Sunday 6th july,2003 11238العدد الأحد 6 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

حرم الأمير عبدالمجيد الأميرة سارة: حرم الأمير عبدالمجيد الأميرة سارة:
«سحابة غيث» تحصد الفقر وتزرع الخير

* جدة خالد الفاضلي:
نحتت «سارة العنقري» منذ عام 1401هـ في واقع الفقر انموذجا ماسياً لسيدة لا تنام قريرة عين وبالجوار ذو احتياج، ولم يشغلها عن مد الأيادي البيضاء للفقراء والمعاقين لقب «سمو الأميرة»، ولم تنم بين طيات المجتمع المخملي رغم أنها حرم الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز صاحب مسيرة نهضوية إنسانية اجتماعية اقتصادية نشرها على امتداد 22 سنة في مناطق تبوك والمدينة المنورة ثم منطقة مكة المكرمة.
تعتلي «سارة» منذ سنوات عرش قافلة خير انطلقت من مدينة تبوك عام 1401هـ واستقرت بين جبال المدينة المنورة 14 عاما ثم ناداها حظ فقراء منطقة مكة المكرمة بعد أن تبنت «سارة» منهجا عملياً لمحاربة الفقر عن طريق غرس حلول دائمة في ارض الفقر بدلاً من الصدقات المقطوعة والمؤقتة، ونجحت في تأسيس إمبراطوريات خيرية بتدشين مؤسسات جديدة أو تجميع المؤسسات السابقة تحت مظلة واحدة ثم إدارتها بوسائل أكثر حداثة تتصدى لمسببات الفقر وتمنعه من نهش المجتمع. وكانت «سارة» ولا تزال مثالاً حياً يصحو كل صباح تلبية لدعوة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد بالعزم في السر والعلن على سحق الفقر.
نالت حرم الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز سمو الأميرة سارة ثقة رجال وسيدات رجال الأعمال، واستطاعت بحكمتها إشراكهم بتشريح وعلاج الفقر، وحولتهم من مجرد مصادر تمويل إلى شركاء مانحين لهم أحقية الموافقة مسبقاً على حلول مقترحة، ويحملون ذات الهم، كما اعتادت «سارة» على تبيان مسار كل ريال، وبالتالي استطاعت مد المجتمع بثلاثة كيانات خيرية هامة أولها في مدينة تبوك «جمعية الملك خالد الخيرية النسائية» وتحويلها إلى صرح اسطوري، كما أنها منذ 3 سنوات تبني صرحاً آخر يحمل منهجاً متطوراً في التفكير والتنفيذ الخيري، أسمته «اللجنة النسائية العليا للأعمال الاجتماعية والإنسانية» وخصصته لتقديم حلول جذرية لإشكالات اقتصادية، تعليمية، إسكانية، اجتماعية، وصحية تمص دماء وراحة شريحة عريضة من سكان المنطقة، وضمن آليات تفكير وعمل متفردة مبنية على مبدأ كلنا شركاء».
وتكتنز «سارة» المولودة في الطائف لأربع أخوات وثلاثة إخوان روحاً وثابة نحو المغامرة يمكن قراءتها من أطراف حديث صباحي مع أحد اعضاء فريق السكرتارية الخاصة ذات وجه دائري هادئ الملامح تتحدث بلسان محتفظ بلهجة مصرية أصيلة أثناء شرحها لمشاريع كبيرة تشرف عليها اللجنة النسائية العليا «بص يا خالد، كل ده، واحنا ما عندناش فلوس كتير، الأميرة دايماً بتقول نبدأ على بركة الله حتى لو مافيش فلوس كفاية، وسبحان الله بتتيسر»، بهذا التلميح العابر نستشف ميل «سارة» إلى المغامرة والإقدام على تأسيس المراحل الأولى لمشروعات عديدة حتى لو لم تكن خزينة اللجنة النسائية العليا تحتوي مبالغ كافية.
تؤمن «الأميرة سارة» بمبدأ ينص على أن «السكن المناسب أول خطوات محاربة الفقر وآثاره، لذلك تمسكت بنهج تطبيقي يحرص على بناء مساكن ومرافق تعليمية وصحية بتصاميم ومواد اقتصادية تجمع بين خفض تكلفة الإنشاءات والوفاء باحتياجات المجتمع، مع الاحتفاظ بروح الديمومة لسنوات طويلة، واستطاعت خلال 14 سنة قضتها في المدينة المنورة وقبلها 6 سنوات في تبوك نقش أبنية مميزة على خارطة» الديموغرافيا، ذات تأثيرات اجتماعية متقدمة، كما بنت في منطقة مكة المكرمة قرية متكاملة، تحتوي مساكن، مدارس، مركز صحي، شبكات مياه، وكهرباء لتهجير بدو رحل وفقراء يعيشون شمال مدينة جدة في اكواخ مصنوعة من الخشب البالي وقطع الحديد الصدىء، متأخرين عن مسيرة النهضة خمسين سنة، وينجبون أطفالهم للفقر والجهل.
يتضح هاجس ديمومة العمل الخيري لدى سمو الأميرة سارة من قراءة تفاصيل إنشاء مرافق خيرية في المناطق الثلاث، كما تتكشف قدرتها على سن واستحداث مشاريع كانت غائبة عن عين العمل الخيري، ويده، وينام بين ظهراني مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم شواهد «فرع جمعية الأطفال المعاقين، مدارس النور الابتدائية لذوات الإعاقات البصرية، دار لأطفال مجهولي الأب والأم، ودار إيوائية لاستضافة أسر وعائلات في حال فقدانهم مساكنهم لأسباب طارئة».
لملمت «سارة» فوضى العمل الخيري في مدينة تبوك عندما أسست عام 1401ه جمعية الملك خالد الخيرية النسائية، وبعدها مجمع مدارس الملك عبدالعزيز «ابتدائي، متوسط، بنين، وبنات» كرافد تمويلي، ثم مركزا طبيا لرعاية الأمومة والطفولة مقرونا بعيادات خارجية، وربط المرافق الثلاثة بهيكل تنفيذي برئاستها يضمن استمرارية تمويل برامج مساعدات تستر على 350 عائلة بغطاء مقداره 3 ملايين ريال سنوياً، كما انشغلت «سارة» على امتداد 6 سنوات 1401 1406ه بترتيب البيت النسوي التبوكي»، ووضعت له بيئة مناسبة لإقامة دورات تأهيلية للسيدات في تخصصات تمنحهن فرص تحسين مكتسباتهن المادية، وتطوير خصائصهن كأمهات وزوجات، لكن «سارة» غادرت تبوك على غير رغبة من مجتمع لايزال يحفظ لها أياديها البيضاء رغم مرور 19 عاما شهدت على أن التوجه الخيري في تبوك بعد «سارة» طفل يتيم لا أم له.
هبطت «سارة» على أرض الرسول صلى الله عليه وسلم بصفتها حرم أمير منطقة المدينة المنورة الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز، ولم تصعد منها إلا بعد 5110 أيام زرعت خلالها منظومة خيرية تتأقلم مع ظروف مدينة تستقبل سنويا ملايين المعتمرين والزائرين للمسجد النبوي وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم، يحتاج بعضهم لخدمات صحية ومعيشية، إضافة الى أنها تحتضن على استحياء عشرات الأربطة المقطونة بمئات العائلات المكسورة. ونجحت «سارة» في نفض غبار الروتين عن جمعية طيبة الخيرية النسائية، المنزوية آنذاك في بناء عتيق على قارعة طريق أبي بكر، وتحويل سيدات المجتمع والناشطات الى جيش استطاع خلال فترة وجيزة كسب ثقة المتبرعين وتحويل الأموال أمام أنظارهم الى مشاريع خيرية أشرق غالبيتها لأول مرة في المدينة المنورة.
يشهد جبل أحد ومسجد قباء أن ثمة لسارة أطلالاً تسد أفق يثرب «دور إيواء للعجزة، للأطفال مجهولي الأم والأب، للعجزة، والمفجوعين، كذلك مدارس داخلية للصم والبكم ولذوات الإعاقات البصرية، ومراكز صحية»، وايضا سيدات يسابقن العصافير كل صباح ثم يعدن بلقمة العيش لاطفالهن وعلى لسانهن يجري ثناء دافئ لأميرة قاتلت حتى وفرت لهن تدريباً وتأهيلاً في مراكز لاتزال جدرانها ومعلماتها وتلميذاتها يتذاكرن حكمة «سارة» وقدرتها على تحويل أبنية الجمعيات الخيرية إلى غابات أرز لا تتوقف عن النمو وتوفر لقمة العيش لكل من يدخلها. في حين كانت جمعية طيبة الخيرية النسائية في المدينة المنورة 250 الف ريال من المعونات السنوية منذ تأسيسها عام 1398هـ حتى نفضتها ايادي سارة عام 1406هـ وحولتها إلى هيكل خيري قوي تصل عوائد انشطته السنوية إلى 5 ملايين سنويا، وتمنح هبات ومساعدات نقدية «3 ملايين ريال» و«عينية» بقيمة 4 ملايين، إضافة الى امتلاك أرصدة بنكية غنية، ومقر جديد متكامل مسنود باسطول سيارات، وكذلك امتلاك قطع أراض بمساحات ومواقع متعددة أتت كهبات، وتشغيل مباني وعمائر تبرع بإيراداتها ملاكها، ومرتكزة على 7 ملايين و414 الف ريال كانت في حساب جمعية طيبة، وقبل ان تغادر سارة أرض «أيوب الأنصاري» منحتها حكومة خادم الحرمين الشريفين أرضاً بمساحة 33 ألف و500 متر مربع قدمتها لجمعية طيبة بعد 13 سنة من المطالبات المتواصلة وكانت خير ختام لمشوار 14 عاما من غمام الخير بعد أن دست في كبد أرض المدينة مركزا صحيا مخصصاً لمرضى الكلى يعمل على تنقية دماء مواطنين ومقيمين ابتلاهم الله.
اتخذت «سارة» مكانا غير قصي لمكتبها بين كورنيش الحمراء بجدة وقصر الحمراء مسكنها الجديد برفقة الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز بعد صدور أمر ملكي سام بتعيين رجل المهام الصعبة والفكر التنموي الحديث أميراً لمنطقة مكة المكرمة، وبدأت «سارة» تعصر لمنطقة مكة خلاصة تجاربها في تنظيم وإدارة العمل الخيري وباتت اكثر ميلا لتجذير الإشكالات وانتزاع مسبباتها، فتجنبت في بداية مرحلتها الخيرية الثالثة الوقوع في فخ الروتين وانحازت إلى تأسيس تجمع نسائي خيري لا يتبع وزارة العمل مباشرة لكنه يوازيها ويتناغم معها، واختارت التفرع من جذع شجرة خير زرعها عبدالمجيد في اروقة الإمارة لإدارة وتطوير مرافق الحياة لسكان منطقة مكة المكرمة وتمهيد مسالك العمل لشبابها، وبالتالي أصبحت «اللجنة العليا النسائية للخدمات الاجتماعية والإنسانية» قلعة منذ لحظة ولادتها، تنفذ مشاريع نوعية تخدم شرائح متعددة في مواقعهم، وتحولت إلى ذراع أهلية تبني مع الدولة يداً بيد، كما انها تحرص بذكاء متناه على رقع ثوب المجتمع وتغطية مساحات غابت عنها عين التنمية خلال السنوات الماضية دون قصد.
اختارت «الأميرة» مكتباً من خشب العاج، وضعت عليه لوحة نحاسية مكتوباً عليها «سارة بنت عبدالمحسن العنقري» دون ألقاب أو بهرجة رؤساء مجالس الإدارة، ثم بدأت تحتوي ثقة رجال وسيدات الأعمال وكبار الداعمين للأعمال الخيرية والناشطين والناشطات حتى تحولت تدريجيا الى مرجع ومستشار يهرول إليه كل من يريد المساهمة بالخير في منطقة تكثر فيها الشرائح الاجتماعية للسعوديين والمقيمين، ولها خصوصية التكدس السكاني في مدينتي جدة ومكة المكرمة، كما أنها لم تنس مدينة مولدها «الطائف» فعاجلت لها ببناء مركز لعلاج وجراحة الكلى متكامل «سعة 100 سرير» في دلالة واضحة على اعتراف «فتاة الأمس» و«أميرة اليوم» أن الوفاء للمواطن عيشنا وذكرياتنا يجب أن يكون بالفعل قبل الحديث والأماني.
وتكتشف، مع مرور الأيام للأميرة سارة تبعثر بدو رحل وفقراء على اطراف عاصمة الاقتصاد السعودي، وذهبت بنفسها في جولة استكشافية لمشاهدتهم فوجدت أن أمانة موقعها كرائدة ومحركة للعمل الخيري الاجتماعي ان توجد حلاً لتشرد عائلات سعودية تحت سماء الفقر لا يحميهم منها إلا أكواخ فقيرة ترتدي أخشاباً مرتوقة بأخشاب وصفائح حديد بال يتآكل يوميا حسرة على ضياع مستقبل أطفال يتغذى الفقر والجهل على اجسادهم وينمو بينما اقرانهم على بعد 100 كيلومتر فقط يأكلون «الأيس كريم» على أبواب مدارس تحتضنهم من مرحلة الروضة الى الجامعة إضافة الى كهول يتحولون إلى ارواح محبوسة في اجساد واهنة يمتصها المرض والعمى المبكر.
أدركت «سارة الإنسانة والأميرة» أن الحلول الوقتية لا تفيد، وأن أفضل طريقة لإنقاذهم تستوجب استبقاءهم في بيئتهم وعدم نزعهم من مجتمعهم وأرضهم، لذلك قررت بناء قرية سكنية متكاملة تحتوي ابنية ذات طراز يتوافق مع طبيعة الناس والبيئة ومرافق خدماتية صحية وتعليمية، وتشمل مساكن للأرامل محاطة ببيوت للعائلات تضم غرفاً تكفي لجميع افراد الأسرة، كما أنها قدمت لهم قريتها بتواضع جم يستشف من إتاحتها الخيار لهم في تفاصيل كثيرة بما فيهم اسم القرية. اختار البدو والفقراء اسم «الطفيل» لقريتهم، بينما اختارت «سارة» تدشين حملة قوية لجمع تبرعات كافية، وقدمت للمتبرعين شروحات ورسومات توضح ادق التفاصيل بما فيها شكل مسجد القرية وتصاميم شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي. كما نالت قرية الطفيل اهتمام ومتابعة قسم الإسكان التنموي التابع ل «مؤسسة الأمير عبدالله بن عبدالعزيز لوالديه»، فيما أشار المقاول المنفذ لقرية الطفيل تلقيه مكالمات واستفسارات من مكتب الأمير الوليد بن طلال حول إمكانية تعميم تقنيات بناء «الطفيل» على قرى جديدة يعتزم الأمير الوليد بناءها استجابة لدعوة الأمير عبدالله لمكافحة الفقر.
من ناحيتها، قالت الأميرة سارة «لقد قدمنا خلال العامين السابقين حزمة من الخدمات والمساعدات الإنسانية الاجتماعية والصحية بلغت اكثر من 50 مليون ريال، لم نكن نحلم بتقديمها لولا توفيق الله عز وجل ثم الإقبال على تأييدنا ودعمنا من جانب الدولة، ثم من جانب رجال الاعمال الذين تشرف سجلاتنا بأسمائهم واسهاماتهم ومبادراتهم الكريمة السخية، وتعففهم عن الإعلان عنها، أو حتى مجرد ذكرها، فإنها في نظرهم من مال الله ولمرضاته».

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved