Monday 25th august,2003 11288العدد الأثنين 27 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

كيف أصبحنا نعيش وسط آلة؟! كيف أصبحنا نعيش وسط آلة؟!
طارق بن ناصر البكر

يقول المعماري الراحل لوكوربوزيه Le Corbusier)): (المنزل آلة للمعيشة).. وتفسير مقولته أن منازلنا لم تعد بسيطة وطبيعية كما في الماضي، بل اعتراها مسُّ من التكنولوجيا وأصبحت معقدة المتطلبات ويحتاج تشغيلها إلى تمديدات أسلاك ومواسير وشبكات ومُبردات هواء ومُسخنات ماء.. الخ، وكلها متطلبات وضروريات فرضتها التكنولوجيا وأصبح من الصعب جداً التنازل عنها.. وما زالت متطلبات عصر التكنولوجيا تزداد تطوراً، وبالتأكيد هذا التطور له تبعات كثيرة منها استنزاف الطاقات وإهدار الاقتصادات.. وتدخل التكنولوجيا منازلنا بمزاياها الحميدة ومشاكلها الكثيرة، ونعتقد أنها سهّلت حياتنا وهي في الواقع زادتها تعقيداً.. وتصبح منازلنا بالفعل مجرد آلات للمعيشة.. وهكذا أصبحنا أسرى للتكنولوجيا..
ظهر مؤخراً مجموعة من المعماريين يطالبون بميكنة أو أتمتة المنازل Home Automation)) أي جعلها أوتوماتيكية إلى أبعد حد ممكن.. بمعنى آخر استخدام التقنية المتاحة إلى أقصى درجة ممكنة.. وهذا الأمر جيد في أمور كثيرة مثل السيطرة الأمنية (أجهزة إنذار، أجهزة إخماد حريق، بوابات أمن.. الخ) وفي أمور كثيرة نحتاج إلى مراجعة أنفسنا وخصوصاً زملائي المعماريين الذين أسهبوا في طلباتهم مثل أن يكون إغلاق النوافذ والأبواب بشكل أوتوماتيكي، والصعود من طابق لطابق داخل المسكن الصغير يكون بطريقة ميكانيكية أو آلية (مصعد أو سلم كهربائي)، وأُناس تطالب بترشيد استخدام الطاقة، وأُناس تشتكي الكسل.. وآخرون يشتكون من الفلس.. وكل ذلك بسبب رفاهية التكنولوجيا العصرية التي بحضورها حضرت أمراض عديدة كالسمنة، والسكر والضغط.. أمرضتنا التكنولوجيا.
موضوع أتمتة المباني موضوع مُتشعب وشيق ومُخيف، ووصل إلى مراحل متقدمة جداً في ثورة العمارة والاتصالات، فأصبح اليوم بتركيب شبكات وعمل برمجيات معينة في منزلك الواقع في حي السويدي يمكنك وأنت في باريس الاتصال بشبكة المنزل (عن طريق جهاز الهاتف) وإدخال أرقام مُعينة يتم بعدها فتح بوابة منزلك، أو تشغيل أجهزة الري الآلي في حديقتك أو تشغيل إضاءة السور، وهذه الأمور جيدة إلى حد بعيد.. وانتصري يا تكنولوجيا.. كما أصبح بإمكانك وأنت في جزر لانجر هانز إطفاء مكيف الهواء الخاص بغرفة نوم زوجتك الحنونة.. ولنحذر التكنولوجيا..
أعتقد أننا أسهبنا في استخدام التكنولوجيا، وأدخلناها في كافة شؤون حياتنا دون تقنين، وتناسينا طبيعتنا الإنسانية وتجاهلنا الماضي وهدوء وبساطة الحياة، واستسلمنا لتعقيدات وعبث التكنولوجيا، واستنزفنا شطر أموالنا في تطوير التكنولوجيا وشطرها الآخر في علاج المشاكل الصحية والبيئية والنفسية التي تسببت فيها تلك التكنولوجيا.. ستقتلنا التكنولوجيا..

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved