Monday 12th may,2003 11183العدد الأثنين 11 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

استراحة داخل صومعة الفكر استراحة داخل صومعة الفكر
سعد البواردي(*)

حديث الصمت
علي محمد العيسى
50 صفحة من القطع الصغير
لغة الصمت هي الأبلغ من لغة الافصاح والتعبير.. دائما نردد حين تعجزنا مفردات الشكر والامتنان قائلين:
«نحن عاجزون عن الشكر.. لا لأن الافصاح عنه افتقاد لمفرداته.. دائما لأن كل تلك المفردات لا تفي بالغرض.. هذا إذا كان شكراً.. أما الصمت إذا كان فكراً فإنه يتخد منحى آخر لا أقله الرفض.. ولا أقله الخشية. ولا أقله الاحتجاج الذي يدمر نفسه حين يصل الى درجة البوح.. ويوصل الى نكء الجرح..
وشاعرنا الصديق علي العيسى اختار الحديث الصامت عنواناً لديوانه.. ترى ماذا يعني بصمته المقروء الذي لا يحجبه عن المتلقي أية ستارة أو اشارة من صمت..


«أنا. واليراعُ. ودفتري. وكتابي
وحقيبتي.. وبقية الأسباب
ترنو الى دار يمر هواؤها
وشموسها من واسع الأبواب
ما أجمل الآراء تحمل همنا
فتفوق حسن المنظر الخلاب».

جميل هذا المدخل الشعري.. فالتنظير في نظره يسبق الفعل وتلك حقيقة إذ لا عمل دون تفكير.. ولا أمل دون تنظير.. هات ما عندك من أبيات شرع لها التفكير.. وسرع بها التنظير..
اشكالية شاعرنا نقدية هذه المرة.. سهامه مسلطة على من يمتهنون حرقة الأدب دون أدب.. من يتعاطون مع الفكر دون حصيلة من ذكر..


«سترى المعيَّن كاتبا. أو شاعرا
يسمو بجهل.. يرتوي بسراب»

كثيرة على الجهل أوالجاهل صفة سمو.. الجهالة دنو ودناءة لا طعم فيها للارتقاء.. وانما للشقاء.. لعله في توصيفه يعني ان للجاهل الحظ الذي يعطي له من المكانة والمرتبة ما لا يستحق.. أما السراب فإنه لا يروي.. مجرد وهم خيالي ما يثبت ان يتلاشى في عيني مشاهده وقد ظنه ماء فخاب أمله..يلتفت شاعرنا ذات اليمين أو ذات الشمال مخاطبا تلك المجهولة قائلاً لها:


«لا تعجبين إذا رأيتِ مفكري
قومي اداروا الظهر للحجاب
ويفضلون الصمت رغم بلائه
ويمارسون بلاهة المتغابي
فالصمت أفضل من تقبل هوة
تدعى الرقي بمنطق الكذاب».

لست مع أخي العيسى في هروبه وسلبية نظرته.. الصمت انهزامية لا فضل فيها لمن يملك صدق الكلمة. ووضوح الرؤية.. هل يرضيه ان تبقى الساحة مسرحا للكذابين دون صوت صادق يفضح الكذب، ويكشف الزيف.. إذا كان هذا هو صمتك.. فإن أفضل منه الصوت الذي لا يهدم وانما يبني.. لا يفرق وإنما يجمع.. لا يحجب الرؤية وإنما يكشف الأخطاء والخطايا من أجل مجتمع انساني لا يحكمه حق القوة.. وإنما قوة الحق.. ارجو ان تكون معي صوت حديث لا صمت حديث.. الصمت في لغة الحياة موت.. تماما كالجسد حين ينتزع منه نبضه يتحول الى جثة هاجدة.. «بئست الحاجة» تتحدث عن اللؤم وعن اللئيم المركب الذي يجهل انه لئيم..


«أرأيت أسوأ حالة
تبلى بها نفس الكريم
من أن يكون بحاجة
إنجازها عند اللئيم»

تجربة حياتية ربما عاشها شاعرنا واكتوى بنارها كغيره ممن يحسنون الظن في سواهم فترتد رغباتهم مهزومة الى الوراء.. انه يصف اللؤم وصفا جميلا حين يقارنه بالغيمة السوداء التي لا تمطر.. وحسب علمي ان الغيمة تمطر في مكان ما مقدر لها ليس بالضرورة هنا.. وليس بالضرورة أيضا هناك.. وإنما هنالك.. إنها رزق السماء للأرض من حيث وقع ونفع على خلاف اللؤم المسكون بالشح والبخل إنه أحيانا لا يمطر حتى في داخله:


«امطاره ليست تغي
ث ولو تكبدت الغيومْ..
طوفانه.. فيضانه
علل كوارثها تدومْ»

وقانا الله جميعاً كوارث اللؤم وحمانا منه.. وأراح شاعرنا من كل كابدسه الذي امتد معه طويلا يهوش في وجهه مفنداً كل مثالبه ومصائبه.. مستخدما في هذا كل أسلحة الشعر.. وتفاعيله.. وكل أدوات الدعاء الى درجة الطرافة التي لا مكان لها في قاموس النبض الإيحائي الشعوري..


«من لم يعش إلا ليك
حل عينه فهو الدميم
مستفعلن.. مستفعلن
والله رحمن رحيم»

من الصعب فهم هذا الاقحام في غير مكانه.. أما الكحل فإنه أداة تجميل لرموش العين لا صلة له بالدمامة بل انه يساعد على التخفيف من مظهرها إن وُجدت.. أليس كذلك؟.. أرجو أن يكون كذلك..
«النظام الدولي الجديد»
فيه شاعرنا أدلى بدلوه.. تخيله جنينا مجنونا قذفت به رحم شيطانة لا تعرف للعدل ولا للعقل معنى.. هكذا اتصور:


«وُلد الجنين. فخلته مسلولا
فإذا به شهد الحياة قتيلا
سلب الارادة فهو دمية عابث
أصفت الى سرر البلاء عليلا»

بهذا التوصيف كانت بدايته.. الى أين تنتهي نهايته؟ هل يخرج عن طور التقريرية. الى دور التطويرية ذات الأبعاد الشعورية؟!


«يا من يحارب فكره بفعاله
ما كنت في سوء الفعال بخيلا
يا من يهدِّم بيته بيمينه
من يوم مولده كفاك عويلا»

أي بيت تعني يا صديقي؟ بيته المتخم بالمال والسلاح أم بيروت الأخرين المتخمة بالضعف والتخلف وانتظار ما سيأتي؟!
النظام العالمي الجديد نظام آحادي الجانب تفرضه غطرسة القوة دون استشارتهم.. من لم يكن معها فهو ضدها والويل لمن تلكأ أو تردد. أو قال «لا»، صفة الارهاب جاهزة في انتظاره، جائزة التنفيذ في عقر داره.. إن قصيدتك من هذه المضامين أو من بعضها.. لا شيء.. تقدر لو فكرت جيدا ان تأتي بشيء دون تسرع.. ودون ان تدور بقافيتك في دائرة مغلقة حول نفسها تتسع لركام المفردات أكثر من اتساعها لرسم مضامين الفكرة التي تسعى الى تجسيدها.. حسنا. أنت القادر على ان تمنحنا في المستقبل تجارب أكثر نضوجا. وأكبر اشباعا وامتاعا..
«الشعر. والشاعر» محطة من محطات توقفنا ونحن برفقة شاعرنا الصديق علي العيسى.. كيف رؤيته للشعر. وللشاعر..؟ وهل بين الاثنين فواصل أو تقاطع؟


«من يبدع الفن في يراعه
من يبعث الشعر غير شاعر
تفلت الشعر من خيوطه
لم يبق باق سوى النوادر
يامن تعلقتَ في قشور
مهلا. مجير ام عامر
لا يعشق الشعر من حروفه
إن لم يكن جرسه مسامر»

انتظرت من شاعرنا أفضل من هذا، وأجمل.. اختلط عليَّ الفهم الى درجة الاعياء.. إذا كان من يبدع الفن من قلمه ومن يبعث الشعر غير شاعر فمن يكون إذاً؟.. الصامت مثلا..أو ذلك الذي يبدع الفن من قدمه لا من قلمه؟ لعل صاحبنا يريد ان يقول لنا ان الكثير مما يطرح شعراً ليس بشعر وتلك حقيقة.. إذا كان هذا هو القصد وهو ما احسبه فقد خانته الكلمات في تجسيد المعنى المنشود والافصاح عنه.. وتلك اشكالية المسها في الكثير من قصائده التي تحمل روحا اجتهادية ثرية بصدقها ونواياها.. إلا ان شفافية الطرح تبقى أقل قدرة على رسم جماليات الصورة الشعرية.. وهو ما اتعشم الانتباه اليه في محاولات قادمة.
«اشاعة» محطته السابعة.. والاشاعة كما ندريها ايحاء كاذب بشيء مختلق يثير البلبلة وينشر الفوضى فهل ان شاعرنا اعطى لنا من خلال قصيدته توصيفا


للحالة.. وتوظيفا لأدوات الطرح؟!
«صدوق أنت. لكن كيف ارضى
بقول ليس فيه سوى البراعة
تواضعك الكريم أراد حسنا
فأوقعني.. ولم تفد الشفاعة»

لا أدري لماذا أهمل مفردة الاشاعة في شطره الثاني بدلا من كلمة البراعة التي لا تتفق وواقع الموقف.. ثم لماذا أغفل علامة استفهام لأزمة في نهاية شطره الثاني «؟» انها ضرورة لا تكلفه شيئاً..


«وقاضي يشتكي من نقص علمي
وما أعطاك إلا مستطاعه
وتخرج مثقلا بكنوز علم
وتخرج مهديا بعض البضاعه»

حتى هذه اللحظة بقيت الاشاعة متأرجحة بين القبول والرفض.. بين الوضوح والغموض لا يستدل عليها.. وفي النهاية مع القراءة والاستقراء لا أجد إلا كيلا من الثناء لمن يعني واصفا إياه بالبحر الذي يدين له السحاب بالانقياد.. وبالتمير في وزنه وفكره.. الحاجز بين العنوان والمضمون حاجز فولاذي لا يمكن اختراقه.. الاشاعة في غير مكانها.. والقصيدة أيضا في غير مقامها.. والحصيلة تائهة بين الثناء والبناء اللفظي الذي لا يحرك ساكنا لجمود مفرداته.. وكثافة عباراته..
المضمون الشعري يسبق تحديد العنوان.. بدون هذا يبقى العمل مصنعا مبسترا مهما جاءت المحاولة مجهدة.. هكذا خرجت خالي الوفاض دون دلالة تدلني على مفهوم الاشاعة. أو يقربني على الأقل من ملامحها..
«هدف الوسيلة» عنوان يكتنفه الغموض.. هل انه خطأ طباعي يعني الوسيلة.. لا أدري ولا أجزم بصحته أو خطئه قبل ان اكتشف ما بين السطور:


«لا تحسبن النقد معول هادم
وانظر اليه كآلة لبناء
لا ينهض الانسان إن هدهدته
قد يحدث الإسعادَ بعضُ شقاء
في مبضع الجراح بعض تألم
بعض الجراح مسببات شفاء»

يبدو من تجاديف شعره انه يشير يعني النقد المنهجي البناء للعمل الفكري مهما كان موجعا في بعض لمساته.. أو حتى همساته.. باعتباره أداة اصلاح.. ووسيلة صلاح.. وهذا صحيح متى التزم بأخلاقيات النقد الذي لا يخدش الكرامة.. ولا يحطم المحاولة.. ولا يعوق من حركتها.. وإنما يأخذ بيدها في تجرد وصدق يضيف الى العمل ولا يستلب منه إلا في حدود الكشف النزيه عن ضعفه وتقيصته.. وهو نقد نحتاج اليه بعيداً عن التحامل.. والتعامل الذي ينطلق من خلال العاطفة التي تشكل رؤيتها سلبا أو إيجابا من منظور ومنظار العلاقة الخاصة ليس إلا.. فكرة شاعرنا حول النقد واضحة.. أما الصياغة لهذه الفكرة فإن الضبابية والافتعالية اللفظية تهز بناءها الشعري حتى لا تكاد تبقى له أثراً.. اللهم إلا تلك الاستعانة غير المفهومة بمفردات الوزن الشعري كما لو ان الشاعر يدلنا على وزن أبياته
«مستفعلن.. مستفعلن.. مستفعلن
الخوف منه.. وفيه كل رجائي»..
هل يرضى صديقي الكريم علي العيسى لو أنني همست في أذنه في حب بمقولة الشاعر:
«خوفي عليك.. وخوفي منك يا رجل»
نعم أنا أخاف على شعره من الكبوة.. والاستغراق في بحر الكلم الى درجة الشَّرَق أو الغرق.. ثقتي فيه أنه يحسن العوم في بحر الكلمات لو انه تريث.. وراجع واسترجع قبل ان يحيل شعره الى محكمة الشعر التي لا تملك إلا كلمة الفصل.. والعدل لصالحه قبل غيره.. وصديقه من صدقه لا من صدَّقه..
وتبقى في مسيرة رحلتنا محطة واحدة عنوانها «الناقد الفاقد».. وفاقد الشيء لا يعطيه أيا كان جهاده أو اجتهاده.. ماذا يقول؟


«لأستسهلن النقد ولأبد فاهما
افتش عن عيب وانسى المحاسنا»
ولأبد غير مفهومة على الأقل لدي..
«فذكرك للاحسان يبدو تتلمذا
وان كنت استاذاً ادرت الطواحنا
ولا تنتقد قولا وتعطي بدقة
تفاصيل خراص تبين العواهنا
وقل قول تعميم يفوح خطابة
لكي تفتدي تلك الرؤوس فواينا»

يمضي شاعرنا في لوغارتماته عن الناقد الفاقد ليزيد من حصيلتنا فقدا وحماساً.


«تكلم.. وقل ما شئت فالركب نائم
وان كنت نهازا ستلقى اراعنا
بفضل رديء النقد نحظى بناقد
يسيرنا صوب القبول بدائنا»

لسوف في نهاية المطاف اتكلم عن القطاف الذي لم ينضج بعد رغم جودة منبته لأقول لشاعرنا دون تحامل ان الثمر لم يثمر بعد.. انه مجرد بدايات تحتاج الى أشعة شمس تقربها الى الفهم مكتملة عناصرها الغذائية طعما.. وهضمها.. وهذا لا يعني أبداً الانتقاص من روح المحاولة التي افرغت «حديث الصمت» حيث جاء العنوان الى «حديث الصوت» الذي جاء مبكرا يحمل نبض ولادة شعرية لا تنقصها الشجاعة ولا تعوزها الجرأة.. وإنما تحتاج الى الكثير من المحاولة قبل ان تصل الى مرحلة المداولة..للصديق الكريم علي محمد العيسى أمنياتي بتجربة قادمة أكثر امتاعا واشباعا.. ولا اخاله إلا فاعلا متفاعلا لا منفعلا أو مفتعلاً.
(*)الرياض ص.ب 231185 الرمز 11321
فاكس 2053338

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved