Sunday 6th july,2003 11238العدد الأحد 6 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الحظ والفقر بين الدامغ والخويطر والقاضي الحظ والفقر بين الدامغ والخويطر والقاضي
عبدالله بن حمد الحقيل / عضو جمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون

اتحفني الصديق الاديب حمد القاضي رئيس تحرير المجلة العربية باهدائي نسخة من كتاب الحظ والفقر في الشعر والنثر لمؤلفه الاستاذ أحمد بن عبدالله الدامغ وقد قدم له الدكتور عبدالعزيز الخويطر بمقدمة ضافية حيث قال عن الكتاب وكاتبه بأنه قد غاص في كتب الادب ودفن رأسه فيه طائعاً مختارا فاجتذبته إليها واطبقت عليه جوانبها فلم يعد باختياره أن يخرج منها مختارا كما دخلها مختارا ووجد جوانب يمكن ان تستغل ونوافذ يمكن ان تفتح فاستغل وفتح وجاءنا بحصيلة رأي أن يجعلها بضاعة واختار لها ثوب عرض بهيجاً وعلقه على مشجب بارز مضيء. واستطرد الدكتور الخويطر في مقدمته متحدثا عن الكتاب وما فيه من الجاذبية ما يضمن الاستفادة منه والانتفاع به كما أن المؤلف اختار شخصاً محبوباً عرفه الأدباء والمفكرون بدماثة الخلق وسمو الأدب وهو الأستاذ حمد القاضي حيث وجه إليه الحديث عن جوانب عن المجتمع حيث قال: يا ابا بدر أحس أن بدأ تدفعني نحو معانقة ذوقك وأدبك» وبدأ التحية ببعض أبيات يمهد بها الدخول وينبه الارض التي يسير عليها أن جادة عميقة سوف تحفر عليها ترسم الحظ والغنى الفقر في صورة أشعار يعارض بعضها بعضا ويجادل بعضها بعضا ويخالف بعضها بعضا تأتي في هيئة عراك وقداوضح المؤلف أن هذه المخاطبة ليست اول مخاطبة له بل إن له مخاطبات مع اناس وجد ان للقول صدى في نفوسهم لتناغم ما خاطبهم به مع ما يعتلج في نفوسهم لانهم اصدقاء ومعارف اوفياء حيث اشار الى ذلك في مستهل كتابه الظريف ولكنه ميز ابا بدر عن الادباء الآخرين فجاءت الرسالة طويلة تدل على الحب والوفاء حيث يقول المؤلف عن تلك الرسائل إن أيا منها لم يكن بالطول مثل هذه الرسالة التي كانت من نصيب ابي بدر وقد كانت هذه الرسالة هي الخامسة عشرة واختار لها أن تأخذ طريقها للنشر ولقد جاءت الرسالة طريفة ممتعة تذكرنا بمنهج اسلافنا من الشعراء والأدباء حيث كان يخاطب بعضهم بعضاً في رسائل وأبيات من الشعر وطرائف من القول وضروب من الحديث والمناجاة.
لقد اشتمل الكتاب على كم من القصائد والاشعار تقرب من تسع مئة وأربعين بيتا من الشعر الممتع المفيد فكراً ومعنى وصورة وخيالاً ومضمونا وجاءت هذه الآبيات كلها تتحدث عن الحظ وما فيه من محاسن ومساوىء وعن الغنى والفقر وما قيل في مدح هذا وذمه وما في ذلك من سخط ورضا وزهد وقناعة.
ويقول المؤلف ان فكرة حصر موضوع الغنى والفقر والحظ في إضمامة قد كانت متخمرة في ذهنه منذ سنوات وقد كان متمردا في اخراجه ثم اتجهت نيته في ان يجعله رسالة ولكنه احتار في اختيار الصديق الذي لديه معيار لمثل هذا الادب حتى يبعث به اليه حيث وجد تساويا قائما بين اصدقائه حتى استقر رأيه في ذلك على بعثه للأستاذ حمد القاضي فشمر عن ساعده وجد به البحث في المادة حتى طبعه واخرجه بهذا الشكل المتميز الجميل حيث اختار له هذا الاسم البديع فجاء في اوله مصدّرا بمقدمة خصبة للدكتور عبدالعزيز الخويطر ولاشك ان الكتاب حصيلة مجهود فني وإبداع خلاق وفق المؤلف في حسن الاختيار وجعلنا نشاركه الشعور فيما قصده حيث يستفيد القارىء من تجربته الثرة في هذا الميدان وحلق بنا في افاق من المتعة الروحية وأجواء الفكر والشعر وعوالم الإبداع والجمال الشعري الممتع ومحتوى الكتاب ابيات شعرية عامرة بالحكمة والصدق والاصالة جمعت بين جلال الماضي وروعة الحاضر وتمجيد المثل العليا ومكارم الاخلاق وبعد هذه المقدمة يخلق بنا ان نستعرض ما اشتمل عليه من موضوعات حيث استعرض ادبيات الحظ وما ورد في ذكر الحظ في القرآن الكريم ومعنى الحظ في اللغة حيث استشهد بما قاله الجوهري وابن الاثير والجاحظ وبقول ابي جعفر المنصور (استأذن العقل على الحظ فحجبه) كما ذكر بعض اقوال الحكماء ومن ذلك: قال الحظ للعقل إن شئت سر او اقم فاني مستغن عنك. وما قالته ام الاسكندر في دعائها له: رزقك الله حظا تخدمك به ذوو العقول ولا رزقك عقلا تخدم به ذوي الحظوظ. وقل أحد الشعراء:


ولربما بخل الكريم وما به
بخل ولكن سوء حظ الطالب

وقول احدهم:


رب شخص تقوده الاقدار
للمعالي وما لذاك اختيار
غافل والسعادة احتضنته
وهو عنها مستوحش فار

كما تحدث عن الحظ ما بين مادح له وقادح وان الحظ يطلب صاحبه مستشهدا بطائفة من الاشعار كقول الشاعر صالح الشرنوبي حيث ان له اقوالا جميلة وبليغة وبديعة في الحظ ومنها هذه القصيدة اجتزىء بعض ابياتها:


رأيت حظوظ الناس شتى مجاهل
اميرا وأهل العلم في كفه أسرى
ونابغة فذ يعيش مشردا
يكابد من ايامه الذل والفقرا

ولقد شكا ابن الخيال التغلبي الى ممدوحه حظه فوصفه حينا بالحرون الذي لا يستفاد منه وذلك بقوله من قصيدة له:


لقد قبض الزمان يدي وأعيت
عليّ رياضة الحظ الحرون

وقوله:


مالي وللحظ لا ينفك يقفذ بي
صم المطالب لا وردا ولا قربا

ويقول احد الشعراء:


ألا إن المحب قليل حظ
فما حسناته الا الذنوب

كما تحدث عن الحظ الكسول مفتاح لباب الفقر وعن العجز والكسل وأنهما من اسباب فوات الرزق وما قيل ذلك من شعر ونثر، كما من استشهد بشيء من اقوال الحكماء في الفقر والغنى والتفاتة اهل الفكر إلى جبر خاطر الفقر ومقاومة الفقر مستشهداً بقول الرصافي:


إن رمت عزا على فقر تأبده
فاستغن عن مال أهل البذخ والبطر
فإنما النفس ما لم تنأ عن طمع
فريسة ين ناب الذل والظفر

وقول الآخر:


لأصبرن على عسري وميسرتي
يوما بيوم كما تجني العصافير

ثم تحدث عن الفقر في اعين الناس واستشهد بكثير من الاشعار منها:


لقد ملني بالفقر خلي وصاحبي
وإن جئت اشكو ما أقاسيه صاح بي

وفي امتداح الفقر استعرض بعض الأقوال في ذلك كقول احد الفلاسفة: احتمال الفقر أحسن من احتمال الذل على ان الرضا بالفقر قناعة والرضا بالذل ضراعة ولقد بالغ أحد الشعراء في وصف ما به من فقر فقال:


خلق المال واليسار لقوم
وأراني خلقت للإملاق

كما ان الشجاعة والغنى ليسا بحصن مانع من الفقر ولقد استعرض المؤلف كتاباً الفه محمود كامل فريد وجعل عنوانه (البؤساء في عصور الاسلام) وقال انه فريد من نوعه وقد ترجم فيه لستة وثلاثين شخصية بارزة في ميدان العلم والادب والفلسفة والمعرفة لهم ما بين بائس وفقير وشقي وتعيس.
كما استعرض شيئا من اقوال الفلاسفة والحكماء في الفقر وذكر ان الفقر لا ينسى واستشهد بقول احدهم:


يعيش الفتى بالفقر يوما وبالغنى
وكل كأن لم يلق حين يزايله

ويقول الآخر:


الفقر والافلاس والضر
ثلاثة ايسرها مر

وفيما هو مأثور من القول: رب حسن دفنه الفقر.
وقيل:


فلم ار مثل الفقر ضاجعه الفتى
ولا كسواد الليل اخفق صاحبه

كما ذكر جانبا من قصص العرب في ذكر الفقر واثر الفقر في حياة الادباء والشعراء وارتباط الفقر بالادب وببيعهم اعز ما يملكون ليشتروا بثمنه ما يسد رمق جوعهم كقول زياد الاعجم الذي اضطر الى رهن جواليقه:


لقد لج هذا الدهر في نكباته
علي إلى ان ليس في الكيس درهم
وأمست جواليقي برغم طبيعتي
رهانا على ما في الجواليق يعلم

كما اورد ما قاله ابن عائشة حين رهن دفه ومصحفه ليأكل بثمنهما ودخل على بعض الخلفاء حيث قال:


اعطف علي فالكريم يعطف
وارئهن الدف وبيع المصحف

ويروى ان ابا علي القالي صاحب كتاب الامالي ضاقت به الحال واشتد فقره فاضطر الى ان يبيع بعض كتبه ورهن اعز شيء عنده فباع نسخة من كتاب «الجمهرة» وكان كلفا بها فاشتراها الشريف المرتضى فوجد عليها بخط ابي علي القالي هذه الابيات:


انست بها عشرين حولاً وبعتها
فقدطال وجدي بعدها وحنيني
وما كان ظني انني سأبيعها
ولو خلدتني في السجون ديوني
ولكن لضعف وافتقار وصبية
صغار عليهم تستهل جفوني

ولقد أورد قصصاً طريفة لشعراء وادباء باعوا كتبهم حيث نالهم الفقر والمشقة والضنك مما لا يسمح المجال لاستعراضه ولقد قال:


والفقر فاعلم مجمع البلاء
وسالب للحلم والحياء

وبعد:
لقد امضيت مع هذا الكتاب وقتاً ممتعاً واستمتعت بما فيه من اقوال وحكم وأشعار رائعة حقا تتجلى فيها قوة الابداع وجلاء التصوير مع ما فيها من التأثر بروح قائليها. وفي الكتاب قصائد وحكم تفوق ما أوردناه روعة وجمالاً ولو اردت ان استعرض محتوى الكتاب لضاق بنا المجال فما من بيت من الشعر وحكمة من الحكم ومثل من الامثال في موضوع الحظ والفقر إلا ويستحق الوقوف والاعتبار والتحليل ولقد تميز بالعرض الشيق وسلامة الربط بين رؤوس الموضوعات مما جعله يبدو للقارىء عقدا متناسق الحلقات وما في الكتاب من أقوال جديرة بالاهتمام والتأسي والمتعة الفكرية وشكراً جماً لأخي الأستاذ حمد القاضي على اهدائه لي نسخة من هذا الكتاب والذي هو صورة ادبية عن الحظ والفقر في الشعر والنثر، هذا وبالله التوفيق.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved