الأولويات العراقية

كل الأوضاع في العراق يعتريها التوتر من أقصى الجنوب إلى الشمال مع وسط أشد اضطراباً، غير أن الضمانة الوحيدة لعودة الاستقرار، والمتمثلة في إقامة نوع من الحكم الوطني، لاتزال بعيدة عن الأجندة الملحَّة وليس هناك حديث كثير عن ذلك..
وقد ظن الكثيرون لبعض الوقت أن الوجود البريطاني في البصرة والجنوب أوجد أوضاعاً هادئة عند مقارنة ذلك بالمناطق التي تنتشر فيها القوات الأمريكية، لكن الأحداث الأخيرة التي أسفرت عن مقتل ستة جنود بريطانيين وأربعة عراقيين أثبتت أن المشاعر التي يثيرها الاحتلال واحدة في كل الأحوال ولو أنها أقل حدةً في مناطق البريطانيين الذين يقولون إن تجربتهم في أنحاء العالم أتاحت لهم تصريف شؤونهم بعيداً عن الحساسيات حتى أن مظهرهم وهم يتجولون في البصرة وبعض مدن الجنوب العراقي أقل استنفاراً مما هو حادث للأمريكيين في بغداد على سبيل المثال.
ومع ذلك تبقى كل تلك الحساسيات المرتبطة بالاحتلال، فقد احتج أهل البصرة من قبل على تعيين حاكم بريطاني عليهم، وهناك الأمور اليومية وعمليات التفتيش التي لا تخلو من مواجهات وقتل ستة بريطانيين في مدينة العمارة المتاخمة للبصرة..
كل ذلك وغيره يحتم إيلاء الأهمية القصوى لتشكيل الحكم الوطني واتخاذ خطوات واستعدادات باتجاه زرع الأمل في النفوس بأن الاحتلال زائل، غير أننا نسمع كلاماً غير ذلك، فهناك في واشنطن ولندن من يتحدث عن سنوات طويلة من الاحتلال ومثل هذا الكلام يدفع باليأس إلى النفوس وقد ينعكس ذلك في شكل هجمات مثل التي صرنا نراها بشكل يومي والتي تتصاعد وتيرتها.
وفي العراق وجود سياسي مؤهل للاضطلاع بمهام الحاضر والمستقبل حيث الأحزاب التي تمثل كل ألوان الطيف السياسي العراقي.. وتستطيع هذه الأحزاب من خلال تكثيف حضورها السياسي أن تقنع القوة المحتلة للتعجيل بإقامة الحكم الوطني وأن تكون هي النواة للحكم الوطني وأن تسلك بالطريقة المسؤولة التي لا تترك أية ثغرة أمام الاحتلال لكي يطيل من وجوده.
أهمية التوجه نحو إقامة الحكومة الوطنية أنه يقلل من الخسائر التي بدأت تأخذ اتجاهاً تصاعدياً ومن الواضح أن الأقدر على التعامل مع الأوضاع العراقية المعقدة هم العراقيون أنفسهم..