Friday 30th may,2003 11201العدد الجمعة 29 ,ربيع الاول 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

على هامش جائزة نايف بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة على هامش جائزة نايف بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة
وزير الشؤون الإسلامية وشيخ الأزهر يحاضران عن: موقف المسلم من الفتن في ضوء الكتاب والسنة

* المدينة - الجزيرة:
حذر كل من معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ ، وفضيلة شيخ الأزهر الدكتور محد سيد طنطاوي من الفتن وممن جاء بها ، سواء كانت فتن شبهات أم فتن شهوات ، مبيناً أن علاج الفتن يكون بالاعتصام بالكتاب والسنة لقول الله تعالى : {وّأّطٌيعٍوا اللّهّ وّالرَّسٍولّ} [آل عمران: 132] ، داعين إلى وجوب اتباع المحكم من كلام الله -عز وجل- ومن كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، ومن كلام أهل العلم . جاء ذلك خلال مشاركة كل من معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ ، وفضيلة الدكتور محد سيد طنطاوي في فعاليات الندوة التي نظمتها الأمانة العامة لجائزة نايف بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة، وذلك في الصالة الثقافية بمدينة الأمير محمد بن عبدالعزيز الرياضية بالمدينة المنورة مساء يوم الثلاثاء الماضي تحت عنوان : «موقف المسلم من الفتن في ضوء الكتاب والسنة» ، برعاية صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة المدينة المنورة . وأجمعا على أنه لا يكاد يخلو عصر من العصور من وجود الفتن التي بعضها صغير وبعضها كبير وبعضها شر مستطير .
ثلاثون مرة في القرآن
ففي البداية ، قال فضيلة شيخ الأزهر الدكتور محد سيد طنطاوي : إن كلمة الفتنة تكررت في القرآن الكريم ثلاثين مرة وأيضاً الكلمات التي اشتقت من هذه الكلمة تكررت ما يقرب من هذا العدد، وأصل الفتن كما يقول الإمام الراغب الأصفهاني في كتابه القيم المفردات في غريب القرآن ادخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته وعندما نقرأ القرآن الكريم نجد أن هذه الكلمة وهي كلمة الفتنة تارة تستعمل بمعنى الاختبار والامتحان كما في قوله عز وجل {كٍلٍَ نّفًسُ ذّائٌقّةٍ المّوًتٌ وّنّبًلٍوكٍم بٌالشَّرٌَ وّالًخّيًرٌ فٌتًنّةْ وّإلّيًنّا تٍرًجّعٍونّ } [الأنبياء: 35] ، والاختبار والامتحان والابتلاء بالمصائب والآلام قد أكده الله تعالى في كتابه في آيات كثيرة منها قوله عز وجل : { أّحّسٌبّ النَّاسٍ أّن يٍتًرّكٍوا أّن يّقٍولٍوا آمّنَّا وّهٍمً لا يٍفًتّنٍونّ (2) وّلّقّدً فّتّنَّا الذٌينّ مٌن قّبًلٌهٌمً فّلّيّعًلّمّنَّ الله الّذٌينّ صّدّقٍوا وّلّيّعًلّمّنَّ الكّاذٌبٌينّ} [العنكبوت: 3]ومضى الشيخ طنطاوي في القول : وقد يكون الاختبار والامتحان بالنعم التي على رأسها نعمة الأموال ، ونعمة الأولاد كما قال عز وجل : {وّاعًلّمٍوا أّنَّمّا أّمًوّالٍكٍمً وّأّوًلادٍكٍمً فٌتًنّةِ وّأّنَّ اللهّ عٌندّهٍ أّجًرِ عّظٌيمِ } [الأنفال: 28] ، وقد تستعمل كلمة الفتنة بمعنى بلبلة الأفكار واضطراب المفاهيم كما في قوله -عز وجل - : {هٍوّ الذٌي أّنزّلّ عّلّيًكّ الكٌتّابّ مٌنًهٍ آيّاتِ مٍَحًكّمّاتِ هٍنَّ أٍمٍَ الكٌتّابٌ وّأٍخّرٍ مٍتّشّابٌهّاتِ فّأّمَّا الذٌينّ فٌي قٍلٍوبٌهٌمً زّيًغِ فّيّتَّبٌعٍونّ مّا تّشّابّهّ مٌنًهٍ ابًتٌغّاءّ الفٌتًنّةٌ وّابًتٌغّاءّ تّأّوٌاللهٌ وّمّا يّعًلّمٍ تّأًوٌاللهٍ إلاَّ اللّهٍ وّالرَّاسٌخٍونّ فٌي العٌلًمٌ يّقٍولٍونّ آمّنَّا بٌهٌ كٍلَِ مٌَنً عٌندٌ رّبٌَنّا وّمّا يّذَّكَّرٍ إلاَّ أٍوًلٍوا الأّلًبّابٌ } [آل عمران: 7] ، وقد تستعمل هذه المادة بمعنى التعذيب والإيذاء كما في قوله تعالى : {إنَّ الّذٌينّ فّتّنٍوا المٍؤًمٌنٌينّ وّالًمٍؤًمٌنّاتٌ ثٍمَّ لّمً يّتٍوبٍوا فّلّهٍمً عّذّابٍ جّهّنَّمّ وّلّهٍمً عّذّابٍ الحّرٌيقٌ } [البروج: 10] ، وقد تستعمل هذه المادة أيضاً بمعنى الضلال والانغماس في النفاق كما في قوله تعالى : {يٍنّادٍونّهٍمً أّلّمً نّكٍن مَّعّكٍمً قّالٍوا بّلّى" وّلّكٌنَّكٍمً فّتّنتٍمً أّنفٍسّكٍمً وّتّرّبَّصًتٍمً وّارًتّبًتٍمً وّغّرَّتًكٍمٍ الأّمّانٌيٍَ} [الحديد: 14] ، وقد تأتي كلمة الفتنة بمعنى الوقوع في المعصية كما في قوله تعالى : {وّمٌنًهٍم مَّن يّقٍولٍ ائًذّن لٌَي وّلا تّفًتٌنٌَي أّلا فٌي الفٌتًنّةٌ سّقّطٍوا وّإنَّ جّهّنَّمّ لّمٍحٌيطّةِ بٌالًكّافٌرٌينّ} [التوبة: 49] . واستطرد شيخ الأزهر قائلاً : تارة تأتي كلمة الفتنة بمعنى محاربة الشرك والدعوة إلى إخلاص العبادة لله الواحد القهار كما في قوله تعالى : {وّقّاتٌلٍوهٍمً حّتَّى" لا تّكٍونّ فٌتًنّةِ وّيّكٍونّ الدٌَينٍ كٍلٍَهٍ لٌلَّهٌ } [الأنفال: 39] مشيراً إلى أن الذي يتدبر الأحاديث النبوية الشريفة يجد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد حدثنا عن هذه الفتن حديثاً مفصلاً. وأبان فضيلته أن موقف المسلم من الفتن قد حددته شريعة الإسلام تحديداً واضحاً ، لأنه إذا حدث التنازع بين طائفتين وهذا التنازع أدى إلى فتنة تبلبلت فيها الأفكار واضطربت المفاهيم والتبس فيها الحق بالباطل ولم يستطع المسلم أن يعرف أي الطائفتين على حق ففي هذه الحالة عليه أن يتجنب الخوض فيها ما دام غير قادر على الإصلاح بينهما حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً ,ولعل هذه الحالة هي التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن السعيد لمن جنب الفتنة، أن السعيد من جنب الفتنة».
الفتنة في الأرض
وواصل فضيلة شيخ الأزهر القول : أما إذا حدث النزاع بين طائفتين أو طوائف وأدى هذا النزاع إلى فتنة في الأرض وفساد كبير، وتبين للمسلم ، وثبت أن الحق في جانب ودون جانب آخر ، ففي هذه الحالة شريعة الإسلام تفرض على المسلم أن ينضم بكل شجاعة وبكل قوة وبكل ثبات إلى من هم على الحق وأن يدافع عنهم بكل الوسائل التي شرعها الله عز وجل للدفاع ونحن نقرأ القرآن الكريم فنرى كثيراً من الآيات القرآنية تقص علينا أخبار رجال عندما انتشرت الفتن ، ناصروا أهل الحق ودافعوا عنهم. واستطرد فضيلته قائلاً : لقد كانت عاقبة هذا الرجل المؤمن الذي دافع عن الحق بكل ما أوتي من قوة واستطاع بسبب إيمانه وشجاعته وحكمته ان يخمد الفتنة التي كان ينوي من ورائها فرعون أن يقتل نبياً من أنبياء الله -عز وجل- وشبيه بهذه القصة قصة أهل القرية الذين أرسل الله تعالى إليهم رسلاً لإخراجهم من ظلمات الشرك إ لى نور التوحيد والإيمان فكان ماكان من الرجل الذي دافع عن الحق وقال :{وّجّاءّ مٌنً أّقًصّا المّدٌينّةٌ رّجٍلِ يّسًعّى" قّالّ يّا قّوًمٌ اتَّبٌعٍوا المٍرًسّلٌينّ (20) اتَّبٌعٍوا مّن لاَّ يّسًأّلٍكٍمً أّجًرْا اّهٍم مٍَهًتّدٍونّ} [يس: 21] ، ومن الرجال الذين وفقهم الله لنصرة الحق ولوأد الفتنة في مهدها سيدنا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - إذ بعد أن لحق النبي - صلى الله عليه وسلم - بربه وبعد ان تولى سيدنا أبوبكر الخلافة حاول الذين في قلوبهم مرض أن يفرقوا بين الصلاة وبين الزكاة وأن يثيروا الفتن بين المسلمين ولكن سيدنا أبا بكر بصلابته وبمعاونة المؤمنين الصادقين له استطاعوا أن يخمدوا الفتنة ، وأن يثبتوا أركان الدين وأن يجعلوا كلمة الله هي العليا وأن يجعلوا كلمة أعدائه هي السفلى. ولفت شيخ الأزهر الأنظار إلى أنه لا يكاد يخلو عصر من العصور من وجود الفتن التي بعضها صغير وبعضها كبير وبعضها حقير وبعضه شره مستطير ، موضحاً أن ومن أشد الفتن ضرراًَ وإساءة للأمة الإسلامية ما نشاهده ونطالعه في وسائل من عدوان على الآمنين ، ومن تخريب لممتلكات المسلمين ومن تفجيرات تدمر الأخضر واليابس ومن قتل عن تعمد وإصرار لمن تجمعنا وإياهم العقيدة الواحدة ومن أفعال تسيء إلى الإسلام وإلى المسلمين ، وإلى شريعة الإسلام إساءة بالغة ، والسبب في ذلك أن أولئك الذين يرتكبون تلك الأفعال الشائنة لم يفهموا الإسلام فهماً سليماً ولم يقبلوا نصح الناصحين المخلصين ولقد حذر القرآن الكريم من الفتن التي مبعثها الهوى والشيطان والنزاع المرضي ، وسوء النية ، ومن ذلك قوله تعالى : {وّأّطٌيعٍوا اللّهّ وّرّسٍولّهٍ وّلا تّنّازّعٍوا فّتّفًشّلٍوا وّتّذًهّبّ رٌيحٍكٍمً واصًبٌرٍوا إنَّ اللهّ مّعّ الصَّابٌرٌينّ } [الأنفال: 46].
إشاعة الفتن
وأضاف فضيلته قائلاً : ومن الأحاديث النبوية الصحيحة التي حذرت من إشاعة الفتن ومن أي قول ، أو فعل يؤدي إلى زعزعة أمن الأمة وإلى اضطراب أحوالها ، وإلى بلبلة أفكارها وإلى الإساءة إلى عقيدتها وقيمها ، قوله - صلى الله عليه وسلم - ( من خرج على الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ) وقوله - صلى الله عليه وسلـم - : (من خرج من أمتي على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي في عهدها فليس مني ) ، وفي حديث ثالث يقول عليه الصلاة والسلام (إنه ستكون هناءة وهناءة «أي شرور وشرور» فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان) . وشدد فضيلته بالقول : إن الأمة إذا أرادت أن تبقى لها عزتها وكرامتها وأن تزداد قوة على قوتها وأن يسودها الأمان والاطمئنان والرخاء وأن تكون كلمتها هي العليا إذا أرادت ذلك فعليها أن تتعاون بكافة أفرادها وجماعتها على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان وعليها أن تتكاتف من أجل حماية أمنها واستقرارها وأن يحرص كل فرد فيها على أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حدود ما أعطاه الله تعالى من علم نافع ومن قول حكيم ومن توجيه سديد وعليها ألا تتهاون مع من يصر على الإساءة إليها بأي لون من ألوان الإساءة.
اتهام الإسلام بالفتن!
من جهته ، أوضح معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ أن الفتنة ضرر يقع في الناس باختلاف فيما بينهم ، أو قتل ، أو انعدام للأمن ، ومفهومها أقوال وأعمال تخرج عن الشريعة ، وتؤدي إلى انعدام الأمن ، واختلال الجماعة وحدوث الفرقة ، وهذا هو المقصود بالتحذير من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وهو التحذير من الأقوال والأعمال التي تخرج عن إطار الشريعة ، وتؤدي إلى انعدام الأمن ، وتفرق الجماعة ، وحصول الفرقة . ولفت معاليه النظر إلى أن هذا المعنى للفتن وجد في تاريخ الإسلام ، بل قال بعض الباحثين : إن تاريخ الإسلام مملوء بالفتن ، بل غلا بعضهم ، وقال : هل تاريخ المسلمين إلا الفتن ؟ ، وهـل نقرأ في كتب التاريخ إلا الاقتتال ؟ ، وهل نقرأ في كتب التاريخ إلا سفك الدماء ؟ ، هذا صحيح من وجه ، وغلط من وجه . وقال معاليه : أما صحته فموجود في كتب التاريخ ما ذكر من كثرة الاقتتال ، والخروج والدماء ، واستباحة الدم ، والمال ، والعرض ، ولكن هناك شأن عند المؤرخين لا ينبغي أن يسود في أذهاننا في تاريخ الإسلام والمسلمين ، وهو أن المؤرخين درجوا على أنهم لا يذكرون إلا السيئ الغريب ، ولا يذكرون الحسنات الكثيرة التي عملها الخلفاء ، وعملتها دول الإسلام المتعاقبة إلا فيما ندر ، فتجد أنهم عند حوادث كل سنة يذكرون ما حصل فيها من القتال ، ما حصل فيها من الفتن ، ما حصل فيها من الوفيات ، والقليل أن يذكروا ما فيها من أمور محمودة ، فلا يُغْلِبَنْ على الأذهان تلك الصورة التاريخية مما هو موجود في التاريخ ، لكن الفتن موجـودة وسنعرض لبعض الأمثـلة بحسب ما يتسع له الوقت .
أسباب الفتن
بعد ذلك تحدث معاليه عن أسباب الفتن وقال : السبب الأول لظهور الفتن الجهل ، والجهل بالدين ، أو الجهل بقواعد الشرع ، أو الجهل بالحقوق ، هذا يؤدي إلى حدوث الفتن، لأن من كان عنده جُرأة ، وغيرة باطلة ، غير منضبطة فإنه سيتجرأ بجهله على أن يخوض الفتنة ، وقد بدأت منذ ذلك الرجل الذي قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما فرق بعض المال قال : اعدل يا محمد فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - مغضباً ، فقال :( ويحك من يعدل إذا لم أعدل ) ، ثم قال :( يخرج من ضئضئي هذا أقوام يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم ) هـم أهل تعبد ، وأهل صلاة ، وأهل صيام ( يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) . فعلاً خرج أولئك ، الجهل بحق النبي - صلى الله عليه وسلم - ، الجهل بالعلم ، الجهل بالدين قَاتِلْ ، ولذلك ما خـرج أحد إلى الفتن إلا وأداه خروجه إلى أن يكون جاهلاً ، بل كان سبب ذلك هو جهله. فإذا كان الكتاب والسنة دواء ، فإن صرفه وفهمه يكون من العالم الرباني - لا من فهم آحاد الناس . السبب الثاني لظهور الفتن ، وظهور الفاتنين والمارقين اتباع المتشابه ، وترك المحكم الله - جل وعـلا - ابتلى الناس بأن جعل في كتابه محكماً ومتشابها ، المحكم هو ما هو بَيِّن واضـح يدرك معناه ، والمتشابه ما يشتبه معناها فَيُدركه أهل العلم ، وأهل الرسوخ في ذلك ، ولا يُدرك معناها كـل أحد ، قال الله - جل وعلا - في فاتحة سورة آل عمران :{هٍوّ الذٌي أّنزّلّ عّلّيًكّ الكٌتّابّ مٌنًهٍ آيّاتِ مٍَحًكّمّاتِ هٍنَّ أٍمٍَ الكٌتّابٌ وّأٍخّرٍ مٍتّشّابٌهّاتِ فّأّمَّا الذٌينّ فٌي قٍلٍوبٌهٌمً زّيًغِ فّيّتَّبٌعٍونّ مّا تّشّابّهّ مٌنًهٍ ابًتٌغّاءّ الفٌتًنّةٌ وّابًتٌغّاءّ تّأّوٌيلٌهٌ} [آل عمران: 7] .
وقفتان مع الآية
وتوقف معاليه عند هذه الآية وقفتين حيث قال : الأولى انقسام القرآن إلى محكم ومتشابه ، فالمتشابه موجود فمعنى ذلك أن يكون المسلم على حذر من أن يستدل بالقرآن استدلالاً خاطئاً ، وكما قال بعض أئمة الإسلام ( ليس الشأن في أن تستدل ) ليس الشأن أن تقول : قال الله ، وقال رسوله ، إنما الشأن أن يكون استدلالك صحيحاً موافقاً لفهم السلف ، الشأن ليس في الدليل ، منه محكم ومنه متشابه ، لكن الشأن في أن يكون استدلالك صحيحاً كل أحد يقول الكتاب والسنة ، ما فيه أحد يأتي حتى أهل المروق ، وحتى أهل الضلال الذين أو بقوا وعَمَلوا ما عَمِلوا من تفجيرات وفتن ، وقتل للمسلم وللمعاهد والمستأمن كل أحد يستدل ، هل الشأن في وجود الدليل ؟ ، ليس الشأن كذلك الشأن في أن يكون أولاً : الدليل محكماً ، الثاني أن يكون الاستدلال صحيحاً موافقاً لفهم سلف الأمة من هذا الدليل ، كذلك السنـة إذا كان القرآن فيه محكم ومتشابه فالسنة كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه محكم وفيه متشابه كيف نعرف المتشابه ؟ ، كيف يفهم أهل العلم المتشابه ، يردون المتشابه إلى المحكم فيفهمونه . الوقفة الثانية في الآية ، في قوله :{فّأّمَّا الذٌينّ فٌي قٍلٍوبٌهٌمً زّيًغِ فّيّتَّبٌعٍونّ} [آل عمران: 7] فأثبت وجود الزيغ في القلوب أولاً ، قال {فّأّمَّا الذٌينّ فٌي قٍلٍوبٌهٌمً زّيًغِ فّيّتَّبٌعٍونّ} [آل عمران: 7] يعني أن وجود المتشابه ليس هو سبب الزيغ ، لكن هم قد وجدوا الزيغ في أنفسهم ، فاتبعوا المتشابه ، وهذا كثير في أن المرء الذي عنده هوى ، وعنده ضلال ، يبحث عما يستدل به لمقررات سابقة عنده ، وقد ذكر ابن حزم في أول كتابه ( الإحكام في أصول الأحكام ) ذكر أن من أسباب الانحراف أن يكون عند الإنسان مقررات سابقة ، فهوم ، أحكام ، اتجاه ، فيبحث عن الدليل ليؤيد اتجاهه ، وهذا سبب رئيس لحدوث الفتن والاختلاف والضلالات ، فاحذر أن يكون عندك هوى في شيء ، ثم بعد ذلك تبحث في الأدلة ، تبحث في الكـتب ، ما يساند ما قررته سلفاً ، وما اتجهت إليه سابقاً ، أو اتجه إليه مجموعتك ، أو اتجه إليه جماعتك ، أو نحو ذلك هنا نحذر . ولفت معالي الشيخ صالح آل الشيخ الانظار إلى أنه في السنة أيضاً محكم ومتشابه ، كذلك كلام العلماء ، هل أقوال العلماء من الصحابة ، أو أعمال العلماء وأفعال العلماء كلها محكمة ؟ ليست كذلك منها ما هـو محكم ، ومنها ما هو متشابه ، فإذا أتى أحد وقال في بعض كلامه الإمام الشافعي قال كذا وكذا ، الإمام ابن تيمية قال كذا وكذا ، الإمام مالك قال كذا وكذا ، هل انتبهت في أن يكون قوله صواباً الأمر ليس كذلك ، لابد أن يكون أقوال أهل العلم أولاً محكمة ، ثانياً إذا كانت متشابهة فترد إلى المحكم ، إذا لم يستبن الأمر فيها. فالرجوع في فهم كلام أهل العلم إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - . وواصل معاليه حديثه عن أسباب الفتن قائلاً : السبب الثالث : التأويل وهل أفسد الدنيا إلا التأويل ؟ يتأول الأمور فيحرف الأمور عن وجهها حتى يصل إلى ما يريده ، والتأويل ممن أضر بالناس سواء أكان التأويل في العقائد ، أم كان التأويل في مسائل العمليات التي اتجهت إليها بعض الفرق كالخوارج والمعتزلة وغير ذلك ، والسبب الرابع حب الدنيا والرياسة ابن تيمية - رحمه الله - لما ذكر الخوارج قال : إن سبب ظهورهم ، ظهروا في أي زمن ؟ ظهروا في زمن عثمان - رضي الله عنه - هل هناك أنقى في زمن عثمان - رضي الله عنه - من عثمان ، هل هناك أنقى من دولة عثمان ، لكنهم نَقَموا عليه ، وخرجوا عليه حتى قتلوه في بيته وهو ناشر المصحف يقرأ فيه ، وكان صائماً - رضي الله عنه وأرضاه - قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( إن من خرج من الخوارج وغيرهم على ولي الأمر فإنما أخرجه لذلك شهوة باطنة في حب الدنيا والرياسة ) جعل لها سبيلاً من بعض مسائل الدين أو الغيرة على الشريعة فجعل ذلك سلماً لشهوة باطنة عنده ، وهذا كلام ظاهر وصحيح لمن تأمل . أما السبب الخامس يسترسل معاليه قائلاً : الغلو وهو مجاوزة الحد ، والله - جل وعلا - نهى الأمة عن الغلو ، كما نهى أهل الكتاب قال تعالى :{يّا أّهًلّ الكٌتّابٌ لا تّغًلٍوا فٌي دٌينٌكٍمً } [المائدة: 77] ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو» الغلو مجاوزة الحد عن المأذون به ، فمن جاوز الحد عن السنة المرضية ، فقد غلا»، النبي - صلى الله عليه وسلم - ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، كان عف الكلام ، عف الفعال ، رحيماً ، براً ، قوياً في موضع القوة ، ليناً في موضع اللين ، بعض الناس يظن أن الشدة دائماً هي الحق ، هذا غلط، غلط على الشريعة ، قد يكون في مواضع كثيرة ، وكثيرة ، اللين ، واليسر ، والأناة ، والرفق هو المطلوب لهذا ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ) فمن كان رفيقاً في أمره كله فقد ابتعد عن الفتن ، وسلم من الغلو ، وكان محبـوب الله - جل وعلا - . السبب السادس مخالفة العلماء ، وعدم الرجوع إليهم ، الخوارج ما رجعوا إلى الصحابة ، استقلوا بفهومهم ، الذين خرجوا اليوم من هذه الجماعات الضالة ، جماعات الفتن الذين لا يفرقون بين مؤمن ، أو غير مؤمن بل يقتلون كما يشاؤون ، ولا يرعون لذي عهد عهده ، هؤلاء لم يرجعوا إلى فهم ، فكان من أسباب ظهور الفتن والوقوع في الفتنة أن المرء يستقل بنفسـه في الفهم ، ولا يرجع إلى أهل العلم الراسخين به ، العلم درجات ، ليس كل من قرأ صار عالماً ، وليس كل من بحث صار باحثاً وعالماً ، العلم له أهله الذين يرجعون إليهم ، فلابد حينئذ أن يعرف أن من أسباب الفتن مخالفه العلماء ، أو عدم الرجوع إلى أهل العلم الراسخين فيه ، إذا تبين ذلك فإن هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى خروج فئات في تاريخ الإسلام.
الخوارج أساس الفتن
وأبرز معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ أن الخوارج هم أساس الفتن وكما جاء في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - :«لا يزالون يخرجون حتى يقاتل آخرهم مع الدجال»، يعني يخرجون ، ثم يخمدون ثم يخرجون ثم يخمدون ، وقد قال في حقهم «أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله - جل وعلا . وخلص معاليه إلى القول : إذاً من أسباب الفتن ، ومـن مظاهرها في التاريخ الزيادة في التدين فاحذر أن يكون التدين ، على طريق غلط ، لأنه إذا تدينت على طريق خطأ فليس شأنك أنك تسلم ، فقد تتدين على طريقة خاطئة فتصبح مثل أولئك الأقوام الذين انحرفوا ، فالشأن أن تكون ناصحاً لنفسك ، متديناً صالحاً متبعاً للكتاب والسنة متبعاً للصحابة على نهج سلف الأمة حذراً من الأهواء ، واحذر سبب الفتنة وهو أن تسمع لأهـل الفتن والأهواء ، بعض الناس يتساهل في نفسه يعرض نفسه للخطر ، يسمع لهذا ، ويسمع لهذا ، ويجلس مع أصحاب الفتن - لا - من أسباب وقاية النفس ، والوقاية خير من العلاج ، أن تبتعد عن أصحاب الفتن ، قال بعض أئمة السلف : لا تصغي إلى ذي هوى بأذنيك فإنك لا تدري ما يوحي إليك ) ما يوحي إليك تجلس تتساءل هؤلاء عندهم غيرة ، هؤلاء مجاهدون ، تجلس تسمع تسمع ، ثم تأتيك الفتنة ، ويأتيك الانحراف لابد أن يكون لك موقف واضح في هذا الأمر، موقف واضح وقائي لا تتساهل السماع لأن المرء يتأثر بأي شيء ، يتأثر بالسماع . وأضاف قائلاً : أن من مظاهر الفتن التي حصلت أن يتقرب أناس بالنيل من الكعبة ينتسبون إلى الإسلام ، ربما يكون فاسق إذا أتى عند الكعبة ورآها بكى، ولان قلبه ولم تحدثه نفسه بمعصية ، لكن أتى الناس من قوة تدينهم لم يراعوا حتى للكعبة مثل ما حصل من طائفة من العبيدية بل اقتلعوا الحجر الأسود وأخذوه معهم من مكة إلى الأحساء ، جلس معهم فوق العشرين سنة من 317هـ إلى 339هـ ، شيء يَدْمى له القلب أن يأخذ ناس الحجر الأسود ويذهبون به لكن سببه التدين ، التدين الباطل والتأويل والجهل من الطائفة الباطلة العبيدية ، كذلك من هم منتسب للسنة حوادث الحرم الأخيرة التي حصلت 1/1/1400هـ هذه الحوادث سببها ماذا ؟ هل كان أولئك في سلوكهم ، أو في ظاهرهم يشك فيهم كان ظاهرهم ظاهر الدين ، والخير ، ويطلبون العلم ، وفي حلق المشايخ ، لكن أتاهم الضلال والفتنة من جهة الغلو ، ومن جهة الجهل ، ومن جهة اتباع المتشابه ، ومن جهة أسباب كثيرة فأداهم إلى أن يجعلوا الحرم مكان خوف والله - جل وعلا - قد أمن في الحرم الطير ، حتى بعض الحشرات غير الضارة مؤمنة فيه ، فكيف ؟ هؤلاء يرتكبون باسم الدين ، ما حصل من تفجيرات أخيرة من الفتن ، التفجيرات الأخيرة في الرياض وما حصل قبلها في الرياض ، وفي الخبر ، وفي غيرها من بلاد المسلمين في مصر قبل ذلك ، وفي إندونيسيا يأتون إلى أناس آمنين من مسلمين وغير مسلمين فيقتلون الجميع هذا من أعظم الفتن في هذا الوقت ، وأبان أن السبب أن فيها عدة مخالفات ، فتنة عن الدين عظيمة ، وخروج عن الصراط واتباع لسبيل الخوارج من عدة أوجه أولاً :أن فيها قتلا للنفس والله - جل وعلا - يقول :{وّلا تّقًتٍلٍوا أّنفٍسّكٍمً إنَّ اللهّ كّانّ بٌكٍمً رّحٌيمْا } [النساء: 29] ، الأمر الثاني أن فيها قتلاً للمسلمين والله - جل وعلا - يقول {وّمّن يّقًتٍلً مٍؤًمٌنْا مٍَتّعّمٌَدْا فّجّزّاؤٍهٍ جّهّنَّمٍ خّالٌدْا فٌيهّا} [النساء: 93] ، بعض الذين قتلوا مسلمين وقتلوا معاهدين ، قال - صلى الله عليه وسلم - :( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ) ، العهد من يعطيه ؟ يعطيه إمام المسلمين ، الأمان من يعطيه ، الإمام ولي الأمر حتى لو أعطاه أحد المسلمين بكفالة ، ودخل بأمان لا يجوز الاعتداء عليه لأن المسلمين تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ، فيه اعتداء على الأموال :( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) ، أموال المجمعات هذه ملك لمن ؟، ملك للمسلمين بأي حق تفني أموال المسلمين ، وتعتدي على أموالهم أين أنت من هذا الحديث ؟ لكن هو الغلو وسبب الفتن .
وسائل العلاج
وشدد معالي الشيخ صالح آل الشيخ على أنه يجب الحذر من الفتن ، سواء كانت فتن شبهات ، أو فتن شهوات ، مستعرضاً بعضاً من وسائل العلاج ، وقال : أولاً ، يجب علينا أن نعتصم بالكتاب والسنة والله جل وعلا يقول :{وّأّطٌيعٍوا اللهّ وّأّطٌيعٍوا الرَّسٍولّ} [التغابن: 12] ، والثاني يجب علينا أن نتبع المحكم من كلام الله ، وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن كلام أهل العلم وأن ندع المتشابه . الثالث : أن نلتزم فهم الراسخين في العلم وألا نأخذ بنيات الطريق ، الرابع : أن نحرص على لزوم الجماعة والحذر من الفرقة لقوله تعالى :{وّاعًتّصٌمٍوا بٌحّبًلٌ اللّهٌ جّمٌيعْا اّلا تّفّرَّقٍوا} [آل عمران: 103] وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :«الجماعة رحمة والفرقة عذاب» ، فمن سعى في أي سبيل للفرقة فقد دخل في الفتن من أوسع أبوابها ، وفي الحديث :«الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها» ، رواه ابن النجار ، في تاريخه . وزاد معاليه قائلاً : ومن أسباب علاج الفتن ، أن الفتن لا تظهر إلا في أرض التفرق ، لا تظهر في أرض الاجتماع ، فلذلك موقعك أيها المسلم إذا أردت أن تأمن على نفسك ، وأن تأمن على دمك ، وأن تأمن على عرضك ، بل أن تأمن على دينك ، وأن تكون حامياً لدين الله - جل وعلا - ، فاحذر الفتن بأي طريقة ، بأن يكون هناك أرض خصبة للفتن ، بأي شيء بأن نهتم بجمع الكلمة قد يكون هناك معاص ، قد يكون هناك منكرات ، ولكن المصلحة العظمى في اجتماع الكلمة ، موضحاً أن الشهوة تطرأ وتزول ، لكن المشكلة الشبهة ، الشبهة هذه ما داواها الشبهة يتدين بها صاحبها وتبقى في نفسه ، بخلاف الشهوة يستغفر الله ويتوب إليه وفي نفسه الندم ، وإذا صلى يرجو مغفرة ذنوبه ، لكن صاحب الشبهة إذا قال استغفر الله ما يستغفر الله سبحانه وتعالى من قتل مسلم ، ما يستغفر الله من التفجير ، ما يستغفر الله ممــا يعمل لأنــه يرى هذه قربة إلى الله - جل وعلا .
جمع الكلمة ووحدة الصف
ودعا معاليه إلى الاهتمام بجمع الكلمة ، ووحدة الصف ، وكل سبيل إلى ذلك ، وقال : إن الله - جل وعلا - أمرنا بأن نحقق المقاصد والوسائل ، وعليك أيها المسلم ان تكون بعيداً عن الفتن ، وواقياً لنفسك ، وأن تكون مسلماً حقاً مجاهداً في درء الفتن ، موضحاً أن الجهاد أنواع ، فمن الجهاد أن تكون مجاهداً في جمع الكلمة ، من الجهاد أن تكون محققاً لمراد الله ومراد رسوله - صلى الله عليه وسلم - في الكتاب والسنة وفي الابتعاد عن الفتن ما ظهر منها وما بطن ، من الجهاد الحق في أن تكون عنصراً عالماً تقياً صالحاً في ألا تجعل للشيطان مدخلاً في هذه البلاد ، الله جل وعلا أصلح هذه البلاد ، وأصلح بلاد المسلمين فكيف نسعى في الإفساد يقول الله - جل وعلا - :{اّلا تٍفًسٌدٍوا فٌي الأّرًضٌ بّعًدّ إصًلاحٌهّا} [الأعراف: 56] بجمع الكلمة لا تفسدوا أمنها بالفسق بعد إصلاحها ، لا تفسدوا بالشرك بعد إصلاحها بالتوحيد .

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved