Saturday 11th october,2003 11335العدد السبت 15 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

20/12/1390هـ الموافق 6/2/1971م العدد 330 20/12/1390هـ الموافق 6/2/1971م العدد 330
أسبوعيات الجزيرة
يكتبها هذا الأسبوع من الباسو: الأستاذ خالد خليفة

* من المكسيك :
وفي الباسو، كنت على مرمى حجر من المكسيك، والواقع - بلغة أهل التلفزيون - أن نهر ريو قراندي.. وبالأحرى خط وهمي في وسطه هو الذي يفصل بين الباسو الأمريكية وبين وارس المكسيكية.
ورأيت أن أزورها، فذهبت إليها بعد إجراءات مبسطة جداً في مكتب الجوازات وكان ابن غيث وصالح الكنعان هما اللذان يديران «جوازات» الباسو.
وحسبتني في شوارع شبرا المصرية حينما بلغت «واريس» من حيث الازدحام والحركة وسحنات أهلها. وحسبتني أتنقل بين متاجر شارع البطحاء، مع الفارق الكبير جداً، فالذين في متاجر شارع البطحاء فيهم حياء، والحياء من الإيمان، أما الذين في متاجر «وارس» أو بعضهم فإنهم لم يسمعوا عن الحياء من قبل!!
وتمر بأحدهم فيعرض عليك خدماته:
- تريد القيام بجولة لمشاهدة معالم المدينة؟
- لا شكراً.
فيقول لك:
- ها ها. أنا أعلم ما تريد.. تريد..
ويذكر مالا يمكن لي ولك أن تقربها إلا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأصحاب المتاجر هنا، يلحون عليك بالدخول إلى متاجرهم، جست هاف أي لوك. يعني «بس تفرج» وتدخل متجرا بدافع من فضول يكون في مسافر، سائح، مثلي.
وتنتقي شيئاً ما تود شراءه، وتسأل صاحب المتجر عن قيمته، فيقول لك في انجليزية بها لكنة لاتينية، أن قيمته عشرون دولاراً.
وتقلب «السلعة» و«تبرق» فيها كما قد يوصيك مواطن لك يدرس في الباسو ثم تعرض أربعة دولارات لها.
ويغضب صاحب المتجر، فتخرج من لدنه، وقبل أن تبتعد عن متجره تسمعه يصيح وراءك:
- أوكي أميقو، فايف دولارز «طيب يا صديق خمسة دولارات» أرأيتم التشابه في المعاملة بين هؤلاء وأولئك الذين يبيعون «الشناط» و«الفتايل» والأحذية والا بلاش هذه الجملة.
وفرق حسب ا لله الموسيقية تجوب كل شارع ومقهى ومطعم في وارس.
فلا تكاد تجلس في مطعم لتأكل لقمة، والأكل رخيص جداً في وارس إلا ويجيئك ما يشبه المايسترو يحمل آلة موسيقية ضخمة تتبعه فرقة، ويعرض عليك أن تعزف فرقته ألحاناً تفتح لك نفسك!! وتأكل على أنغام الجاز.
وكثرة هذه الفرق الموسيقية المتجولة توحي بأن المكسيكي يتذوق الفن ويقدره.
ولن أنسى ما وقع لي ظهيرة هذا اليوم، فقد دخلت مطعما في وارس لأتناول فيه طعام الغداء، وكنت جائعاً جداً. وجاءت بنت «جرسونة» تتهادى وهي تحمل قائمة الطعام، ودفعتها إلي في لطف، فاخترت ما حسبت أنه يناسبني من طعام، وأعلمتها أنني لا آكل دهنا، وأن ديني يمنعني عن أكل لحم الخنزير أو دهنه حتى لا يقلى لحم لي بدهن خنزير، والخنزير، أعنى لحمه، هو المفضل لديهم في أمريكا وأوروبا، فسألتني: هل أنت يهودي؟
ومادت بي الأر ض وكدت أنفجر في وجهها، وابتلعت «حبة فاليوم» وتذكرت «الغربة» وأن مسافة طويلة بعيدة، بعيدة تفصل بين بلدي الحبيب المؤمن الطيب وبين سجن مظلم في «وارس» التي نسمع العجائب عن سجونها وشرطتها وزبانيتها، فقلت لها في لطف متكلف وهدوء مصطنع: «لا: إنني عربي مسلم من المملكة العربية السعودية».
ورأيت الخجل أو ما يشبه الخجل على وجهها وهي تقول لي في أدب:
- كنت أظن أن اليهود فقط هم الذين لا يأكلون لحم الخنزير.
قلت إن خطا وهمياً في منتصف نهر ريو قراندي هو الذي يفصل بين الولايات المتحدة الأمريكية، وبين المكسيك، بين الباسو الأمريكية حيث يدرس في جامعتها بعض من أبنائنا السعوديين وبين وارس المكسيكية.
وفي الباسو ترى نظاماً ودقة في كل شيء ونظافة، ولطفا في المعاملة. هو واقع أكثر المدن الأمريكية بعكس وارس التي ما من مرة ذهبت إليها إلا وعدت منها، متعباً مكدوداً يأكل الغيظ نفسي.
ولقد والله جلست أكتب هذه اليوميات وتطن أذني نداءات أصحاب المتاجر لي «تعال يا رجال عندنا اللي تبي» بإنجليزية لها رنة لاتينية.
وجئت الولايات المتحدة الأمريكية وبرامج تليفزيوناتها المتعددة لا تخلو في كل إرسال من دعاية جذابة لنوع أو لآخر من السجائر.
وقامت حملة شديدة ضد التدخين جنباً إلى جنب مع الدعاية للسجائر.
ولم تمض أسابيع حتى أمرت الحكومة هنا بإيقاف بث الدعاية للسجائر عامة من جميع محطات التلفزيون وراحت هذه المحطات ومحطات الإذاعة تبث ندوات مطولة عن مضار التدخين.
ولقد وقعت في يدي علبة فارغة من علب السجائر عليها تحذير يقول: «إن في التدخين خطراً على الصحة».
وعلمت أن كل «بكت دخان» من أي نوع، لا يمكن بيعه في أية قرية أو مدينة في أية ولاية هنا، في أمريكا، إذا لم يكن يحمل هذا التحذير.
وإني مرسل للزميل الأستاذ عبدالرحمن المعمر «بكتا» فارغاً عليه هذا التحذير راجياً منه أن يعمل على نشر صورة زينكوغرافية له حتى يقف المدخنون على رأي الذين يصدرون لهم «الدخان» في التدخين.
والعجيب أنهم لا يصدرون لنا ما يحمل هذا التحذير!!
ولقد تلقيت من أبنائي ومعارفي هدايا كثيرة وكان أقيمها وأحبها إلى نفسي رزمة من الصحف السعودية، الجزيرة، البلاد، الرياض، المدينة، اليمامة.. الخ.
أتاني بها الابن الطالب يوسف القصبي في الباسو.
وأبناؤنا الطلاب من السعوديين في الباسو ولاس كروزز المجاورة غير قليلين، وحد بينهم الهدف والأمل وشعورهم بما ينتظرهم من مسؤوليات في بلدهم، وكذلك «الغربة».
لقد أعجبت بهم ورضيت عن طريقة معاملة بعضهم بعضاً، فسلام عليهم وعلى آلهم وعلى من بعث بهم إلى هذه البلاد.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved