Monday 12th may,2003 11183العدد الأثنين 11 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

بإذن من لا يفقه بإذن من لا يفقه
عبد الله الصالح العثيمين

للأمثال، سواء كانت باللغة العربية الفصحى أو بالعامية، معانٍ ومدلولات تكون -في كثير من الأحيان- عميقة وصادقة، وعنوان هذه المقالة جزء من مثل عامي هو: قال: قه.. قال بإذن من لا يفقه» ولست أعلم معنى كلمة «قه». فقد يكون لها أصل عربي هو «قهِ» بمعنى امتنع، وتكون -على هذا - فعل أمر يقتضي الامتناع عن قول شيء أو فعله. وقد يكون المراد من استعمالها مجرد مراعاة السجع لتنسجم لفظاً مع آخر كلمة من المثل على أن المعنى العام لهذا المثل مشابه - بدرجة كبيرة - لمعنى أحد أبيات قصيدة أبي الطيب المتنبي، وهو:


ومن البلية عذل من لا يرعوي
عن غيِّه وخطاب من لا يفهم

لقد خطر ببالي المثل المذكور سابقاً من خلال متابعتي المحدودة لبعض كتابات أشربت في قلوب كاتبيها محبة المثل الغربية، واعتقدوا -فيما يبدو- أنهم الأدرى بأمور السياسة والأفهم بأساليبها ومجرياتها، وظنوا أنهم صفوة الصفوة الذين يدركون وحدهم أبعاد ما جرى وما يجري، بل ربما دفعهم اغترارهم بأنفسهم إلى ادعاء معرفة ما سيجري من أحداث وما سيتخذ من قرارات واجراءات، ونتج عن غرامهم بمثل الغرب وقيمه، واغترارهم بأنفسهم اغتراراً غير محدود، ان جعلوا ديدنهم السخرية بأولئك الذين يقولون: ان المؤامرة جزء من تاريخ العلاقات بين الغرب والأمة العربية، وبخاصة في العصر الحديث والزمن المعاصر، وهم بتلك السخرية كأنما يبرئون الساسة الغربيين، الذين استعمروا كثيراً من بلدان هذه الأمة وأعادوا استعمار جزء من بلدانها الآن، من تهمة التآمر ليظهروا -في نهاية المطاف- وكأنهم الشرفاء الصادقون في تعاملهم مع أمتنا.
ومن المعلوم أن المؤامرة لا تتم إلا من طرفين أو أكثر، فقد يقوم بها طرف غربي مع جهة ، أو أفراد، من الجهة المتآمر عليها، وقد يقوم بها طرفان أو أكثر من القوى الغربية ضد قضايا العرب. وكل أنواع التآمر وجدت ونُفِّذت، وكان من بينها معاهدة سايكس - بيكو ، التي عملت في الوقت الذي كانت احدى دول هذه المعاهدة تعطي الملك حسين بن علي رحمه الله وعوداً وعهوداً بأن تعاونه معها ضد الدولة العثمانية المسؤلية على البلدان العربية حينذاك سيؤدي إلى استقلال كل ما يحرر «هكذا» من أراضي هذه الدولة وتوحيده تحت قيادته.
وكانت النتيجة -كما هو معروف- أن تقاسمت تلك الدولة الماكرة التي وعدته وعاهدته مع فرنسا ما استولى عليه من البلدان العربية التي كانت تحت حكم الدولة العثمانية.
في مساء يوم الجمعة الماضي ظهرت على شاشة قناة «العربية» شخصيات أمريكية تحدثت عن علاقة وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية (C.I.A) بأوضاع العراق منذ الستينيات من القرن الماضي، وكيف تعاونت مع البعثيين هناك، وبخاصة مع صدام حسين بعد أن أصبح الحاكم غير المنازع في تلك البلاد.
ومن المعلوم ان ذلك الحاكم لو لم ير الضوء الأخضر من أمريكا لما دخل في حرب مع إيران، ولو لم يجد العون منها لما تمادى في تلك الحرب، ولو لم تساعده بوسائل مختلفة لما صمد أمام القوات الإيرانية، ولما طور ما طوره من أسلحة متنوعة. ومن الثابت أن رئيس تلك الاستخبارات الأمريكية قد قابل رئيس استخبارات صدام حسين، فاضل البراك، في أسبانيا قبل العدوان على الكويت بأكثر من عامين، وناقشا أموراً بينها العلاقات بين العراق والكويت، وأن الطرف الأمريكي اشار إلى أن تلك أمور عربية لا دخل لأمريكا فيها، ثم كان هناك لقاء السفيرة الأمريكية بالرئيس العراقي نفسه قبيل ذلك العدوان، وأشارت إلى مثل ما أشار إليه رئيس الاستخبارات الأمريكية من قبل، لقد كان من الواضح أن أمريكا وقد حققت اضعاف الثورة الإيرانية بدعمها لحاكم العرق - أرادت استدراج هذا الحاكم، الذي امتلك جيشاً قوياً جداً وطور صناعة حربية متفوقة بالنسبة لجيرانه، ليقع في الفخ الذي وقع فيه، فألحق الضرر الفادح ببلاده والبلدان العربية، وبخاصة الخليجية، وكان من نتائج ما حدث مصلحة كبيرة للكيان الصهيوني، الذي كانت - وما زالت - أمريكا سنده القوي في جرائمه، ولو لم تكن أمريكا تريد أن يرتكب صدام ما ارتكبه ألم يكن في امكانها أن تحذره عن ارتكاب أي عدوان على جارته بدلاً من أن يشير ممثلاها إلى ما يوحي بتشجيعه على ارتكاب ذلك العدوان؟
على أن كون بعض ما حدث من نكبات لأمتنا العربية نتيجة تآمر لا يعني أن كل النكبات التي حلت بها مصدرها التآمر الغربي. والتآمر الذي حدث ادانة اخلاقية لكل من الطرف الغربي، سواء كان تآمره مع غربي مثله أو مع طرف عربي، والطرف العربي نفسه، فالطرف الغربي سعى لمصلحته الذاتية بتآمره، وتآمره ان كان مفهوماً سياسياً من وجهة نظر بلاده فهو مدان أخلاقياً لاتباعه أسلوباً يدعي كذباً وزوراً أنه يحاربه، والطرف العربي المتآمر مع الغرب ضد مصلحة وطنية مدان سياسياً وأخلاقياً لأنه فرط في هذه المصلحة الوطنية لمصلحته الذاتية فقط.
ولعل من أشد الايلام أن تبنى بعض الكتاب العرب المغرمين بالغرب، فكراً وأخلاقاً، مواقف اعلام من أقدموا على ارتكاب العدوان الأخير على العراق، وهو العدوان الذي تجاهل مرتكبوه مجلس الأمن ذاته مع أن زعيمة هذا العدوان هي المتحكمة حقيقة في ذلك المجلس، وظل أولئك الكتاب يسمون العدوان - كما يسميه من ارتكبوه - تحرير العراق، ومع أن بعض أجهزة اعلام المعتدين أنفسهم لم تستمر على تلك التسمية، وأخذت تسمي ما كان يحدث «الحرب في العراق» فإن أولئك الكتاب استمروا في عمى ضلالهم يسمون العدوان تحريراً، وكان كل الناس في العالم - باستثناء المعتدين - يعرفون أن الهجوم الخارجي على دولة عضو في الأمم المتحدة كان عدواناً ويصفونه باسمه الحقيقي، وقبل يومين تقدمت دولتا العدوان الى مجلس الأمن لإصدار قرار يتيح لهما التصرف في العراق وفق ارادتهما، ومن بين ما ورد في مشروع هذا القرار وصف وضعها في ذلك البلد بأنه احتلال، وأكاد أجزم أن أولئك الكتاب العرب سيكون ثقيلاً عليهم أن يسموا الاحتلال احتلالاً.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved