Wednesday 28th may,2003 11199العدد الاربعاء 27 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

سوء تفاهم سوء تفاهم
باسل السويركي

بداية تخيَّلْ، آسف على ذلك، أعرف بأنك لن تستطيع أن تتخيل، لأن المخبرين يسكنون في عقلك وأقمار المراقبة مسلطة على قلبك، وجسدك مسجون في لقمة عيشك.
إذاً تصور! أعتذر إليك لأنه لن يكون بمقدورك أن تتصور كم ستكون فرحاً عندما تفوز بأربع صور شخصية، واحدة للجواز أو الهوية والثانية لاستلام الغذاء من الجمعية والثالثة لإسرائيل الفتية والرابعة لتتحسر على شبابك عند قدوم ساعة المنية.
لكن ما الحل؟ حاول أن تنام نومة ذهنيه، وأغلق عينيك برفق حتى لا تزعج الانظمة الهزلية، ثم إياك أن تتقلب في نومك فهذا دليل على انك لم تنم بعد، وإذا حلمت بكابوس فإياك أن تستيقظ فقد يكون ذلك فلماً لم يشاهده أحد قبلك ولن يراه أحد بعدك، وأحمد الله على انه لم يطلب منك دفع ثمن تذكرة لدخول سينما الافلام أو الاحلام والمشاهدة كانت بالمجان، وما عليك إلا أن تعيش حياتك لحظة بلحظة وسيكون لك نصيب الأسد في مشاهدة ما لذ وطاب، من موت الأحبة والأصحاب.
صدقني أيها القارىء أنا لم أعد أفهم ما أقول، لكن أمهلني لحظة من وقتك.
تخيل أو تصور أو عش كابوساً يقتحم عليك باب بيتك في شكلهم بشر وفي الأصل هم وحوش في ملامحهم آدميون وفي الأصل هم قتلة النبيين، في تاريخهم تأويل وعلى خراب ديارنا يقيمون العزف والتطبيل، وفي عقر دارك يقيمون يشربون ويأكلون، بظلمهم يتغنون وبسفك دماء أختك الصغيرة يحتفلون، وفي أوطاننا يتكاثرون ويتناسلون، بالله عليك ما أنت صانع؟ هل ستكون عاملاً لديهم في أحد المصانع؟ بالطبع لن تقبل بهذا! ولماذا؟ لأنك ضحية في زمن الوحوش الآدمية والذئاب البشرية، لأنك في صفحات الزمن حواشي، والحواشي في أسفل الكتب الأدبية، آخر ما تٌكتب، وأنت مازلت تكتب، والكل يشاهد ولا أحد منهم شاهد على كل تلك المذابح والمشاهد.
هل تتذكر يوم رحل جدي وجدك وسوط إسرائيل يمعن في ظهره؟ هل تعرف ذلك (الثور) الذي يرعي كيف وصل إلى بلادنا؟ ومن منحه الحق هنا! بالطبع لن تعرف لأن اللصوص تقاسموا الغنيمة، وفلسطين لم يسلم أهلها ولم يعد بها أرضا سليمة، والغريب في الأمر ان صاحب الحق ينسى فاعل الجريمة.
قل أيها الزمان مقولتك القديمة «ما ضاع حق وراءه مطالب» ودعونا الآن من التصفيق لأبطال الملاعب، وتذكروا أن للقدس جرحاً نازفاً من تلك المخالب.
لكن وللأسف لم نعد بخُفي حُنَيْن على طول الدرب، بل كان حنين حافياً يقف على رأس طريق الهزيمة، جنين تلك النسمة الحرة في زمن السكون، تلك الشوكة في حلق بني صهيون، ماذا تبقى يا لسان (الضاد)، الضياع بدأ منذ الاجداد، والخراب والدمار طال كل الاحفاد.. وأنتم لا دخل لكم لأن الأمر مجرد مناوشات بالايدي والاحذية حتى لو خرجت رصاصة فلم تكن بقصد، والأمر لا يستحق إسال الدم، فكلها مئات السنين وسنضع لإسرائيل حد.
من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق الى الغرب التهمت إسرائيل الاخضر واليابس، وبقي الكل في بيته جالس، فهذا قدر الله في الأرض وما هوواقُعٌ واقع (وإلي فات مات) وداعاً لأهات الأمهات، فلم يعد في القلب صوت ينادي، لأنه لم يعد أحرار في بلادي وهمنا صار تقبيل الرؤوس والأيادي.
ماذا جنينا بعد التطبيع، شربنا كؤوس الذل وحفظنا دروس التركيع، سبع عجاف أكلن أطفالنا وسرقن البسمة من أفواهنا، ماذا تبقى؟ كرامتنا تسير عارية بين حلبات المعابر وجندي أجرب يقف فوق رؤوس الطوابير ويكابر، ونحن أهل الدار نحمل على أكتافنا المقابر وتسلم رقابنا ونرشف كأس المهانة قبل الموت وموتنا في صمتنا هادر، يا لهذه المهازل.
قم يا بني، عرض القدس خائف، وأمام بابي ياصلاح ذئب يغازل، يا لسان العرب كم قتلتني وأنا في مدحك نازل، فما جنيت سوى الموت وهدم المنازل، ثم كنت أشري نفسي لاحيا يا لسان (البهادل)، لكنني بعد اليوم أيقنت أن السكوت من ذهب وأن الهروب من تحت عرشك كل المراجل، وأقف الآن لأقرأ عليكم الفاتحة فزمانكم زمن الكذب والتوايل يا موتى في مقابر التنابل.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved