Monday 12th may,2003 11183العدد الأثنين 11 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الرئة الثالثة الرئة الثالثة
الدين.. في المعاملات أيضاً!
عبدالرحمن بن محمد السدحان

يعاني مجتمعنا المسلم الحديث اختناقاتٍ سلوكية تؤثر سلباً في قدرته على الربط ربطاً سوياً بين مثاليات الدين الحنيف وأخلاقه وآدابه من جهة، وبين ما تفرزه آلية الحياة العصرية ونسيجها من مواقف ومتغيراتٍ وعلاقاتٍ متشابكة، ثنائية وجماعية، من جهة اخرى.
ونتيجةً لذلك، تبرز منظومة من التناقضات والملابسات في وجدان الإنسان المسلم وسلوكياته وكيفيات تعامله مع الآخر، فهو يحرص على تطبيق شق «العبادات» في الدين الحنيف، فلا يتأخر عن أداء واجباته تجاه الخالق تبارك وتعالى، صلاةً وصوماً وحجاً وزكاةً وغير ذلك من ثوابت الدين وسننه ونوافله، وهذا شأن محمود، لكن هذا الانسان يخفق في تطبيق قواعد وضوابط وآداب «المعاملات» التي تكيف علاقاته مع «المخلوق»، فتراه يكذب ويغش ويرشو وقد يختلس أو يسرق ويقترف آثاماً اخرى!
وأمام هذا كله، يأسرني الغيظ ويستبد بي الألم وأنا استعرض في خاطري نماذج من المواقف السلوكية لبعض المسلمين.. مرةً يحاصرني الإحساس بما يشبه هزيمة الغريق يأساً من فرص النجاة، وأخرى انتشي بهاجس الأمل تفاؤلاً، فأرفض الاستسلام ليأسي، وتنتفض في نفسي نشوة الأمل، تود لو تتسنم قمة جبلٍ ثم تعلن للملأ ذلك الرفض انتصاراً لكرامة الانسان الذي كرمه الخالق وأذله المخلوق!
لماذا الغيظ إذاً، يسألني سائل، فأقول:
* يغيظني من يغتال في الآخر الكرامة والموهبة وشجاعة الرأي، لمجرد اختلافه معه أو عنه رأياً أو ظناً، ثم يمضي «يشرح» هويته في المجالس أمام الرفيع والوضيع من البشر، فيصمه بما هو منه بريء، لأنه اختلف معه في رأي لم يلزمه باتباعه، في حين أن كليهما مجتهدان، حساباً وظنا!
* يغيظني من ينسى أو يتناسى أن ديننا الحنيف ليس «شعائر» فحسب، تربط العبد بربه، ولكنه إلى جانب ذلك«وصفة» إلهية تقنن السلوك السوي بين البشر، صغيرهم وكبيرهم، لافضل لاحدٍ منهم على آخر إلا بالتقوى، والتقوى مقرها القلب، وصراطها الجوارح، سمعاً وبصراً ولساناً ويدا!
* يغيظني من يزوِّر معايير التنافس المشروع طلباً للعيش الكريم، فيكبر المحتال، ويصغر النزيه، ويسفه المجتهد، ويبعد النقي، ويدني الملوث ضميراً ويداً ولساناً!
* يغيظني من يشوه المثل السامية التي تقنن السلوك السوي بين البشر، فينعت كريم الحلم بالجبن، وطيب القلب بالضعف، ونزيه اللسان بالبله!
* يغيظني من يمنح نفسه سلطة النقد العشوائي للناس، بلا دليل ولا حجة، فيصمهم بالريب والعيب، متكئاً في ذلك على «رصيد» من فراغ العقل والوجدان ثقافةً واحساساً ثم يغرق الأسماع بموشحاتٍ من الوصفات المثالية الخارقة، للتعامل مع من وما رأى فيه عيباً وريباً! ويزداد الغيظ.. ويعظم الأسى إذا كان الناقد صاحب ولايةٍ على شأنٍ من شؤون الناس، وكان ممن إذا ذكروا في المجلس، لم يحمد له أحد سيرة، أو يذكره بخير!
وبعد، فإن إحساسي بالغيظ لم ولن يصادر مني فضيلة التفاؤل أو يكرهني على «تعميم» ما اكره من قولٍ أو عمل.. فالناس ليسوا سواء! كلهم خطاءون، وخيرهم التوابون، وسأبقى بإذن الله متفائلاً بتغير حال الناس صوب الأفضل سلوكاً وتعاملاً، رغم مداد الغيظ الذي رسمت به هذه السطور!.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved