Monday 24th november,2003 11379العدد الأثنين 29 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
تدني حائط الصد الاجتماعي (3/8)
د.عبدالله بن ناصر الحمود (*)

قامت الدولة السعودية على مرتكزين رئيسيين هما: السيادة السياسية المتمثلة في النظام الملكي، والعقيدة الاسلامية السمحة المرتضاة من عند الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة، وفق ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعا لما استقر عند علماء المسلمين. وبذلك تكونت دعائم المجتمع السعودي وتم بناء هياكله ونظمه المتعددة. وقد كان من المهم جداً أن تعمل مؤسسات المجتمع المختلفة ودوائره الرسمية - عبر عقود من الزمن - على تكوين وتعزيز رأي عام مستنير «ثقافيا وليس دينيا فقط» تجاه هذين الركنين الرئيسين لبناء المجتمع وتطوره. غير ان المراجعة المتأنية لمنظومة بناء الفكر الاجتماعي - الثقافي السعودي عبر مؤسسات التربية والتعليم والتنشئة الاجتماعية الثقافية تؤكد أن هاتين الركيزتين قد تم التعامل معهما باعتبارهما حقيقة مجردة، وتم تناولهما عبر آليات التلقين «المدرسية والمؤسسية» تناولا مقتضباً، دون أن يتاح حولهما مجال للنقاش والحوار يمكّن من ترسخهما في أعماق الفكر المجتمعي، بما يكوّن حائط صد اجتماعياً مستنيراً منيعاً أمام من يحاول النيل منهما من الداخل أو الخارج. وقد بدا واضحا اتجاه اجتماعي عام نحو عدم الرغبة في «إن لم يكن تجريم» الحديث حولهما خلال القرن المنصرم. فلن تكن تطرح بوضوح المحاسن الكثيرة للنظام السياسي الملكي، ليتم دعمها وتحديد الرؤية المجتمعية الشعبية بشأنها، كما لم تكن تناقش جماهيريا - وباستفاضة - اشكالات هذا النوع من أنواع السيادة السياسية ليمكن للناس العلم بها يقينا، وليتاح كذلك تجنب تلك الاشكالات وتقنينها ووضع بدائل لها أقرب للاتساق مع تطلعات المجتمع، مما جعل عدداً من مكونات النظام السياسي الملكي القابلة للتطوير والتحسين تبقى على حال لا تلائم - بالضرورة - كل عصر، فبدت أطماع قوى الاختراق الدولية تتجه عبر هذا الركن الرئيس في تاريخ المجتمع وواقعه ومستقبله ملوّحة بمناقب الديموقراطية والمشاركة الشعبية التي أوسعتها عرضا وطرحاً ونقاشاً في معظم أرجاء المعمورة. لقد أصبحت الكيانات المتعددة داخل المجتمع وخارجه أسهل للاختراق منها لو تشكل لديها رأي قوي وفكر محدد تجاه النظام السياسي الذي تعيش في كنفه، عبر الحوار والنقاش العلمي المقنن الذي من شأنه أن يضع أمام الجمهور العريض اجابات محددة لكل من تدفعه نفسه الطامعة الى محاولة النيل من وحدة المجتمع وتمسكه بقيادته.
ومن جانب آخر، لم تكن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - حاضرة في الوعي الثقافي المجتمعي رغم أهميتها في بناء المجتمع وتنظيمه. فقد كان مصطلح «الوهابية» غائباً بشكل كبير عن الساحة المحلية من حيث كونه مصطلحاً ذا علاقة وثيقة بتكون الأطر الثقافية - الاجتماعية في المجتمع السعودي، ولم يكن معظم المثقفين والدارسين يقرؤون عنه إلا في دراسات غربية كانت تنشر منذ ستينيات القرن الماضي وتوجد في رفوف المكتبات الغربية فقط، ناهيك عن القطاعات العريضة في المجتمع، التي ربما تفاجأ كثير منها بطرح مصطلح «الوهابية» في حلبة الصراع الفكري العالمي المعاصر. إن إحجام المجتمع عن طرح «الوهابية» طرحا فكريا علميا - عبر سنوات طويلة مضت - وعدم اخضاعها للنقد الذاتي، وضعف تكوين آراء شعبية جماهيرية محكمة تجاهها قد سهل لأقطاب الاختراق الدخول من هذا الباب بإلصاق ما يريدون من أفكار منحرفة وسلوكيات شاذة بالوهابية، لتبقى كيانات وأفراد داخل المجتمع وخارجه في حيرة من أمرها، وتقلّب بين قبول الرأي الوافد ورفضه، يدعم هذه الحيرة جهل كبير بحقيقة الوهابية التي يجب تنزيهها عن أي فكر ضال أو نزعة منحرفة للعنف والإرهاب.

(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام بالرياض

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved