Friday 6th june,2003 11208العدد الجمعة 6 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رياض الفكر رياض الفكر
وشيم الكرام.. وفاء
سلمان بن محمد العُمري

إذا كانت النفس البشرية مزيجاً من الأحاسيس والانفعالات والسلوكيات والتصرفات والطباع والأمزجة، والتي منها ما يشتمل على الخير، ومنها ما يقع في إطار الشر والعياذ بالله، فإن من أجمل الصفات التي قد ترقى إليها النفوس، وتشرئب إليها الأعناق، وتتطلع إليها الأفئدة بفطرتها التي جبلها الله تعالى عليها هي صفة الوفاء.
والوفاء ليس كلمة تقال، ولا سلوكاً يمكن القيام به بلا مقدمات وبلا استعداد وتهيؤ ذاتي ومعنوي، ولا فعلاً يتصف به الإنسان، إنما الوفاء هو طبيعة للنفس الزكية، والروح العطرة الشذية، والقلوب الخيرة الندية، يأتي بصاحبه لأفعال هي المروءة بعينها، والإكرام بعينه، والكرم بحقيقته، ورد الجميل على أصوله، والاعتراف بالفضل بكل معانيه، فهي التي تأخذ بصاحبها نحو السؤدد، وليس صاحبها الذي يأخذها نحو التطبيق، وفي النهاية ينصهر الإنسان بوفائه فيصبح الوفاء سلوكه اليومي وفعله الدائم حتى بدون أن يفكر به، وهذه هي السعادة بأسمى معانيها، سعادة الوفي، وسعادة المحيطين به، وسعادة الأمة من بعدهم.
إن الإسلام- وهو دين الفطرة التي أرادها الله واقعاً معاشاً للبشر وحقيقة يومية يعايشونها في كل لحظة من لحظات حياتهم-، إنما أعطى كل صفة وخصلة نافعة ما تستحقه من تكريم وتقدير، ولهذا لا عجب إن كان الوفاء على رأس القائمة في التكريم والتسجيل بين الصفات التي أقرها الإسلام وشجعها ودعمها وارتقى بها، وذلك لأهميتها القصوى في بناء المجتمع الإسلامي وكيان الخير،وبنيان السعادة.
قال تعالى في كتابه الكريم:{وّأّوًفٍوا بٌالًعّهًدٌ إنَّ العّهًدّ كّانّ مّسًئٍولاْ} ، والوفاء مطلوب في كل الظروف، فما بالك به إزاء عهد أمام الله، فهنا العهد يستلزم الوفاء أكثر وأكثر، يقول تعالى في محكم التنزيل:«{وّبٌعّهًدٌ اللهٌ أّوًفٍوا ذّلٌكٍمً وّصَّاكٍم بٌهٌ لّعّلَّكٍمً تّذّكَّرٍونّ}.
فالوفاء بالعهد من أهم المبادىء التي يقوم عليها بنيان الشخصية المسلمة القوية المتينة الداعية للحق المبشرة بالعدل والتسامح والمحبة والإخاء، والوفي هو داعية حقاً لأن سلوكه عامل جذب للآخرين نحو عقيدة هي الفطرة بذاتها.
أما نقض العهد فلا طريق له إلا الضياع والخسارة والتشتت والشر والبعد عن الحق.
إن الوفاء علامة بارزة من علامات الإيمان- بإذن الله- وكذلك دلالة راسخة على قوة الشخصية وبعدها عن المصلحية والانتهازية والوصولية والنفعية والطمعية والحسدية، والإنسان الوفي هو محل ثقة بين الناس، يحبونه ويجلونه، ويقبلون على معاملته، ولا يرتابون بوعده وعهده، وهذا نصر عظيم لا يناله إلا الأوفياء، وعجب إن كان الوفاء لذلك عملة نادرة في هذا الزمان الذي جاء بحضارات مشوهة، وأفكار ضالة مضلة جعلت شريعة الغاب سيداً يحكم الجميع.
إن الوفاء مع الناس يأتي في كل الظروف وليس كمداهنة ونفاق وقت وجود الأشخاص في مناصبهم، وإنما الوفاء يبقى مع الطيبين حتى ولو جار الزمان عليهم ووقعوا بالمحن والشدائد.
والنقطة المهمة التي لا يجوز التغافل عنها أو التغاضي بخصوصها، هي أن هناك عقوداً وعهوداً يرتبط بها كل منا في يومه وفي ظروفه وأحواله المختلفة، وهذه من آخر الضرورات أن يلزم بها، وهذا الأمر لا مهادنة فيه لما فيه من إضرار بمصالح البشر، يقول تعالى:«{يّا أّّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا أّوًفٍوا بٌالًعٍقٍودٌ}، وهذا أمر من الله تعالى للمؤمنين، ولا خيرة لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله أمراً.
الوفاء سعادة للنفس البشرية، والوفي هو الإنسان الراقي من البشر، والوصول لدرجة الوفاء هو المكسب الحقيقي لبني الإنسان، والله من وراء القصد.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved