Sunday 11th may,2003 11182العدد الأحد 10 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شارك في مفاوضات المملكة للانضمام.. الخبير الاقتصادي د. فهد الدوسري لـ « الجزيرة »: شارك في مفاوضات المملكة للانضمام.. الخبير الاقتصادي د. فهد الدوسري لـ « الجزيرة »:
بيع وتداول لحم الخنزير والخمور لا يعيق انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية
أحداث 11 سبتمبر عجلت المفاوضات.. ولا تأثير لحرب العراق تنتظرنا مباحثات ثنائية مع أمريكا وأوروبا تنهي أو تؤخر انضمامنا

* حوار عبدالله العاصم:
منذ عام 1993م والمملكة تفاوض للدخول في منظمة التجارة العالمية، ويتردد في المجالس السعودية أحاديث لعامة الناس عن وجود عقبات أساسية لانضمام المملكة لهذه المنظمة، وتتمثل العقبات في عدم السماح ببيع وتداول لحم الخنزير والخمور في أسواق المملكة، ويتساءل الكثيرون عن المفاوضات التي تتم بين المملكة والمنظمة وفوائدها.. وهل يستفيد منها المواطن العادي بقدر استفادة رجل الأعمال؟
كما يتساءلون عن آثار أحداث 11 سبتمبر والحرب الأخيرة في العراق على انضمام المملكة لهذه المنظمة؟
«الجزيرة» استضافت الخبير الاقتصادي الدكتور فهد سعد الدوسري الذي شارك في الجولات الخاصة بانضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية بين وفد المملكة وفريق العمل الخاص بطلب الانضمام.
وأجاب د. الدوسري الذي يعمل حاليا مستشارا للشؤون الاقتصادية ومنظمة التجارة العالمية في الغرفة التجارية الصناعية بالرياض على التساؤلات السابقة وغيرها، وبيّن في إجاباته أن المملكة أتمت تقريبا كل أو معظم الجانب الأول من المفاوضات وأن المفاوضات الأساسية المتبقية هي الثنائية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، موضحا أن المملكة أنهت مفاوضات ثنائية مع حوالي 17 دولة.
واليكم نص حوار «الجزيرة» مع الدكتور فهد الدوسري حول انضمام المملكة ل( م.ت.ع) وهو رمز نعني به منظمة التجارة العالمية:
د. فهد الدوسري
لا تعارض مع مبادئنا
* ما أهمية انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، وهل تسعى كل دول العالم للانضمام إليها؟ وهل يمكن من ناحية واقعية أن تبقى المملكة خارج المنظمة؟
ربما كان من المفيد وضع المنظمة في إطار منظمات برتن وودز، وكما هو معروف، فإن منظمة التجارة العالمية ليست إحدى منظمات هيئة الأمم المتحدة، مثل اليونسكو على سبيل المثال، ولكنها إحدى المنظمات الاقتصادية الدولية الثلاث التي اتفقت الدول الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية على إقامتها عام 1944م في منطقة «برتن وودز» شرق الولايات المتحدة الأمريكية، وسميت باسم هذه المنطقة، وذلك لغرض إعادة إعمار الاقتصادات الأوروبية المحطمة من جراء الحرب العالمية الثانية، واستقرار وانتعاش الاقتصاد العالمي، وتشجيع وتنظيم التجارة العالمية. هذه المنظمات الاقتصادية الدولية الثلاث هي صندوق النقد الدولي - والمعني بنمو واستقرار الاقتصاد العالمي، واستقرار أسعار الصرف، وتوفير سيولة كافية لتمويل التجارة العالمية، والمنظمة الثانية هي البنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية والمعني بإعطاء قروض استثمارية طويلة الأجل، ومنظمة التجارة العالمية هي المنظمة الثالثة ومعنية بتشجيع وتنظيم التجارة العالمية، ولم تقم هذه المنظمة في وقتها لاعتراض بعض الأعضاء على صلاحياتها, ولكن قامت بدلا عنها منظمة مؤقتة هي «الجات» والتي استمرت حتى إنشاء (م.ت.ع) عام 1995.
ويطلق اسم «الجات» أيضا على الاتفاقية الوحيدة التي توصلت الدول المتفاوضة إليها، وتقتصر على تجارة السلع فقط.
ومن أهم إنجازات الجات، منذ إنشائها وحتى قيام منظمة التجارة العالمية (م.ت.ع)، التخفيض التدريجي في مستوى التعريفات الجمركية، وإزالة كثير من العوائق أمام التجارة العالمية، مما شجع نمو التجارة العالمية والنمو الاقتصادي العالمي. وقد أملت متطلبات التطور الاقتصادي العالمي خلال العقود الثلاثة الأخيرة في مجالات التقنية والاتصالات والمعلومات، وتدفق الاستثمار المباشر وقصير الأجل وكذلك النمو الكبير في التجارة العالمية لمختلف أنواع الخدمات، واندماج الاقتصادات العالمية، أو لنقل «العولمة الاقتصادية»، أملى ذلك توسيع صلاحيات المنظمة، فأصبحت تعنى ليس فقط بتجارة السلع كما كان الوضع منذ قيامها عام 1944 حتى إنشاء (م.ت.ع) عام 1995، وأضيف إلى صلاحياتها تنظيم تجارة الخدمات، وتنظيم وحماية حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة.
كان عدد الأعضاء المؤسسين 23 دولة من الدول الصناعية، ماعدا دول نامية قليلة، ذلك أن الأغلبية الساحقة من الدول النامية عام 1944 كانت مستعمرة أو فقيرة للغاية، أما الآن فعدد أعضائها حتى أوائل عام 2003 (146) دولة غالبيتها من الدول النامية، بالإضافة إلى 28 دولة تفاوض من أجل الانضمام، ومجموعة من الدول الأخرى تقدمت رسميا للانضمام ولم تبدأ المفاوضات بعد، ولم يبق من الدول المهمة خارجها إلا المملكة وروسيا وبعض دول أوروربا الشرقية، علما بأن جميع الدول العربية، ما عدا العراق، هي إما أعضاء (هناك 11 دولة هي: دول مجلس التعاون الخمس- ماعدا المملكة - والأردن، ومصر، وتونس، والمغرب وموريتانيا وجيبوتي)، أو دول تفاوض للعضوية (وهي المملكة العربية السعودية، اليمن، لبنان، السودان، والجزائر)، أو دولتان تقدمتا رسميا للعضوية في أواخر عام 2001 وهما (سوريا وليبيا)، ويتوقع أن تتقدم العراق للعضوية بعد استتباب أوضاعها، كما أن غالبية الدول الاسلامية تنتمي إلى عضويتها أيضا. ومن هذا يمكن القول أن عضوية المنظمة تتكون من الغالبية الساحقة من بلدان العالم بما فيها الدول العربية والاسلامية، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن المملكة تتمتع بعضوية ليس فقط هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة، ولكن منظمات عالمية أخرى. ولذا فعضوية المملكة في منظمة التجارة العالمية أمر طبيعي ومنسجم مع توجهها منذ وقت طويل للمشاركة في عضوية ومداولات مختلف المنظمات الدولية، ومع أن المملكة لاتزال تفاوض مع (م.ت.ع) لنيل عضويتها، إلا أنها كانت ولا تزال عضوا مراقبا فيها منذ 1986. وبموجب مرسوم ملكي تقدمت المملكة لعضوية «الجات» عام 1993 ثم تحول طلبها للعضوية في (م.ت.ع) بعد إنشاء هذه المنظمة في 15 يناير عام 1995.
ولذا فمن ناحية واقعية ليس وارداً استمرار وجود المملكة خارج عضوية المنظمة. ولكن من ناحية أخرى، من الطبيعي توخي أن تجلب العضوية فوائد اقتصادية تساهم في تحقيق أهداف التنمية أو على الأقل لا تعيقها، وأن لا تتعارض مع المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية.
التزامات مهمة
* مادام انضمام المملكة إلى (م.ت.ع) أمرا لا مفر منه، فمن هم ياترى أكبر المستفيدين من الانضمام، الحكومة أم رجال الأعمال أم المواطنون، وكيف ذلك؟
هذا يجرنا في الحقيقة إلى فوائد والتزامات العضوية، ثم إلى أكبر المستفيدين كما ذكر السؤال.
فيما يتعلق بالتزامات ومسئوليات العضوية، فلعل أهمها ما يلي:
1- أهم الالتزامات توفير عدم التمييز في المعاملة التجارية بين سلع وخدمات بلد عن آخر، وعدم التمييز في المعاملة بين السلع المستوردة والسلع المنتجة محليا وذلك من حيث الخضوع للرسوم والضرائب والإجراءات المختلفة أثناء النقل والتخزين والتسويق إلخ. أما بالنسبة لعدم التمييز (المساواة) بين الخدمة التي يوفرها الأجنبي والوطني فليس التزاما عاما بل يعتمد على وجود التزام بذلك في قطاع محدد، أما خارج هذه القطاعات المحددة فيمكن تفضيل خدمات المؤسسات الوطنية على الأجنبية في المعاملة. كما أن اتفاقيات المنظمة لا تمنع البلد العضو من إعطاء الأفضلية في التوظيف للعمالة الوطنية مقارنة بالوافدة.
2- كما يلتزم البلد العضو بتحرير أسواقه، السلعية والخدمية، ليس بشكل كامل ودفعة واحدة ولكن بشكل تدريجي، وبعد الانضمام يتم الالتزام بأي تحرير إضافي للأسواق بموجب مفاوضات متعددة الأطراف وحسب مبدأ «تبادل المنافع»، أي يكون القبول بتحرير مزيد من الأسواق مقابل الحصول على منافع مقابلة ومتكافئة. وتحرير أسواق السلع الصناعية والزراعية يتعلق بشكل أساسي بتخفيض الرسوم الجمركية والتعهد بعدم رفعها عن المستوى المخول للبلد في المستقبل إلا عن طريق مفاوضات مع الدول المعنية، كما يتضمن تحرير الأسواق إزالة أو تخفيض العوائق غير التعرفية، مثل الأنظمة والاجراءات الخاصة بالمواصفات والصحة والتعبئة والتغليف إلخ.
أما تحرير أسواق الخدمات أو القطاعات الخدمية فيقصد به تعديل الأنظمة الوطنية - أو إيجاد أنظمة جديدة تعطي مزايا للشركات الأجنبية أو الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين - أكثر مما هو متاح من قبل. ومن أهم هذه المزايا المساواة في المعاملة مع الأشخاص والمؤسسات الوطنية، هذا بالنسبة لبعض القطاعات الممنوح بها مثل هذه المساواة، ولكن قد لايسمح بهذه المساواة في المعاملة في قطاعات خدمية كثيرة أخرى.
3- ومن الالتزامات المهمة الأخرى التزام البلد - عند تعارض الأنظمة والاجراءات الوطنية مع اتفاقيات (م.ت.ع) - أن تعطى الأولوية لاتفاقيات (م.ت.ع) وتعدل الأنظمة الوطنية لتنسجم مع تلك الاتفاقيات.
4- وهناك التزامات مهمة أخرى، مثل توفير الشفافية بالنسبة للأنظمة والإجراءات الوطنية ذات الصلة وذلك بنشرها وتوفيرها للجهات الأجنبية والوطنية التي تطلبها.
5- ومن الجدير بالذكر، أنه بينما يكون الالتزام باتفاقيات السلع التزاما إجباريا في مجمله ولا خيار في تطبيقها، فإن البلد عند مفاوضات الانضمام يستطيع أن يختار القطاعات الخدمية التي يرغب في تحريرها، ويبقي القطاعات الأخرى في وضعها الحالي، وعدد القطاعات الخدمية التي سيحجبها عن التحرير، ومدى عمق التحرير في حالة السماح به، يعتمد في الحقيقة على قوته وقدرته التفاوضيتين.
هذا بالنسبة للالتزامات (المسؤوليات)، أما فيما يتعلق بالحقوق (الفوائد) فمن أهمها ما يلي:
1- يستطيع البلد العضو الحصول على معاملة «الدولة الأولى بالرعاية» لدى أي دولة عضو عند التعامل التجاري معها، فله الحق أن يحصل على معاملة- بالنسبة للرسوم الجمركية والإجراءات- لاتقل عن معاملة أي بلد آخر، أي لايمكن التمييز ضد صادراته من السلع والخدمات. وهذا يمكّن البلد العضو من التخلص من عقد اتفاقيات متعددة ومحدودة المدة مع بلدان كثيرة، وتمكنه من الحصول على مزايا تجارية.
2- كما يستطيع عند وجود خلاف تجاري مع بلد عضو آخر الاحتكام إلى جهاز حسم المنازعات في المنظمة حسب أحكام اتفاقيات (م.ت.ع)، هذا الجهاز بمثابة جهاز قضائي يتوفر فيه استئناف الحكم، وأحكامه تتمتع بالتنفيذ الإلزامي.
3- ومن أهم حقوق البلد العضو المشاركة في أي مفاوضات تجارية متعددة الأطراف والدفاع فيها عن مصالحه التجارية.
ومما تقدم يمكن القول أن فوائد العضوية يحصل عليها الاقتصاد ككل، حيث توفر له العضوية أن يستهدف أسواقا كبيرة ومتعددة لصادراته من السلع والخدمات وذات عوائق أقل من لو كان البلد غير عضو في (م.ت.ع).
وبما أن جميع الدول العربية (ماعدا العراق) أعضاء أو ستصبح أعضاء في (م.ت.ع) في وقت قريب، فإنها لن تستطيع معاملة بعضها البعض معاملة أقل تفضيلا مما تعامل بها الدول الأعضاء الأخرى غير العربية، هذا عدا التفضيلات الإضافية البينية، مما يشجع التجارة العربية البينية.
وغني عن القول أن زيادة الصادرات تشجع النمو الاقتصادي ورفع مستوى المعيشة، كما تساعد في توفير فرص عمل أكبر. وبالإضافة إلى ذلك فإن تخفيض الرسوم الجمركية وفتح الأسواق يشجع على المنافسة بين السلع والخدمات المستوردة ويخفض من أسعارها ويرفع من جودتها، مما يفيد المستهلكين.
وفي الحقيقة، فإن تطوير مختلف الأنظمة أو إصدار أنظمة جديدة في المجالات التجارية والاقتصادية، كما هو حاصل الآن، من متطلبات الاصلاحات الاقتصادية أو تلبية لمتطلبات العضوية في المنظمة، هو أمر مفيد لرفع الكفاءة الاقتصادية في القطاعات الخاصة والعامة، وكما نرى فإن جميع القطاعات الاقتصادية يمكن أن تستفيد في حالة الانتعاش الاقتصادي، القطاع الخاص يستفيد والمواطنون يستفيدون، والاقتصاد ككل يستفيد، ولا يسمح المجال هنا بمحاولة تقييم الفوائد النسبية لكل جهة وفئة اجتماعية من فوائد الانضمام.
تفاوت في القوة
* هل يعني ما ذكرته أن جميع أعضاء المنظمة يستفيدون بنفس المقدار من عضويتهم للمنظمة 0 بغض النظر عن كونها دولاً صناعية أو نامية؟
بالطبع لا، فالدول الصناعية هي التي أسست المنظمة وصاغت اتفاقياتها وأحكامها حسب رؤيتها ومصالحها، وبما ينسجم مع أوضاعها القانونية، كما أنها هي الأقوى اقتصاديا وتفاوضيا من الدول النامية، وبالتالي تحصل على حصة الأسد من المعاملات التجارية والاقتصادية الدولية.
وهذا التفاوت في القوة الاقتصادية والتفاوضية داخل المنظمة مماثل في الحقيقة لتفاوت قوة العضوية والنفوذ داخل المنظمات الاقتصادية الأخرى- صندوق النقد الدولي والبنك الدولي - وهذا التفاوت ماثل للعيان في عضوية مجلس الأمن كذلك.
وغني عن القول أن التفاوت في قوة العضوية بين الدول الصناعية والدول النامية في مختلف المنظمات المشار إليها أعلاه، ومنظمات أخرى، هو نتيجة من نتائج الحرب العالمية الثانية كما أنه يعكس هيمنة الدول الصناعية على الوضع الاقتصادي العالمي.
إنتاجية المواطنين
* لكن هل هذا يعني عدم جدوى العضوية في منظمة التجارة العالمية، وعدم الاستفادة من المشاركة في التجارة العالمية؟
بالطبع لا، ما أعنيه هو أن مدى الاستفادة من العضوية يعتمد على مدى تقوية الذات وتطوير القدرات الاقتصادية والإنسانية الوطنية ورفع الكفاءة الاقتصادية ليس فقط بالنسبة لمنشآت القطاع الخاص ولكن أيضا بالنسبة لأداء الأجهزة والمؤسسات العامة ورفع انتاجية المواطنين، كما يعني بالنسبة للدول العربية والدول النامية بوجه عام أهمية التعاون والتنسيق فيما بينها للحصول على أكبر الفوائد الممكنة من العضوية.
فتح الأسواق
* لماذا لا تزال المملكة تفاوض للدخول في العضوية منذ تسع سنوات، أي منذ 1993؟ ومتى تتوقعون انضمامها للمنظمة؟
بداية يمكن القول ان طول مدة التفاوض يعبر عن كون الاقتصاد الوطني اقتصادا منفتحا على الاقتصاد العالمي منذ تأسيس المملكة، أسواقها مفتوحة إلى حد كبير أصلا، وفي مجالات كثيرة مفتوحة أكبر مما تتطلبه التزامات المنظمة، ويوجد هناك مستوى كبير من المنافسة في مختلف الأسواق الداخلية، ولذا فيمكن التأني في تحمل التزامات إجبارية نحو مزيد من فتح الأسواق.
ومن ناحية ثانية فمع أن فتح الأسواق الوطنية في بعض المجالات يمكن أن يوفر فرصة أكبر لزيادة الكفاءة الاقتصادية ويساعد على النمو الاقتصادي ويوفر فرص عمل إضافية، إلا أن فتح أسواق سلعية وخدمية تتمتع الآن ببعض الدعم، قبل أن تحصل على الجاهزية الكافية للمنافسة الأجنبية قد يكون له أضرار، مما يتطلب العناية والتأني في كيفية فتحها حتى تحصل على مهلة تمكنها من المنافسة المتكافئة.
وبالإضافة إلى ما ذكر، فمن متطلبات العضوية تطوير بعض الأنظمة والإجراءات المتعلقة بالتجارة، وإنجاز مثل هذه التعديلات يأخذ وقتا غير قصير.
كل هذه الأمور قد تفسر بطء سير المفاوضات مع المنظمة.
أما فيما يتعلق بكيفية وضع شروط الانضمام وكيفية تطور عملية المفاوضات، فهناك مساران للمفاوضات: المسار الأول: مفاوضات بين البلد المتقدم للعضوية، وفريق عمل مكون من جميع الدول الأعضاء المهتمة بالانضمام للبت في طلب الانضمام، وفي هذا الجانب يتم التفاوض حول المسائل المطلوبة عادة من كل دولة متقدمة للعضوية، وتتعلق مطالب فريق العمل بقيام البلد بتعديل أنظمته وإجراءاته التجارية بما ينسجم مع اتفاقيات (م.ت.ع) ذات الصلة، ويعتبر تنفيذ هذه التعديلات الشرط الأساسي الأول للانضمام.
أما المسار الثاني: فيتعلق بفتح الأسواق، أي تخفيض الرسوم الجمركية وتثبيتها، إزالة العوائق الجمركية وذلك بالنسبة للسلع، أما فيما يتعلق بالخدمات فيتم التفاوض على ماهية القطاعات الخدمية التي سيقبل البلد المتقدم بفتحها، ومدى فتحها، وتعديل الأنظمة المتعلقة بحماية هذه الخدمات، ويكون التفاوض حول فتح هذه الأسواق تفاوضاً ثنائياً مع الدول المهمة في تعاملها التجاري مع الدولة، كل دولة على حدة، وحسب مصالح كل دولة ونوع السلع والخدمات التي تهتم بها، ومع أن المفاوضات الثنائية هي جزء من مفاوضات العضوية ككل- ونجاحها يشكل الشرط الأساسي الثاني لاكتمال عملية التفاوض- إلا أن المفاوضات الثنائية لا تحكمها أنظمة محددة من المنظمة، وتعتمد كليا على مصالح البلد المفاوض ونوع مطالبه من البلد المتقدم للعضوية، ومقدار ما يمكن أن يحصل عليه البلد الراغب في ذلك الانضمام يعتمد في الواقع على قوته التفاوضية مقابل البلد الآخر في المفاوضات الثنائية، وبالطبع إذا كان البلد المتقدم للعضوية بلداً نامياً ويواجه دولة صناعية كبيرة مثل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، فيتوقع أن يكون هناك شيء من الإملاءات على البلد المتقدم للعضوية، وبما أن المملكة تواجه تحديات تحقيق تنويع القاعدة الانتاجية وإيجاد تنمية اقتصادية مستدامة، أي قابلة للاستمرار، فإن فتح أسواقها يواجهها بتحديات كبيرة لتحقيق فوائد فتح الأسواق من ناحية، ومحاولة حماية بعض القطاعات من المنافسة غير المكافئة حتى تحصل على مستوى التطور اللازم، من ناحية أخرى.
ولعل هذا يكون سبباً إضافياً للبطء النسبي في مسيرة المفاوضات، والمملكة الآن، حسب تصريحات المسؤولين، أتمت تقريبا كل أو معظم الجانب الأول من المفاوضات، والمفاوضات الأساسية المتبقية هي الثنائية مع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقد انتهت من مفاوضات ثنائية مع حوالي (17) دولة، إلا أنه على ما يبدو يوجد بعض المواضيع العالقة، ومفاوضاتها الثنائية الأساسية التي لم تنه بعد هي مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفي هذا المجال يثار أحياناً القول بأن عضوية المملكة ستؤدي إلى السماح ببيع لحم الخنزير والخمور وتداولها في الأسواق، ويجب القول هنا ان هذا غير وارد وليس مطلوبا من قبل المنظمة، ويعتبر منعها من الأمور السيادية بالنسبة للمملكة.
وبعد الانتهاء من المفاوضات العامة والثنائية يوافق فريق العمل على الطلب ويحيله إلى المجلس العام ل(م.ت.ع) للموافقة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الطلب لايمكن أن يخرج من فريق العمل إلا بعد أن تتم جميع المفاوضات الثنائية، أي أن عدم الاتفاق في أحدها يوقف خروج الطلب من فريق العمل، وبعد موافقة المجلس العام يعتبر البلد عضواً بعد مصادقة المجالس التشريعية على العضوية.
والمعروف أن هناك تأييداً كبيراً من دول فريق العمل لقبول عضوية المملكة، ولكن لا أحد يستطيع التدخل في المفاوضات الثنائية التي لم تنته بعد.
أما متى تنتهي المفاوضات، فلا تتوفر في الحقيقة معلومات عن تفاصيل سير المفاوضات، ومن الصعب التكهن بموعد انتهائها ولا بالتزاماتها، بناء على ما نشر من تصريحات بعض المسؤولين فإن هناك قطاعات خدمية يتوقع حجبها، أهمها القطاعات المبينة في «القائمة السالبة» لنظام الاستثمار، ومنها قطاعات البيع بالجملة والبيع بالمفرق، وخدمات الحج، وخدمات أخرى، أما حول من يقود مفاوضات العضوية، فهناك لجنة وزارية يرأسها سمو وزير الخارجية تشرف على مختلف جوانب هذه المفاوضات.
تعجيل المفاوضات
* ما هي التأثيرات التي سببتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر على منظمة التجارة، وعلى انضمام المملكة لهذه المنظمة؟
حسب معرفتي فليس هناك تأثير سلبي من هذه الحادثة على فرص انضمام المملكة إلى (م.ت.ع) وذلك بالرغم من حملات الإعلام التي شنت على المملكة، أما بالنسبة للمنظمة ككل فيمكن القول انه كان لأحداث 11 سبتمبر دور إيجابي على سير المفاوضات المتعددة الأطراف.
فقد كان مقررا أن تبدأ جولة جديدة للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف في أوائل عام 2000، إلا أنها تعثرت وتوقفت بسبب وجود خلافات كثيرة بعضها قوية، بين الدول الصناعية من ناحية والدول النامية من ناحية أخرى وبين الدول الصناعية نفسها، وكان لدى الدول النامية بعض التظلمات من نتائج الجولة السابقة - التي أنشئت بموجبها المنظمة- يمكن تلخيصها في أن الدول الصناعية حصلت على أكبر الفوائد من الجولة حسب رأي الدول النامية، وفي أن وعود هذه الدول بفتح أسواقها أمام صادرات الدول النامية - خصوصا الزراعية والأقمشة والملابس - لم تتحقق، وتعثر المفاوضات هذا خلق آنذاك جواً من التشاؤم في مدى عدالة اتفاقيات وقرارات المنظمة، وفي مدى فعاليتها، وقد القت هذه النتائج بظلالها على إمكانية نجاح قيام جولة جديدة في مدينة الدوحة بقطر في نوفمبر 2001، إذ كانت الدول النامية لازالت تعارض قيام مثل هذه الجولة إلا بعد تنفيذ الوعود التي أعطيت لها، وكادت تتعثر الجولة الجديدة مثل سابقتها. ولكن أحداث سبتمبر (11) واتحاد الدول الصناعية فيما بينها وكثير من الدول الأخرى في مواجهة ما يسمى ب«الإرهاب» خلقت ضغوطا قوية لتوحيد الصف - إذا جاز التعبير - والموافقة على بدء الجولة، وكان هناك نوع من التفاؤل لفترة بنجاحها، إلا أنه يبدو من متابعة هذه المفاوضات أنها تعثرت مرة أخرى ونتجت بعض العقبات التي أدت إلى عدم الوفاء ببعض مواعيد بعض الجوانب المهمة للمفاوضات، مما أوجد شكوكا بعدم انتهائها في موعدها أي في 1 يناير 2005، كما كان مقررا، وسيتم توضيح هذه الأمور أكثر خلال اجتماع المجلس الوزاري القادم للمنظمة في أواخر عام 2003 في المكسيك.
وتعزى هذه العقبات من ناحية إلى عدم تحقيق تقدم كاف في المفاوضات، وتعزى من ناحية أخرى إلى أن الخلافات بين الولايات المتحدة وبعض الدول الكبرى الأخرى مثل فرنسا وألمانيا، حول مواقفها من العراق قد عمقت خلافاتها التجارية القائمة.
تأثير العراق
* وأخيرا، هل هناك تأثير لشن الحرب على العراق على فرص انضمام المملكة إلى (م.ت.ع)؟
يبدو لي أن علاقة المملكة مع الولايات المتحدة وبريطانيا وبقية الدول الصناعية لم تتأثر سلبيا من شن هذه الحرب، ولا يتوقع أن تنتج خلافات من جراء تطورات إعادة الإعمار وجهود استتباب الوضع في العراق، ولهذا فلا أتوقع أن يكون للحرب ونتائجها آثار سلبية على مفاوضات الانضمام.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved