Friday 12th september,2003 11306العدد الجمعة 15 ,رجب 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

واقع ترجمة معاني القرآن الكريم واقع ترجمة معاني القرآن الكريم
د. عبدالرحمن بن عبدالله الجمهور ( * )

نظرا لان اللغة الإنجليزية هي الوسيط التواصلي الاكثر تداولا بين المسلمين من الناطقين بغير العربية - وهم يمثلون السواد الأعظم من المسلمين في عالمنا اليوم - دأب المختصون بالعلوم الشرعية، ولاسيما المعنيون منهم بعلوم التفسير، على إيلاء عناية خاصة لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية. وقد صدرت بالفعل ترجمات بُذِل فيها من الجهد والوقت ما لا يستطيع منصف إنكاره. وأكثر تلك الترجمات تداولا قد صدرت عن علماء اكفاء اجلاء، بيد انهم من غير الناطقين بالعربية او الانجليزية كلغة اصلية، اي ان اللغتين المنقول منها والمنقول إليها لا ترقيان عندهما إلى مستوى اللغة الام مهما بلغت درجة الإتقان، وتلك حقيقة علمية تؤكدها احداث البحوث في اللسانيات النفسية. واذا كان الاستثناء من القاعدة واردا، الا ان حالاته قليلة وانماطه محسوبة مدروسة، لا مجال لذكرها في هذا السياق المقتضب. هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فان تلك الترجمات قد صدرت عن غير مختصين بعلم الترجمة الذي اصبح من المباحث المقننة في اللسانيات التطبيقية، وله من الفرضيات والنظريات ما للعلوم البحتة وبنفس الدرجة من الدقة والمصداقية.
وبعد دراسة متأنية لا هم الترجمات المتداولة لمعاني القرآن الكريم على كافة مستويات التحليل اللغوي واستنادا الى أسس علم الترجمة وجدناها زاخرة بأوجه القصور التي قد تقف عائقا يحول، في غير موضع، دون فهم كلام الله سبحانه وتعالى على الوجه الصحيح.
وفيما يلي نوجز أهم ما وجدناه من أوجه القصور:
1- الإغراق في عملية «النقحرة»، أي كتابة الكلمات العربية بحروف لاتينية. وهي من العمليات التي لا يلجأ اليها المترجم الا مضطرا اذا تعذر ايجاد المكافىء الانجليزي الدقيق للكلمة العربية، وعادة ما تذيل الكلمات المنقحرة بهوامش تشرح معناها بشيء من الايجاز، وهو ما يدعو القارئ الى التنقل بصورة متلاحقة بين النص المترجم والشروح فيفقد الصلة بين ما توقف عنده وما يليه. ومن أمثلة ذلك: الشيطان «Shaitan» والإنجيل «Injeel» والصلاة «Salat».
2- استخدام كلمات وظيفية عتيقة، بل «مُتْحَفية»، لم تعد مستعملة في الانجليزية المعاصرة. فهي كلمات لا نجدها إلا في أدب عصر الياصبات وما جاوره، او في تلك الترجمات الانجليزية للكتاب المقدس «العهد القديم والعهد الحديث» التي دونت منذ قرون خلت. اما ترجمة معاني القرآن الكريم فيجب أن تكون معاصرة قدر الإمكان، لانها ترجمة لا تقام بها شعائر ولا تؤدى بها فروض، وانما المقصود منها أن يفهم غير الناطقين بالعربية ما يقرؤون او يتلون من آيات الله عز وجل بلغتها الاصلية. ومن أمثلة تلك الكلمات العتيقة: unto,hath,oft.
3- استخدام اكثر من مرادف انجليزي لذات الكلمة العربية في ذات السياق، وهو من الامور التي يرفضها الدلاليون المحدثون استناداً الى النتائج التي توصلوا إليها في بحوثهم ومؤداها ان التطابق في المعنى لا وجود له سوى في حالات نادرة، ولا يجوز القياس عليها. والفروق بين الكلمات المترادفة وإن بدت طفيفة بإمكانها ان تغير المعنى المراد نقله تغييراً جوهرياً. ومن أمثلة ذلك: men,man,mankind مقابل كلمة «الإنسان» وكذلك this ,the present world this life, world مقابل المركب الاسمي «الحياة الدنيا».
4- نحت كلمات انجليزية جديدة رغم وجود المكافئ الدقيق للكلمة العربية المراد نقلها. وعملية النحت هذه وان كانت تتبع القواعد الصرفية المعمول بها، الا انها تخضع لمعايير صارمة تختص بالفصل فيها والحكم عليها المجامع اللغوية ذات الاختصاص. ولإدراج الكلمة المنحوتة في المعاجم المعنية لابد وان تجري على ألسنة الناس لعهود طويلة. ولا يستثنى من هذه القاعدة العامة الا المبدعون في الأجناس الادبية. ومن أمثلة تلك الكلمات المنحوتة All-Knower مقابل اسم من اسماء الله الحسنى وهو «العليم»، مع ان الكلمة الانجليزية All- Omniscient اكثر شمولا في معناها.
5- ترجمة التعابير الاصطلاحية ترجمة دلالية تفرغها من معناها التواصلي فلا يبقى سوى مدلولها المعجمي. فالتعابير الاصطلاحية من المتلازمات ذات المعنى المجازي. وتتنوع التعابير الاصطلاحية في بناها النحوية والدلالية: فمنها ماهو مركب اسمي او فعلي، ومنها ماهو شبه جملةاو جملة تامة بكل انواعها. ومن التعابير الاصطلاحية ما يصف حدثاً او يعقد مقارنة، ومنها ما يسبغ نعتاً او يستخدم رمزاً للاسقاط على متغير ما. ويتم التعامل مع كل تعبير اصلاحي على اساس انه مدخل معجمي قائم بذاته، ويمثل وحدة ترجمية مستقلة، ومكافئه ثقافي بقدر ما هي لغوي لان الفكر الانساني وإن كان واحداً إلا ان وسائل التعبير عنه لغوياً تختلف باختلاف الثقافات. ومن هنا اصبحت ترجمة التعابير الاصطلاحية من التخصصات الدقيقة في علم الترجمة.
لذلك لابد من مراعاة خصوصية اللفظ العربي، وان القرآن الكريم نزل بلغة العرب ويخاطبهم بلغتهم وما تشتمل عليه من سمات تتعلق بالمستويات اللفظية والمعنوية إلى جانب مستوى التركيب والفكر.
لذلك ادعو المهتمين بترجمة معاني القرآن الكريم الى اللغة الانجليزية وغيرها من اللغات الى دراسة التراجم المتوافرة والوقوف على أوجه القصر فيها ومحاولة تقديم نصوص لغوية ترتقي بفهم القارئ وتوجه تفكيره مثل ما يريد القرآن الكريم. والله الموفق.

( * ) أستاذ اللغويات المشارك
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved