Saturday 5th july,2003 11237العدد السبت 5 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
في دائرة الممكن
عبدالرحمن صالح العشماوي

حينما يكون المطلوب من الإنسان العمل بما يستطيع، والتحرُّك في دائرة الممكن من الأعمال، فإنَّ تفريطه في العمل بعد ذلك يُعَدُّ تقاعساً وتخاذلاً لا مسوِّغ له، وفي شرعنا الإسلامي قاعدة ذهبية للعمل بما يستطاع مؤصَّلة في القرآن الكريم {لا يٍكّلٌَفٍ اللّهٍ نّفًسْا إلاَّ وٍسًعّهّا} وفي السنة المطهَّرة قولاً وعملاً، ومع هذه القاعدة لا يجوز التهاون في أداء العمل، والقيام بالواجب، والتحرُّك الواعي لنشر الخير، ورَدْع أهل الشر، والمطالبة بالحق، ومخاطبة الضمير الحيِّ في العالمين.
لقد حدث ما حدث في العراق الجريح، وأصبح جنود الاحتلال الأجنبي في الموقع الذي كان فيه جنود الاحتلال المحلِّي في عهد نظام مستبدٍّ غاشم ظالم، وصارت الحقيقة المرَّة وجهاً كالحاً يبرز أمامنا في كل ناحيةٍ من عراق الأصالة والتاريخ، وصارت المطالبات بالحقوق الماليّة والأمنية وغيرها توجَّه إلى الحاكم الأمريكي الموجود في بغداد، وصار الحديث عن إعادة البناء، وإعادة تشغيل معامل النفط، وإعادة هيكلة الدوائر الوظيفية، والتعيين والفصل، والإقالة بيد المحتلّ لا يخفى ذلك على الجميع، وهذه الحقيقة المرَّة أصبحت سائغة المرارة عند المسلمين لأنهم لا يستطيعون لها صَدَّاً، ولا لأصحابها رَدَّاً، بل إنَّ الخطاب الإعلامي العربي والإسلامي بدأ ينسجم مع هذا الوضع المؤلم، وهذه الحقيقة المرَّة، ولم يعد هنالك مجالٌ لأساليب السب والشتم، والوعيد والتهديد التي كانت فقَّاعاتٍ تتطاير في فضاءٍ مليءٍ بحشرات الإعلام المعاصر وجراثيمه ودخانه الخانق للأنفاس.
نعم هذه حقيقة مرَّة، أصبحت بارزة الوجه صباحَ مساءَ في العراق والله سبحانه وتعالى أعلم متى تزول المرارة، ولكنَّ السؤال المهم هنا هو: هل يعني فرض هذه الحقيقة المرة على المسلمين أن يتوقفوا تماماً، وأنْ يسكتوا تماماً، وأن يخفضوا الرؤوس خفضاً مستمراً حتى مع إمكان رفعها قليلاً دون إثارة أو تطاول على أصحاب الحقيقة المرّة؟!
هل يصح ذلك؟، أليست هنالك طرق قانونية، وأساليب نظامية عالمية، ومنابر دولية خاضعة لهيئة الأمم وغيرها من المنظمات والجمعيات الرسمية العالمية يمكن أن نخاطب من خلالها ضمير المحتلِّين للعراق، وضمير عقلاء العالم الغربي والشرقي؟، نقول لهم: إنَّ احتلال العراق لا يعني احتلال قلوب الناس وعقولهم، ولا يعني حقَّ بعض جنود الاحتلال في مداهمة البيوت المستورة، والأُسر الآمنة بين جدران منازلها، ولا يعني أنّ نساء البلد المحتل الجريح قد أصبحن مباحات العرض للمتطاولين المنحرفين من الجنود؟ أليس مما هو في دائرة الممكن أن يوجَّه إلى دول العالم نداءٌ ضمن دائرة القوانين والأنظمة الدولية التي ترفع لافتات «رعاية حقوق الإنسان» يوجّه هذا النداء صوتٌ واحد من العالم الإسلامي لعرض هذه القضايا الإنسانية؟ لماذا هذا الارتماء في أحضان الحقيقة المرة والواقع المؤلم؟؟.هنالك قصصٌ تُروى، تُنقل من داخل العراق الجريح عن اعتداء على حقوق الإنسان، وانتهاك لأعراض بعض المسلمات، وعدم مراعاة لمبادئ أهل هذا البلد وقيمهم، وضوابطهم الاجتماعية، وعاداتهم وتقاليدهم العربية، أفلا يمكن أن تحرِّك هذه القصص ساكناً في وجدان عالمنا الإسلامي وأمتنا العربية؟ ألا يحق للأمة ان تخاطب ضمير العالم خطاباً واضحاً من خلال المنابر الدولية الرسمية في هيئة الأمم وغيرها؟؟.
يا ضمير الإنسان الحيّ ليس معنى الرضا بالحقيقة المرَّة أن يسكت الناس عن كل شيء، إن أمام الضعيف المغلوب طرقاً كثيرة يستطيع أن يحافظ من خلالها على بعض حقوقه، لن يحترمه العالم إذا فرّط فيها.
إشارة


يا نجوم المساءِ هل عقم الليل
فما عاد يُنجب الأَحلاما

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved