Monday 25th august,2003 11288العدد الأثنين 27 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

قراءة في كتاب قراءة في كتاب
جرائم الحرب الأمريكية في الخليج
تأليف : رمزي كلارك
عبد الله الصالح العثيمين

-2-
أشير في الحلقة الأولى من هذه القراءة إلى أهم ما ورد في مقدمة الكتاب وتواريخ الأحداث المتصلة بحرب الخليج وما بعدها.
أما الفصل الأول من الكتاب فعنوانه: «تخطيط أمريكا للسيطرة على الخليج». وقد بدأه المؤلف بالإشارة إلى أن كثيرين يبدو لهم أن غزو جيش صدام للكويت كان السبب لحرب الخليج الثانية التي كان من نتائجها ترسُّخ الهيمنة الأمريكية في المنطقة على أن التخطيط لتلك الهيمنة يعود إلى عقود مضت، بل إن أمريكا - في نظر المؤلف - تتحمل جزءاً من مسؤولية ذلك الغزو. وكل متابع لسير الأحداث في المنطقة وعلاقة أمريكا بصدام قبل غزو جيشه للكويت يدرك أنها كانت عوناً له في أحلك أيامه وسنداً له عندما كان يمارس ما عدّته - فيما بعد - من جرائمه.
بل إن من الثابت أن رئيس استخباراته، فاضل البراك، قابل رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في إسبانيا عام 1988م، وفهم من حديثه معه أن أمريكا تعد الخلاف بين العراق والكويت مسألة عربية لا دخل لها بها، وتكرر إظهار مثل هذا الموقف في مقابلة السفيرة الأمريكية في العراق لصدام قبيل غزوه للكويت.
ومن المرجح جداً أن أمريكا لو لم تحبذ ذلك الغزو لأظهرت معارضتها له قبل حدوثه. ولو فعلت ذلك لكان من شبه المؤكد أن يقلع صدام عن فكرة غزوه للكويت. وهذا الأمر لا يعفي الأخير - بطبيعة الحال - من مسؤولية ارتكاب جريمة عدوانه.
ويذكر المؤلف أن العراق كانت هدفاً لنشاط أمريكا منذ عام 1958م على الأقل؛ وذلك عندما أطاحت الثورة - بقيادة عبدالكريم قاسم - بالنظام الملكي الذي أوجدته بريطانيا سنة 1921م. ويشير إلى ان الحكومة الجديدة ساعدت في تكوين منظمة الأوبك التي هدفت إلى مواجهة الهيمنة الاقتصادية الغربية. ثم أشار إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية خططت لاغتيال قاسم بعد فترة قصيرة من استقرار الأمور له، كما خطَّط الجنرالات الأمريكيون في تركيا لغزو شمال العراق، واحتلال آبار النفط هناك، وأن الCIA كانت وراء الانقلاب الذي أطاح بقاسم عام 1963م.
على أنه يبدو لكاتب هذه السطور أن ما ذكره المؤلف عن الإطاحة بقاسم يحتاج إلى مزيد من البحث والتدقيق. ذلك أن عهد قاسم شهد في أواخره ابتعاداً عن الشيوعيين نوعاً ما واقتراباً من الغرب، وأن أي حكم يأتي إلى العراق، وعلى رأسه فئات قومية عربية الاتجاه سيكون من احتمالات توجهاته التقارب، والتعاون مع مصر. ولم تكن أمريكا ترحب بمثل هذا.
ويشير المؤلف إلى ما هو معروف لدى الكثيرين من أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية كانت وراء الإطاحة بحكومة مصدِّق المنتخبة ديمقراطياً عام 1953م.
(وما أكثر ما عملت أمريكا ضد الحكومات الديمقراطية وهي التي تدعي زوراً وبهتاناً أنها تسعى لاقامة مثل هذه الحكومات).
ونتيجة لذلك منح شاه إيران أمريكا 40% من امتياز آبار النفط الإيرانية، وعين عميل الوكالة الذي خطط الانقلاب على مصدِّق نائباً لرئيس شركة نفط الخليج.
ويشير المؤلف، أيضاً، إلى أن انفراد حزب البعث بحكم العراق سنة 1968م لم يكن ساراً لأمريكا، وأنه أصبح هدفاً ل(CIA) عام 1972م بعد أن أمم شركة النفط الأمريكية البريطانية. ولذلك اجتمع كيسنجر بشاه إيران وأخذا يحثان قادة الأكراد على الثورة ضد الحكومة العراقية المركزية. وتلقى أولئك القادة وعداً بالمساعدة المستمرة. وفي عام 1975م اضطرت تلك الحكومة إلى توقيع اتفاقية تقاسم شط العرب مع إيران مقابل إيقاف المساعدة للأكراد الثائرين.
على أن الإطاحة بحكم الشاه المدعوم أمريكياً، عام 1979م غيّر موقف أمريكا من العراق، فأمدتها - عبر جهات عربية صديقة لها - بمعلومات تفيد بأن النظام الجديد في إيران سينهار بسرعة أمام أي تقدم عسكري عراقي. وبتشجيع من تلك الجهات العربية - ومن ورائها أمريكا - شن صدام حسين هجومه على الأراضي الإيرانية. وكان ذلك يخدم مصالح أمريكا لأنه يضعف إيران، التي كانت تحتجز حينذاك شخصيات من رجال سفارتها في طهران، كما يضعف الشعور المناوىء لها في العالم الإسلامي المتأثر بالثورة الإيرانية. وإضافة إلى ذلك كان من أهداف أمريكا في نشوب الحرب بين العراق وإيران إضعاف دول الخليج، وبالتالي ترسيخ الوجود الأمريكي في المنطقة. وهكذا بدأت الحرب التي استمرت ثماني سنوات، والتي ساعد العراق على الصمود فيها دعم دول متعددة بطرق متنوعة، ومن ذلك أن الكويت وحدها - مثلاً - دفعت إليها أكثر من ثلاثين بليون دولار.
ويبدو لكاتب هذه السطور أن من بين دوافع أمريكا لتشجيع العراق - عن طريق أصدقائها - على محاربة إيران الثورة - اضافة إلى ما ذكره المؤلف - شهية شركات السلاح الأمريكية لبيع إنتاجها بأسعار تفرضها ظروف الحرب. ويبدو له، أيضاً، أن من أكبر أسباب إقدام صدام حسين على دخول حرب مع إيران خوفه من امتداد وهج الثورة الإيرانية ذات الطابع الديني، الذي يتفق مذهبياً مع طائفة كبيرة من عرب الشعب العراقي، إلى هذه الطائفة فتتمرد ضده. وهكذا اجتمعت عدة أسباب لشن هجومه المشؤوم.
ومن المعلوم لدى كثير من المتابعين لتلك الحرب المدمرة للطرفين المتحاربين أن أمريكا كانت تقف مع صدام حسين في وقت كان يرتكب فيه جرائم استخدام أسلحة كيماوية ضد الأكراد المتمردين عليه وضد الإيرانيين المحاربين له على حدٍ سواء. فادعاءات تلك الدولة - بعد نهاية تلك الحرب - أنها ضده لاستخدامه تلك الأسلحة ادعاء يعبر عن كذب مفضوح كثيراً ما اتسم به قادتها.
وبعد أن استقصى المؤلف مظاهر تغيُّر موقف أمريكا من العراق بدأ الحديث عن الإجراءات الأمريكية عسكرياً في منطقة الخليج استعداداً للهجوم على هذه الدولة ابتداء من شهر يوليو عام 1990م، وبينما كانت تلك الإجراءات تُتخذ حدثت مقابلة السفيرة الأمريكية في العراق لصدام، وهي المقابلة التي قالت له فيها:
«نحن ليس لدينا رأي حول النزاع العربي - العربي: مثل مشكلة حدودكم مع الكويت.. وقد وجّه وزير خارجيتنا المتحدث الرسمي أن يؤكد هذا الموقف».
وحدث اجتياح جيش صدام للكويت في الثاني من أغسطس من ذلك العام ولقي ما تُوقِّع من ردود فعل. ويذكر المؤلف المحاولات العربية التي بذلت لإقناع ذلك الرئيس ليسحب جيشه، مشيراً إلى أن تلك المحاولات كادت تؤتي ثمارها لولا أن ضغط أمريكا على الجميع أفشلها، كما يذكر نجاح هذه الدولة الضاغطة في تمهيد الطريق أمام مجيء قواتها إلى المنطقة بالحجم الذي اكتمل عليه فيما بعد.
وبعد ذلك النجاح أشار المؤلف إلى أن أمريكا عمدت إلى استخدام الصحافة لتظهر أن الرجل، الذي كانت قد أقامت علاقات وطيدة معه في مختلف المجالات طيلة حربه مع إيران، طاغية أسوأ من هتلر، وذلك لإقناع الرأي العام الأمريكي بصحة موقفها في معاداتها له، وتجهيزها لمحاربته.
واستمر المؤلف في حديثه عن الموضوع ليقول: إن أمريكا كما بذلت كل جهد ممكن لإفشال أي حل عربي يؤدي إلى انسحاب جيش صدام من الكويت، ونجحت في ذلك، قامت بكل ما استطاعت القيام به لسد الطريق أمام ذلك الانسحاب في محادثاتها مع ممثل صدام. بل إن الرئيس بوش كان يرى منذ البداية أن التفاوض معه بمثابة مكافأة له؛ علماً بأنه لم يمرّ على غزو أمريكا لبنما وقتل قواتها لآلاف المدنيين إلا أقل من عام واحد.
ثم اختتم هذا الفصل بالإشارة إلى اندفاع أمريكا السريع إلى محاربة العراق، فلم يمر على اجتياح جيش صدام للكويت إلا شهر وقد وصل إلى الخليج مئة ألف جندي أمريكي، ولم ينفض شهران على ذلك الاجتياح إلا وقد بلغ عدد الجيش الأمريكي في المنطقة أربعمائة ألف جندي، وفي أواخر ديسمبر من عام 1990م أمر الرئيس بوش الجنرال شوارزكوف أن يبدأ الهجوم على العراق في اليوم السادس عشر من يناير سنة 1991م. وفي فجر ذلك اليوم بدأ الهجوم المذكور. وخلال ساعة واحدة من بدايته دُمَّر 85% من مولدات الطاقة الكهربائية في العراق. ويقول المؤلف: إن ذلك الهجوم كان مخططاً له قبل سنوات من احتلال جيش صدام للكويت، وإن حفز العراق ليتصرف تصرفاً يبرر تنفيذ ما خطط له أمر لا شك فيه.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved