Friday 31th october,2003 11355العدد الجمعة 5 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ينبغي التعامل معها بحذر لئلا تخرج عن السيطرة: ينبغي التعامل معها بحذر لئلا تخرج عن السيطرة:
الفصاحة والبيان لدى الأطفال يدلان على الذكاء الفطري
استنتج الباحثون من دراساتهم أن البنات أكثر تفوقاً في المهارات اللغوية
من الأجدى تشجيع وتنمية قدرات المتميزين لغوياً بتوفير الوسائل المناسبة لهم

* الطائف - هيفاء الهلالي:
الطفل رمز البراءة والطهارة ومنبع الأحلام المستقبلية وأمل الوالدين الذي يستحق أن تجند له الأبحاث والدراسات للنهوض به فهو غرس المجتمع وبذرة تكوينه ولا يستطيع أي مجتمع واع من تجاهل هذه المرحلة من مراحل عمر المجتمع، وفي المجتمعات العربية طرق خاصة في التعامل مع الطفل تختلف عن تلك الطرق المتبعة لدى المجتمعات الغربية فما تأثير تلك الطرق السلبية في تحويل فصاحته لوقاحة؟ وكيف يمكننا الحد من تجاوز الشعرة بين الفصاحة والوقاحة دون أن يقع الطفل في مأزق التهتهة؟
العين والحبس الانفرادي
تحكي عفاف الدوسري وتجربتها في هذا النطاق قائلة: تنشئة الطفل ليست بسهلة أبداً، فالطفل عبارة عن وعاء لابد أن نملؤه بحرص شديد فالعلم في الصغر كالنقش على الحجر كما قيل من قبل ولابد أن نحذر حتى في تصرفاتنا أمام الأطفال ولعل مشكلتي مع ابنتي «نورا» أنها كانت منذ طفولتها ذكية جداً وكانت تحفظ العبارات والأشعار والقصص التي تسمعها وتتحدث بمنطق عجيب يفوق عمر طفلة السادسة وكنا من فرط الخوف عليها نقمعها ونمنعها من التحدث أمام الناس ولكن كونها طفلة فهي تستجيب مرة وتنسى مرات إلى أن منعناها من الخروج معنا أثناء الزيارات وعوضناها بألعاب تلعب بها أثناء تواجدها بالمنزل وإلى هنا وبدت الأمور عادية ولكن عندما منعناها من الدخول على الضيوف خوفا عليها من العين خصوصا أن هناك من يستمتع بفصاحتها من المعارف ويفتقدونها بل ويسألون عنها، ولكن بعد هذا المنع بدأت تتغير وتتمرد وتصرخ بل وتلقي بنفسها على الأرض بقوة باكية وكان والدها عصبي المزاج فلم يكن منه إلا أن واجه تمردها بالضرب ومع الأيام بدأت بالرضوخ بل وتغير فهمها واستيعابها للأمور وأصبحت منعزلة ووحيدة ترفض حتى الاحتكاك بأخوتها والمشكلة الكبرى عندما بدأت تتهته في الكلام بل وتسأل بعينيها قبل أن تجيب السؤال بالرفض أو القبول مما أفقدها ثقتها بنفسها وللأسف بدأنا بعلاجها الآن عند أخصائية نفسية ولا زالت وتحسنها بطيء، للأسف خوفنا من فصاحتها وعيون الناس ألحق بها الضرر.
الطفل المنتظر:
تحكي شاهيناز محمد تجربتها بعد طول تمني قائلة: قضيت خمس عشرة سنة وأنا أحلم بطفل يملأ حياتي سعادة وحبوراً إلى أن استجاب الله لي ووهبني «محمد» الذي أشعلت به شمعة حياتي ففرحنا به أنا وأبوه وأغدقنا عليه الحب والحنان والدلال والألعاب، فكان لايطلب شيئاً إلا واستجبنا لطلبه وأحضرناه واكتملت فرحتنا بأسلوبه الفصيح وعباراته البليغة وازداد دلالنا له وإغداقنا عليه لتنمية مواهبه ولكن مع مرورالأيام بدأنا نلحظ عليه التفوه بكلمات نابية وقذرة لم يكن يتلفظ بها من قبل وكان يقاطعنا أثناء الحديث مع توجيه ملاحظاته لنا وبالرغم من توجيهنا له إلا أنه كان يتجاهل ملاحظاتنا ويتبجح ويرفع يديه معترضا، ولم نأل جهداً في سبيل توجيهه ولكن أسلوب الحنان واللين لم يؤت ثماره مما اضطرنا لحرمانه من بعض الأشياء التي يحبها ولكن اعتراضاته زادت وزاد معها إزعاجه مما أحرجنا أمام الجميع لأنه أصبح ينتقد والده على أتفه الأمور ويقلد حركاتي وحركات الضيوف وغيرها من الأمور والعبارات والحركات التي لا تليق بطفلنا المنتظر والوحيد ولم يكن منا سوى إرساله إلى عمته المقيمة في لندن لفترة لعله يشعر بالشوق لنا عندها نستغل الموقف لتوجيهه من جديد وأتمنى أن ننجح.
قدوة الوالدين
أما نهى علي بأسى فتقدم حكاية ابنها ومدى تأثره بوالده كقدوة سيئة، قالت: كان زوجي على خلاف شديد مع أبويه وكان لا يحترمهما أبداً مما جعلني أخاف من أن تكون ذريتي عاقة لي وله، وعندما أنجبنا أطفالنا كانوا جميعهم هادئين باستثناء «عهد» حيث بدأت عليه فصاحة اللسان منذ طفولته فكان ينشد الأناشيد كاملة ويحفظ سور قصيرة من القرآن وبسرعة مذهلة يفوق من يكبره سنا من أخوته بل ويفسر بأسلوبه البسيط بعضاً منها وبأسلوب شيق أيضاً يتجاوز بذلك سنه الخامسة وكنا نعجب به كثيراً ونشجعه على ذلك بل بدأ برواية قصص جميلة من نسج خياله، ويشارك بإعطاء كلمات فوق سنه ويجادل ويحاجج وبمنطق نصل معه إلى طريق مسدود مما يضطرنا إلى الرضوخ لطلباته لأنه يناقشنا بالعقل ويرفض الكذب وعندما بدأ يكبر قليلاً كان يرى والده وهو يشتم جديه في التليفون بأشنع الألفاظ وكنت أحاول جاهدة ألا يفعل وكثرت عباراته السيئة أمام أبنائه وفجأة وجدت «عهد» قد بدأ يتلفظ ألفاظ بذيئة مما اضطرنا لاستخدام الضرب لأنه كان يتلفظ بألفاظ قذرة جداً وأمام كل أفراد العائلة ولم يعد ينام إلا ودمعته على خديه من سلاطة لسانه وأصبح نسخة ثانية لأبيه فتحولت العبارات الفصيحة الجميلة إلى عبارات فصيحة قبيحة وكان يوجهها لي ولأبيه فقط، ولعلي أرجع ذلك لتعلقه الشديد بأبيه مما جعله يتخذه قدوة للأسف سيئة وعادت علينا بالوبال ولم يعد بوسعي سوى الدعاء له ولوالده بالهداية.
التربية بالفلفل الحار..
هبة وحيد شاهدة عيان لأحدث ما توصلت إليه أُميَّة بعض الأمهات في مجال التربية قائلة: كنت في أحد المجالس النسائية عندما دخلت امرأة ومعها طفلة السبعة سنوات والتي جلست في أقصى المجلس وقد دارت حوارات كثيرة متعددة بين النساء وكانت تلك المرأة تشارك بين الحين والآخر بعبارة أو قصة ولكن الملف للنظر أن تلك الطفلة كانت تحاول التدخل بجرأة في حوارات النساء ولكن بمجرد أن تفتح الأم حقيبة يدها تسكن الطفلة في مكانها على مضض وتكرر هذا الفعل كثيراً أمامي وعندما حان وقت العشاء، اقتربت من المرأة حاولت أن ألاطف الطفلة التي لم أجد فصاحة وطلاقة لسان على طفلة مثلها وكانت أمها تتدخل لتسكتها وعندما فشلت، لم يكن منها إلا أن فتحت حقيبة يدها وأخرجت قرن الفلفل الحار وعلبة الكبريت لتخويفها وعندما سألتها عن السبب أخبرتني بأن الطفلة جريئة جداً وذكية جداً على حد قولها بالفطرة مما يجعلها تتطاول بأسلوب مبالغ فيه يصل حد الوقاحة والتلفظ بعبارات سيئة وأنها تقاوم ذلك بفرك الفلفل الحار في فمها وحرقها بالنار وكشفت لتبين معاناتها عن ساق الطفلة الذي تحول لنقاط سوداء من أعواد الثقاب ولم يكن مني إلا أن أسرعت بعيداً عنها خوفا من أن ينالني عقابها.
آراء متخصصة
وبعرض هذه الحالات التي تمثل نماذج لبعض الطرق السيئة في مواجهة فصاحة الطفل الزائدة عن الحد المرغوب على مرفت سليمان معشى الأخصائية النفسية بمستشفى الصحة النفسية بمحافظة الطائف أجابت قائلة: تعتبر الفصاحة والبيان في الكلام ملمحاً من ملامح الذكاء وقد اعتبرها علماء القياس النفسي قدرة بحد ذاتها من قدرات الذكاء الأولية وصمموا مقاييس مقننة بقياس وتحديد مدى قدرة الطفل بقياس استجاباته نحو الاختبارات اللفظية والتي هي جزء أساسي من اختبارات الذكاء المعمول بها وهذه الاختبارات تقيس القدرة على فهم معاني الألفاظ والطلاقة اللفظية من سهولة في استرجاع الألفاظ وتأليف كلمات من حروف معينة وهذه القدرة تتضافر في غيرها من القدرات العقلية الأخرى بنسب معينة لتؤلف في الأخير مركب الذكاء العام وقد اتفقت نتائج البحوث والدراسات أن هناك فروقات بين الجنسين في وجود الاستعداد اللغوي لديهم فالإناث أكثر تفوقاً في المهارات اللغوية من الذكور وأن عيوب النطق واضطرابات الكلام تظهر بشكل أعم بين الأولاد ونقصد بالاستعداد اللغوي أي القدرات الكافية على التعلم ومعالجة الأفكار والمعاني عن طريق استخدام الألفاظ من حيث سهولة فهمها وإدراك ما بينها والتعبير عنها واسترجاعها ولا يخفى عن أحد أن هذا الاستعداد اللغوي ضروري للنجاح في مهن مختلفة كالتأليف والتحرير والخطابة والصحافة والتدريس ويعد أيضاً من سمات القائد الناجح في توليه للمناقشات الجماعية وعرض وجهات النظر الجديدة واستعراض الآراء والمشاعر بصورة واضحة ودقيقة وعميقة فهي بحد ذاتها وسيلة فعالة للنجاح في تذليل الصعاب وإنقاذ صاحبه من الورطات إذا ما أحسن استغلالها وهنا يأتي دور وسائل التنشئة الاجتماعية من الاسرة والمدرسة ووسائل الإعلام للعمل على الاستفادة من هذه القدرة والحفاظ عليها في إطار الفصاحة المحبذة دون خروجها من حدود الأدب لحدود الوقاحة وإساءة الأدب ولكل من الوالدين الأب والأم على حد سواء الدور الفعال في توجيه الطفل الوجهة السليمة فإذا لمستم أيها الآباء والأمهات وجود استعداد لدى أطفالكم في المهارات اللغوية من فصاحة وطلاقة في اللسان فعليكم أن تقوموا بتوفير المواد التي من شأنها صقل هذه الموهبة من كتب وأشرطة تسجيلية والعمل على تشجيعهم بالاشتراك في الأنشطة ذات الطابع الإذاعي والخطابي أو حتى إشراكهم في مناقشة الأمور العائلية واعطائهم الفرصة للتعبير عن رأيهم وتعزيز ذلك بمعززات مادية من هداياومكافآت عينية أو معززات معنوية من مديح وثناء والمدرسة دورها واضح وكبير في صقل مواهب التلاميذ من إتاحة الفرصة لهم في الاشتراك في الإذاعات الصباحية واعطاء الطفل الوقت الكافي للتعبير الإلقائي في حصص المواد ذات الطابع اللغوي من مطالعة وتعبير وتلاوة والمربي أيضاً عليه تشجيع الطلاب أصحاب هذه الموهبة وحثهم على المزيد وتوفير ما يلزم لصقلها بالاستعانة بالأنشطة المنهجية واللامنهجية والعمل على الوقوف في حالة تجاوز الحدود المسموح بها في استغلال الفصاحة بأن يقوم دوماً بدور الموجه والمرشد والمصحح والمقوم وفي عصرنا الحاضر أصبح للإعلام من إذاعة وتلفاز دور فعال في التأثيرعلى الأطفال أصحاب هذه المواهب اللغوية فقد ترى طفل في الرابعة من عمره يحفظ مقاطع غنائية أو يردد حواراً لإحدى المشاهد التمثيلية بأداء رائع ومتقن دون معرفة منه بما يضره وينفعه وهنا يأتي دور الأسرة والمدرسة في توجيه الطفل واختيار ما يتناسب مع عمره ومع الفائدة العائدة والمرجوة والتي تعود عليه بالنفع العظيم فالمسألة متكاملة الأطراف والجميع مشترك في تحمل مسئولية هذه الموهبة واستغلالها الاستغلال الأمثل للطفل والمجتمع.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved