Friday 11th july,2003 11243العدد الجمعة 11 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

تغييب الخلاف تغييب الخلاف
د. فهد بن عبدالرحمن اليحيى ( * )

تلوح عاصفة نقدية على طلبة العلم احيانا او على بعضهم انهم كانوا في بعض المسائل الخلافية لا يذكرون الا قولاً واحداً «ويغيبون» عنا القول الآخر.
والامر في نظري لا يقتضي كل هذه العاصفة وإني طارح حول هذه القضية عدة تساؤلات:
1- إن التغييب لا يلزم أن يكون مقصوداً فلربما عزب عن البعض أن في المسألة خلافاًًَ وهذا مبلغ علمه، ولربما اعتبر الخلاف ضعيفاً لاينظر إليه فلم يعرج عليه وهو في كل ذلك غير ملوم فذاك غاية اجتهاده.
2- اننا اذا طردنا هذا الشرط «وهو ذكر الخلاف» في كل مسألة فَقلّ اذاً أن تخلو مسألة من خلاف حتى تلك المسائل التي يظنها «المنتقد» من مسائل الاتفاق، وهل هذا من الحكمة والنصح لعامة الأمة؟!
3- هل يلزم العالم، او المفتي ان يذكر الخلاف في الفتوى؟
لا اعلم احداً اشترط ذلك بل انهم ينصون على عدم التشويش على العامة بذكر الاقوال، كما في أدب المفتي والمستفتي لابن الصلاح ص 130-134.
4- لقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة رضي الله عنهم مايدل على انه ليس كل ما يعلم يقال، وان العلم، وإن كان في ذاته علماً صحيحاً لكن قد لا يناسب المخاطب فليس من الحكمة ايراده فما جاء:
* حديث معاذ رضي الله عنه فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حدث معاذاً بحق الله على العباد وحق العباد على الله.. قال معاذ: افلا ابشر به الناس؟ قال:« لا تبشرهم فيتكلوا».
* حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال: كنا قعوداً حول رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا ابو بكر وعمر رضي الله عنهما في نفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين اظهرنا، فأبطأ علينا، وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا، فقمنا، فكنت أول من فزع فخرجت ابتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم.. الحديث وفي اخره قال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله بأبي انت وامي ابعثت ابا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا اله الا الله مستيقناً بها قلبه بشره بالجنة؟ قال:« نعم»، قال: فلا تفعل، فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فخلهم».
* اثر علي - رضي الله عنه - قال:« حدثوا الناس بما يعرفون، اتحبون أن يكذب الله ورسوله؟».
* اثر ابن مسعود - رضي الله عنه - قال:« ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم الا كان لبعضهم فتنة».
5- لئن فرضنا أن ذلك النهج لا يناسب هذا العصر او ذاك البلد لملابسات معينة ولئن سلمنا بذلك، فلا يلزم منه بحال أن يكون اتخاذ هذا المنهج في السابق خطأ لأن ملابسات ذاك الزمن او ذاك البلد وطبيعة اهلها مثلاً او طبيعة الناس في ذلك الزمن لربما كانت تقتضي هذا النهج، وان ذكر الخلاف للناس لا مصلحة فيه ولا حاجة تدعو اليه، وعليه فلا مانع أن يصلح له ذاك التعامل في حين انه لا يصلح لزمن آخر او بلد آخر، فإن الاحوال تتبدل وعقليات الناس تتغير والمؤثرات تتجدد.

( * ) بريدة

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved