Thursday 6th november,2003 11361العدد الخميس 11 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نوافذ نوافذ
الغالية
أميمة الخميس

حين خطت أولى خطواتها إلى المكان، سمعت صرير صوت الباب الخشبي ومزلاج بيت المزارع، من أين انبثقت هذه المرأة الجليلة ؟؟ شعرها ينحدر إلى منتصف ظهرها في ست جدائل منسوجة بالحناء، وأصابعها مرصوفة بالخواتم والقصص.
كانت تخطو إلى المكان بثقل وتسحب وراءها أشجار الأثل والسدر والحماط، هطل حضورها على المكان كغيمة صحراوية مهيبة، فشخصت الأنظار إليها، والتفت الآذان حول صوتها الذي لم يغادره طنين مكائن الماء في المزارع، والتفافه في السواقي.
كانت تقف في ذلك البرزخ العجيب الذي تتداخل فيه الأزمنة، حيث الواقعي مع السحري، حيث الأحلام والتنبؤات، وأرض تتحدث فيها الحيوانات، ويطير البشر والقوافل، وتلد النساء عشرات الأطفال في الحكاية الواحدة.
كانت تلك المرأة تختصر تاريخ هذا المكان في الحكاية، تشرع الحكاية خيمة تحميه من مصير الرمل والاندثار، إنها تحمل مكتبة كاملة بين شفتيها، موسوعة شعبية وتاريخية، تهزج بها ما بين القصص والأساطير المزركشة بالأبيات الشعرية والقصائد.
قدر هذا المكان أن يكون تاريخه أسيراً للثقافة الشفوية، المهددة بالاندثار مع رحيل هؤلاء الأشخاص الذين يحملونها بين طيات صدورهم وتمتمات شفاههم، قدر هذا الثقافة المهدد بان يتحول إلى كثيب رمل إذا لم نسارع برصده وتدوينه والقبض على ملامحه، انه هوية حقيقية، من قصص وأساطير وحكم وأمثال، وتجربة أمة مشحونة بالخبرات والتجارب، التي تحمي وتحمل بعض الملامح.
لما نحاول ان نزور تاريخ هذا المكان ونحصره ببعض مقولات ساذجة وسطحية لغلاة المتشددين، لما نقض أوقاتنا في تسقط عيوب الآخرين، ومتابعتهم، ومحاولة جعلهم نسخاً مكررة منا؟.
لو حاول أي منا ولا سيما أولئك الذين حولهم أشخاص يملكون مكتبة شفوية أو تحديداً ثروة شفوية تدوينها، ورصدها، لأدى مهمة جليلة لتاريخ هذا المكان وماضيه ومستقبله.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved