتكريس الوعي لدى شبابنا الغض بالكثير من المخاطر التي تكتنف مسيرتهم المستقبلية، ناهيك عن أنها كذلك فرصة لتدريبهم وتعويدهم على الاعتماد على النفس والانضباط، بعيدا عن المتع والمسليات، وبعيداً عن الأمراض الاجتماعية الأخرى في مقدمتها الترف التي أصبحت للأسف سِمةً من سمات عصرنا الذي نعيش فيه.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved