Sunday 6th july,2003 11238العدد الأحد 6 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المرأة الداعية ومشكلاتها (2/2) المرأة الداعية ومشكلاتها (2/2)
الشيخ سلمان بن فهد العودة

المشكلة الثانية: صعوبة التوفيق بين العمل والدعوة والشؤون المنزلية، وهذه بلا شك معضلة حقيقية، فالمرأة أمامها العمل، وأمامها الدعوة، وأمامها الأمور المنزلية: البيت، الزوج، الأولاد..، إلى غير ذلك، ولعلي لا أتجاوز الحقيقة إذا قلت: إنها أكبر مشكلة تواجه الداعيات، وعلى عتبتها تتحطم الكثير من الآمال والطموحات، فكم من فتاة تشتعل في قلبها جذوة الحماس إلى الدعوة إلى الله تعالى، وتعيش في مخيلتها الكثير من الأحلام والأمنيات، فإذا تزوجت وواجهت الحياة العملية؛ تبخَّرت تلك الآمال، وذابت تلك المشاعر، ولم تعد تملك منها إلا الحسرات والأنات، والآهات والزفرات، والذكريات! حتى أصبحت كثير من الفتيات الآن لا يملكن إلا أن يقلن: كنت أفعل كذا، وكنت أفعل كذا، لكنهن لا يستطعن بحال أن يقلن: نحن نفعل الآن كذا وكذا.
حلول هذه المشكلة: إنني لا أزعم أنني أملك حلاً لهذه المعضلة، لكني أحاول المشاركة ببعض الحلول من خلال إضاءات أبينها فيما يلي:
فالتقوى هي أول حل أن يتقي العبد ربه، وتتقي الأمة ربها جل وعلا في نفسها، وفي وقتها، وفي زوجها، وفي عملها، وفي مسؤوليتها.
والتقوى ليست معنى غامضاً كما يتصور البعض، بل يمكن أن نحدد التقوى في بعض النقاط والأمثلة التالية: من التقوى أن تختصر الفتاة ثلاث ساعات تجلسها أمام المرآة، وهي تعبث بالأصابع، وترسم وتمسح، وتزين شعرها؛ لتصبح هذه الساعات الثلاث نصف ساعاة مثلاً أو ثلث ساعة، دون تفريط في العناية بجمالها لزوجها، الذي هو جزء من شخصيتها، وجزء من فطرتها.
ومن التقوى أن تختصر الفتاة مكالمة هاتفية ساعتين مع زميلتها في أحاديث لا جدوى من ورائها لتكون هذه المكالمة ربع ساعة، أو عشر دقائق في السؤال عن الحال والعيال، وغير ذلك، أو المناقشة في موضوعات تهمّ الطرفين دينا أو دنيا.
ومن التقوى أن تختصر الفتاة الوقت المخصص لصناعة الحلوى مثلاً من ساعة ونصف إلى صناعة جيدة وجاهزة، لا يستغرق تحضيرها أحياناً نصف ساعة.
ومن التقوى أن تقتصد المؤمنة في نومها، فالنوم من صلاة الفجر إلى الساعة العاشرة وبعد الظهر، وقسطاً كافيا من الليل هذا من عادات الجاهلية، وامرؤ القيس لما كان يمدح معشوقته، كان يقول: نؤوم الضحى، فيمدحها بكثرة نومها، لكن في الإسلام مضى عهد النوم، أصبح المؤمن مطالباً بأن يكون قسطه من النوم مجرد استعداد لاستئناف حياة من البذل والجهاد، فنومها إلى الساعة العاشرة ضحى، ثم بعد صلاة الظهر، وقسطاً كافيا من الليل هذا الأمر لا يسوغ، والرجل مثلها في ذلك، ومعاذ رضي الله عنه كان يقول لأبي موسى وهما باليمن حين سأله عن قراءته للقرآن: (أنام أول الليل؛ فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي) والحديث في البخاري.
فكون الإنسان قليل النوم، فإن ذلك مما يمدح به الرجل والمرأة على حدِّ سواء، والاقتصاد في هذا الأمر ممكن، فالعلماء في السابق كانوا يقولون: إن القدر المعتدل من النوم ما بين ست إلى ثمان ساعات يومياً، وهذا الكلام ذكره جماعة من السابقين، ونقلوا إجماع الأطباء عليه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان لعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : «فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لِزَوْرك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا» وفي قصة سلمان مع أبي الدرداء رضي الله عنهما ، قال سلمان له: «إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى أبو الدرداء النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (صدق سلمان)، وقوله رضي الله عنه : «فأعط كل ذي حقٍ حقه» يدل على أن سوء التوزيع يكون سبباً في ضياع الثروة.
وإذا كانت أغلى ثروة تملكها هي الوقت؛ فإن سوء توزيع الوقت من أسباب الضياع الذي يعيشه كثير من المسلمين، ولو أن المرأة أفلحت في ضبط وقتها وتوزيعه بطريقة معتدلة؛ لكسبت شيئا كثيراً.
ومن العدل ترتيب الأولويات والمهمات، فالفرض مثلاً يقدم على النفل، وربنا تعالى يقول في الحديث القدسي الذي رواه البخاري: (... وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه...) إذاً الفرائض أولاً ثم النوافل في مرتبة تليها؛ لأن الله تعالى لا يقبل نافلة حتى تؤدَّى فريضة، كما قال أبوبكر رضي الله عنه في وصيته.
فالفرض يقدم على النفل، والضرورات تقدم على الحاجات، والحاجات تقدم على الأمور التكميلية التحسينية، وهذا إذا صار هناك تعارض.
فليس من العدل أن تهمل المرأة زوجها وبيتها وأولادها بحجة أنها مشغولة بالدعوة، كما أنه ليس من العدل أن يهمل الرجل بيته وزوجه وأولاده، بحجة أنه مشغول بالدعوة، وليس من العدل أن تغفل المرأة الداعية عن عملها الوظيفي الذي تتقاضى عليه مرتباً من الأمة، أو تغفل عن عملها الدعوي الذي هي فيه على ثغرة من ثغور الإسلام، يُخشى أن يؤتى الإسلام من قبلها، فإذا ضاقت عليها الأوقات، فبإمكانها أن تسند بعض المهمات إلى أخريات يتحملن معها المسؤولية، وتقوم هي بدور التوجيه والإشراف.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن جابر، ومسلم عن حذيقة رضي الله عنهما : (كل معروف صدقة) و«كل» من ألفاظ العموم، ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد، والترمذي، والحاكم عن جابر رضي الله عنه : (وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك) ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطيالسي، وأحمد، والنسائي عن عمرو بن أمية الضمري: (كل ما صنعت إلى أهلك فهو صدقة عليهم) والكلام للرجل والمرأة أيضاً على حد سواء؛ بل في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الاثنين صدقة، ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة).
إذاً الصدقات كثيرة جدا، فعمل المرأة ودعوتها يمكن أن يكون لزوجها، سواء كان زوجها ملتزماً، أو عاديّاً، أو منحرفاً.
إنّ قيام فتاة بتأمين الجبهة الداخلية لداعية، بمعنى أنها تقف وراءه، وتحفظه في نفسها وفي ماله وولده، وتسدّ هذه الثغرة الخطيرة التي يمكن أن تشغله عن دعوته، أو على الأقل تجعله ينطلق في دعوته وهو يشعر أنه مشدود إلى الوراء، وأن همّ البيت يقيده ويخايله أبداً، إن ذلك جزء من مهمتها، ومن دعوتها.
وإن قيامها بتحويل زوجها من إنسان عادي همه الدنيا، إلى إنسان داعية يشتعل في قلبه هم الإسلام، هذه دعوة، أو حتى قيامها بدعوة زوجها، من زوج منحرف ضال، مقصر في الصلاة، أو مرتكب للحرام، إلى إنسان صالح مستقيم؛ هذا جزء من الدعوة، ويمكن أن يكون لها في ذلك أثر كبير.
كما أنّ تربية أولادها على الخير، وتنشئتهم على الفضيلة هو جزء من دعوتها ومسؤوليتها، ونحن نعرف جميعاً ما هي الأجواء التي تربى فيها عبدالله بن عمر، أو عبدالله بن الزبير، أو عبدالله بن عمرو بن العاص، أو غيرهم من شباب الصحابة، وأي نساء قمن بتربيتهم.
كما أن تدريس المرأة في مدرستها لا يجوز أبداً أن يكون عملاً وظيفيا آليا تقوم به، فنحن لا يهمنا أن تتخرج البنت وقد حفظت نصوص البلاغة فحسب، أو حفظت المعادلات الرياضية فحسب، أو أتقنت التفاعلات الكيماوية، أو معادلات الجبر، وهذا كله جزء من المقرر، ونحن نقول: لا تثريب على المعلمة في تدريسه والحرص عليه، ولكن كل هذه المواد، ومواد اللغة، ومواد الشريعة، وكل ما يقدم للبنت وللرجل كذلك فإنه يهدف إلى غاية واحدة فقط، وهي بناء الرجل الصالح والمرأة الصالحة، بناء الإنسان المتدين المستقيم الصالح، هذا هو الهدف، فلا يجوز أن ننشغل بالوسيلة عن الهدف والغاية.
الآن ما من بنت إلا وتدرس في المدرسة، فلو وجدنا في كل مدرسة معلمةً ناصحة واعية مخلصة؛ معنى ذلك أننا استطعنا أن نوصل صوت الخير إلى كل فتاة، وهذا مكسب عظيم جداً إذا حققناه. كما أنه من الممكن أن تحرص المعلمة على إقامة الجسور والعلاقات الأخوية الودية مع زميلاتها المدرسات، ومع طالبتها، وطالما سمعنا ثناء الجميع على معلمة؛ لحسن خلقها، وطيب معشرها، وطالما استطاعت معلمة واحدة، أو مشرفة، أو إدارية، أن تقلب المدرسة كلها رأساً على عقب؛ بل إنني أعرف حالات استطاعت مدرسة واحدة، في مطلع حياتها الوظيفية، أن تقلب قرية بأكملها وتحول الفتيات فيها إلى فتيات صالحات متدينات.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved