Friday 18th july,2003 11250العدد الجمعة 18 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

معالم على طريق الإصلاح معالم على طريق الإصلاح
د. محمد بن علي آل خريف

إن الحياة تتسم بالتطور والتغير، وما من أمة او مجتمع إلا ويصبو الى مجاراة الحياة من حوله في تطور مطرد نحو الأفضل وان من دلالات تحضر الامة ورقيها حرصها على تلمس سبل الإصلاح من اجل تحصيل التمكين والاستقرار، ولأن الإصلاح لا يمكن ان يأتي بالتمني، فانه يحتاج الى مبادرات وتفاعلات واثقة وحقيقية متواصلة تأخذ في الحسبان التوازنات المطلوبة في ظل عالم مضطرب بما ينسجم مع تلبية الاحتياجات، والاوضاع الداخلية ويقوي اللحمة الوطنية في اطار من الالتفاف حول ركائز الكيان العامة المبنية على المبادىء السنية الواضحة والاعتصام بها كونها صمام الأمان في تخطي الصعاب والتحديات المتجددة، ولأن عملية الاصلاح عملية ديناميكية معقدة تحتاج إلى مصابرة ومجاهدة لتخطي العوائق والعقبات فانها في الوقت نفسه تتطلب الاهتداء بمعالم واطر أساسية تساعد في تحقيق اهداف الاصلاح المنشود وفق خطوات مرحلية متتابعة تجمع بين الثبات على المبادىء وتلمس سبل الرقي والتطور، وأرى ان أهم المعالم الأساسية في طريق الاصلاح المنشود ما يلي:
أولا: تفعيل مبدأ النقد الهادف المنضبط بالضوابط الشرعية وفق قاعدة: ما بال أقوام وقاعدة: رحم الله من أهدى إلي عيوبي. وتوفير الشفافية والوضوح في تشجيع الحوار الفكري الفعال من اجل اكتشاف مكامن الخلل والقصور من بداية ظهوره وقبل استفحاله واستعصائه على المعالجة، من اجل تدارك الوضع حتى لا يصبح ظاهرة متجذرة في المجتمع ومؤسساته، كالوباء الذي ينتشر في جميع مكونات جسم الانسان بما يتعذر معه اي علاج، في حين انه لو تم متابعة الحالة منذ ظهورها ومكافحتها لأمكن السيطرة عليها بأقل التكاليف والخسائر.
إن تفشي المجاملات والتستر على الاخطاء والتجاوزات سيفضي حتما الى كوارث لا تحمد عقباها، وعليه ينبغي علينا ان نتفق جميعا على حتمية مواجهة الاخطاء، وكشفها وإيضاح ابعادها وأضرارها ومحاسبة أطرافها، واختيار الاسلوب الأمثل في نقد وكشف هذه الأخطاء والممارسات ابتداء حتى لا نخسر توطين هذا المبدأ النقدي البناء تحت أسباب واهية او مفتعلة تعيدنا الى دائرة الصمت والتستر على هذه الاوضاع بسبب معالجات نقدية مفتعلة قد تؤدي الى نتائج عكسية ضارة.
ان المران على اساليب نقدية راقية وحضارية يتطلب الصبر على مراحل من النقد المتجاوز لبعض الضوابط المنشودة في سبيل وصول الامة الى مرحلة النضج الحضاري الذي يؤهلها لتسنم ناصية الريادة والاصلاح ومعالجة امراضها بأساليب علمية وموضوعية.
ثانيا: تغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة: ان طريق الاصلاح شاق وعسير خاصة إذا تجذرت في المجتمع مصالح خاصة تتعارض مع المصالح العامة للأمة، وما لم يتم دعم جبهة المصلحة العامة في مواجهة أقطاب المصالح الخاصة فإن الرهان على تحقيق الإصلاح المنشود سيتعثر إذ لا يخلو مجتمع من فئات ترفض أي اصلاح قد يتعارض مع مصالحها أو يهدد مكاسبها الآنية والمستقبلية. ولأن عملية الاصلاح تعد عملية مهمة وحتمية لنجاة المجتمع واستقراره، فإن الأمر يتطلب مواجهة هذه الفئات بكل وضوح وحزم خاصة اذا كانت مصالحهم المزعومة مبنية على طرق وأسس غير مشروعة تشكل تهديداً واضحاً للمشروع الاصلاحي برمته لكون مقاومتهم للاصلاح أمراً مفترضاً، إن التنازل لمعارضي الإصلاح أو مهادنتهم سيعرض برامج الإصلاح للتقهقر وسيجعل أي إصلاح يتحقق اصلاحاً هشاً قابلاً للاجهاض والاجهاز عليه من اول وهلة.
ثالثا: لابد ان نؤمن ان الاصلاح شيء ممكن بل ويمكن ان يصبح في الظروف الملائمة عملا مؤسسيا يصعب إعادته إلى الوراء، ويمكن للبنية الرسمية للمؤسسات أن تسهل الاصلاح أو تعرقله إذ إن بعض الأنظمة في كثير من القطاعات يتم تأسيسها بحيث يقل فيها احتمال القيام باصلاح مستدام، ومع ذلك فضمن ظروف أخرى يستطيع الإصلاح ان يوجد انصاراً جدداً يقاومون محاولات تفكيك الاصلاحات السابقة وتبين التجارب المستقاة من الاصلاحات السابقة تاريخيا، وفي كل عصر اهمية وجود انصار أقوياء داخل المحيط الرسمي وخارجه لدعم المشاريع الاصلاحية وعلى وجه الخصوص يسهل الاصلاح حين تؤمن الفعاليات والفئات المختلفة انها ستستفيد من ذلك، كذلك حين يستفيد المواطنون العاديون أيضاً، وفي العديد من المجالات يمكن ايجاد مثل هذه القاعدة العريضة من الانصار اذا لم يتم عرقلتها من المستفيدين من الوضع القائم لأن الفئات التي تسهل تبادل المكاسب الشخصية، فإنها تعتبر بالضرورة بؤراً للصفقات المعارضة للإصلاح، أحيانا يجب اللجوء لأساليب الاصلاح بطريقة غير مباشرة لتحقيق مكاسب اصلاحية بأقل المعارضات، لكن ذلك ليس في جميع الحالات خاصة امام البرامج الاصلاحية الجذرية، كما انه يجب الالتفات الى اهمية ترتيب اولويات الاصلاح المطلوبة واستثمار الامكانات لتحقيق مكاسب اصلاحية عامة ستحقق بأقل معارضة ممكنة في حين انها ستقنع المترددين بحتمية العملية الاصلاحية لتجنب المضاعفات السلبية لهذه الحالات، وكجزء مهم من سبل معالجتها.
رابعا: تفعيل مبدأ الثواب والعقاب عن طريق التزام منهج صارم وعادل في التصدي لأي مظهر من مظاهر التجاوز وإيقاع الجزاءات العادلة الرادعة على كل من يثبت قضائيا ارتكابه لأي أعمال او ممارسات لا تخدم المصلحة العامة في نفس الوقت الذي يتم فيه مكافأة المخلصين الذين يقدمون اعمالا متميزة تدعم هذا التوجه، وذلك وفق ضوابط واطر واضحة وعادلة تحقق الهدف منها بتشجيع المحسن ومجازاة المسيء بشكل متوزان.
خامسا: شمولية الاصلاح واستمراريته:
إن المناداة بالإصلاح تبقى دعوى نظرية ما لم يتوفر لها رغبة صادقة والتزام اكيد في المتابعة والاستمرار مع انتشار جهود الاصلاح بشكل شامل ومتوازن في القوة بكافة المؤسسات الرسمية والاهلية، لأن جهود الاصلاح الاسمية لن تفلح في تحقيق الاصلاح المنشود وان حسنت نياتها، وصدقت توجهاتها، ما لم يصحب ذلك جهد يمكن ان يؤدي الى تحقيق ما يصبو اليه الجميع من اصلاح وتطور. وفي الختام اسأل الله ان يحفظ هذه البلاد وييسر لها سبل الاصلاح القويم والله الموفق.

* فاكس 4272675
ص ب 31886 الرياض 11418

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved