Friday 31th october,2003 11355العدد الجمعة 5 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دعوا الدجاج وأقبلوا على اللحوم الفاخرة دعوا الدجاج وأقبلوا على اللحوم الفاخرة

  ضمني مجلس أدبي كان الحديث فيه يدور حول الدجاج، ثم أنه طُرح هذا السؤال:
هل الدجاج جمع للديوك والإناث معاً؟ فكان لابد من الرجوع الى معاجم اللغة العربية للاجابة على ذلك فوجدنا ابن منظور يقول في لسان العرب: الدجاج اسم يقع على الذكور والإناث.
ومن الشواهد الشعرية على أن الدجاج اسم للذكور والاناث معاً قول جرير:


لما تذكرت بالدارين أرّقني
صوت الدجاج وضرب بالنواقيس

وقول أبي نواس:


وحاتمي سما في فرع مكرمة
من معشر خلقوا في الجود غايات
ناديته بعدما مال النجوم وقد
صاح الدجاج ببشرى الصبح مرات
فقام الليل يجلوه النهار كما
جلا التبسم عن درّ الثنيات

ونلاحظ انه باستطاعة الشاعرين أن يقولا «صوَّت الديوك» أو «صاح الديوك» ولكنهما أفصحا بذلك لكون الدجاج اسم شامل للذكور والاناث، فقالا: «الدجاج».
ثم اتصل الحديث في ذلك المجلس بالبحث عما إذا كان الدجاج ذكياً أم غبياً؟
فلزم الأمر رجوعنا الى بعض كتب التراث الأدبي التي كان لأصحابها اهتمام بالبحث في سلوكيات الدجاج، فكان كتاب «الحيوان» للجاحظ أقرب ما يمكن ان نستطلع ذلك من بين ما احتواه من معلومات ذات علاقة بكثير من الحيوانات، فوجدنا الجاحظ قد قال فيما دار من حديث حول المفاضلة بين الحمار والديك، ما نصه:
والحمار أجهل الخلق، فليس ينبغي للديك أن يُقضى له بالمعرفة والحمار قد ساواه في يسير علمه، ثم باينه أن الحمار أحسن هداية: والديك إن سقط ساواه في يسير علمه، ثم باينه أن الحمار أحسن هداية: والديك إن سقط على حائط جاره لم يُحسن ان يهتدي الى داره، وان خرج من باب الدار ضل، وضلاله من أسفل كضلاله من فوق.. «الجاحظ 2/258».
وهذا القول يدلنا على أن الديك لا يهتدي الى دار أهله ولو تركها مسافة قليلة وهذه صفة من صفات الغباء والبله.
ويكاد الجاحظ أن يؤكد على هذه الصفة بصفة أخرى تدل على حمقه، وهي قوله:
والديك يكون في الدار من لدن كان فرُّوجاً صغيراً الى ان صار ديكاً كبيراً وهو إن خرج من باب الدار، أو سقط على حائط من حيطان الجيران، أو على موضع من المواضع، لم يعرف كيف الرجوع، وإن كان يُرى منزله قريباً، وسهل المطلب يسيراً، ولا يذكر ولا يتذكر، ولا يهتدي ولا يتصوّر له كيف يكون الاهتداء، ولو حن لطلب، ولو احتاج لالتمس، ولو كان هذا الخبر في طباعه لظهر، ولكنها طبيعة بلهاء مستبهمة طامحة، وذا هلة ثم يسفد الدجاجة ولا يعرفها، هذا مع شدة حاجته اليهن وحرصه على السفاد، والحاجة تفتق الحيلة، وتدل على المعرفة، إلا ما عليه الديك فإنه مع حرصه على السفاد لا يعرف التي يسفد، ولا يقصد الى ولد، لا يحضن بيضاً ولا يعطفه رحم، فهو من هاهنا أحمق من الحبارى، وأعق من الضب.
الحيوان للجاحظ 1/196.
وإن صح هذا البله والحمق والغباء في الديك، فإنه لا يستبعد أن يكون قد أثر علينا أكل لحم وبيض الدجاج الذي يكاد يكون تناولنا له يوميا في عصرنا هذا.. وإذا ما قرأنا حالة النسيان الذي يتسرب الى أدمغة الكبار والصغر منا أدل على ذلك من ان الطلاب على مختلف مستوياتهم قد صاروا ينسون ما يلقى عليهم من دروس ومحاضرات.
وقد خشيت أن يكون مردّ ذلك وسببه تناولنا لحم وبيض الدجاج فقلت في ذلك شعراً دعابياً وإن شئت فواقعياً:


دعوا الدجاج فإنه
سبب لفقد الذاكره
لأنه النّسَاء والنِّس
يان فيه ظاهره
ألا ترون شبابنا
ينسى مع المذاكره
ينسى الدروس جميعها
وتلك أعظم فاقره
دعوا الدجاج وأقبلوا
على الخراف الفاخره
فلحمها نعم الطعا
م إن شوته ماهره
هو الرتيمة موقظ
ومنبِّهٌ للخاطره «1»
وكذا التيوس والأس
ماك والجمال الهادره
فما سواها مصلح
لما أصاب الذاكره

«1» الرتيمة، علامة يتذكر بها المرء ما كان ينوي القيام به من حاجة لا يلزمه القيام بها إلا بعد فترة زمنية تعد بالساعات أو بالأوييمات، وذلك كأن يعقد أحدهم طرف عمامته، أويربط خيطاً في احدى أصابعه، أو يخلع خاتمه أو ما الى ذلك مما يلفت نظره، ويجعله يسأل نفسه عن السبب فيذكر المناسبة ويبادر الى مباشرة العمل في تلك الحاجة التي أجل القيام بها لسبب ما.
والرتيمة اسم صحيح فصيح للخيط الذي يعقد في الاصبع، قال ابن منظور في لسان العرب:
«والرتمة: الخيط يعقد على الإصبع والخاتم للعلامة، وفي المحكم: خيط يعقد في الإصبع للتذكر، وفي الصحاح: خيط يشد في الإصبع لتستذكر به الحاجة، وذكره الجوهري: الرتمة، ورأيته في باقي الأصول الرتمة، قال ابن بري: قال علىّ ابن حمزة: الرتمة هي الرتيمة، بفتح التاء، وفي الحديث: النهي عن شد الرتائم، هي جمع رتيمة الخيط الذي يُشدُّ في الإصبع لتستذكر به الحاجة والجمع رتمٌ وهي الرتيمة، وجمعها رتائمٌ وأرتَمَهُ إرتاماً: عقد الرتيمة في إصبعه يستذكره حاجته، وقال الشاعر:


إذا لم تكن حاجاتُنا في نفوسكم
فليس بمغنٍ عنك عَقدُ الرتائم

«أرْتَمَ بها وتَرتَمَ، وقول الشاعر:


هل يَنفَعَنَّك اليوم إن هَمَّت بهم
كثرة ما تُوصي وتَعْقَادُ الرتم؟

قال ابن برى: الرَّتم ههنا جمع رتمة، وهي الرتيمة.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved