Saturday 27th december,200311412العددالسبت 4 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

العرب والمسلمون في حالات استثنائية .. النماذج الثلاثة.. العرب والمسلمون في حالات استثنائية .. النماذج الثلاثة..
التصادمي العراقي والتفاوضي الإيراني والاستسلامي الليبي
د. علي بن شويل القرني ( * )

توجد ثلاثة نماذج متباينة في السياسات العربية - الإسلامية للتعامل مع تداعيات الحادي عشر من سبتمبر، أحدها النموذج العراقي، وثانيها النموذج الإيراني، وثالثها النموذج الليبي.. وكل نموذج يمثل حالة مختلفة من المعطيات والتفكير والأسلوب والنتائج.. ويمكن أن نصف النموذج الأول بالنموذج «التصادمي» ليشكل حالة من التصادم بين الدولة العراقية ممثلة في شخصية الرئيس العراقي السابق صدام حسين.. ويمكن ان نصف النموذج الثاني بأنه النموذج «التفاوضي» الذي يمثل الحالة الإيرانية، وترتكز على سلسلة من التفاوضات والأخذ والعطاء والشد والجذب الذي لا يزال قائماً إلى الآن.. أما النموذج الثالث، فهو النموذج «الاستسلامي» الذي جسدت ليبيا هذا النموذج من خلال تعاملاتها في الفترة الأخيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
ولنطرح الآن النموذج الأول الذي سميناه النموذج التصادمي، حيث مثل العراق حالة تصادمية مع النظام الدولي العالمي منذ عام 1990م وحتى الآن.. وقد كان الرئيس السابق صدام حسين يرى أن الوقت كان مناسباً لالتهام دولة مجاورة مثل الكويت في ظل ظروف نهاية الحرب الباردة وانشغالات الدولة العظمي- الولايات المتحدة - بهمومها ومشاكلها الانتخابية.. وقد وضع صدام حسين حسابات معينة كان يرى أن تهديد دول الجوار كفيل بسكوتهم، ولن تتحرك دول عظمى من أجل سواد عيون دولة صغيرة مثل الكويت.. ولكن تقديرات الشخصية الفذة والعقلية المتغطرسة للرئيس العراقي خانتها كل الظروف، ووقفت أمامها كل الإمكانات المحلية والإقليمية والدولية.. ولو ان الرئيس المهيب تراجع عن احتلاله.. وسحب قواته لكنا اليوم أمام ظروف مختلفة غير هذه الظروف التي أمامنا.. ولكن ارادة الله فوق كل شيء.. وقد اراد الله ان يكون هناك خروج مخزٍ لجيش العراق من دولة الكويت.. ثم عاد الرئيس المهيب ليعيد نفس الخطأ ويحاول ان يتمرد على النظام العالمي الجديد، ووقف وقفة تصادمية مع مفتشي الأمم المتحدة ومع قرارات مجلس الأمن ومع مبادرات حفظ الوجه.. عله هذه المرة أن ينتصر ولو انتصارا وهميا، ويحقق مجدا شخصيا له ولمؤسسته الحزبية.. ولكن شاءت إرادة الله أن تخونه مرة أخرى كل الظروف وتقف في وجهه كل مصاعب العالم وتحديات المرحلة والحقبة الحالية.. وهكذا يمكن القول بأن العرب من خلال نموذج تصادمي مع الدول العظمى وخصوصا الولايات المتحدة وقرارات مجلس الأمن فشلوا فشلاً ذريعا في استيعاب الدرس، وتقصي احداث التاريخ.. وتحطم النموذج التصادمي في كهف الرئيس الذي اختبأ فيه حتى يتوارى عن انظار شعبه وأهله.
أما النموذج التفاوضي .. فتمثله إيران من بين الدول الإسلامية، وقد قرأت إيران الدرس جيداً، ووعيت تبعات تحطم النموذج التصادمي الذي مثله صدام حسين.. ولهذا فقد سعت منذ اليوم الأول إلى تليين المواقف، وتلوين الاتجاهات، وتسويف القضايا .. التي ظلت عالقة بينها وبين الولايات المتحدة وأوروبا بخصوص لاجئي القاعدة من ناحية، وبخصوص تفتيش منشآتها النووية من ناحية أخرى.. ووقعت بروتوكولات لم تكن راغبة ابدا ان توقعها، وجلست في مفاوضات طويلة مع مختلف القوى الدولية من اجل الخروج من المأزق الذي أدخلت فيه، والنفق الذي دخلت إليه .. وفيما يبدو ان الامور تسير في اتجاه ايجابي معقول .. وهكذا فان النموذج التفاوضي قد أتى أكله، ويسعى إلى أن يكون هو النموذج الأفضل بين النماذج المتعددة في العالم العربي والإسلامي..
ثم يأتي النموذج الثالث ليقول كلمته من خلال السياسات الفجائية التي عبر عنها الرئيس القائد ملهم الثورة الليبية معمر القذافي.. ويمثل هذا النموذج حالة استسلامية صارخة فاجأت الصديق والعدو، القريب والبعيد.. والداخل والخارج.. فقد وصل الرئيس الليبي إلى قناعات انه من غير المجدي ابدا ان نقف في وجه أمريكا.. والأفضل أن نسلمها أوراقنا، وكتبنا، واسلحتنا، وثرواتنا، وابناءنا، وحاضرنا ومستقبلنا.. بدون ادنى احتجاج او ممانعة أو أي شكل من أشكال التردد والتفكير .. فهذا هو النموذج الاستسلامي في هذه الحالات العربية - الإسلامية التي نعيشها اليوم.. وفيما يبدو أن الرئيس القذافي كان يرى أمامه حالة عربية سقط فيها رئيس أكبر دولة عربية في كهف النسيان إلى غير رجعة.. ولهذا فقد وجد أن أهم طريقة للاستفادة من الدروس والعبر التي امامه هو السقوط إلى الأعلى بتفكيك كل البنى الفوقية والتحتية التي تمتلكها ليبيا ويمتلكها العرب اجمالا.. وكان فخامة الرئيس الليبي قد رأى أن يترك العرب وجامعتهم إلى غير رجعة.. ويتجه إلى افريقيا القارة التي يرى انها ينبغي ان تحتضنه في اجوائها الدافئة .. ولكن سرعان ما عاد ورأى بأن القارة الأمريكية الشمالية هي التي ينبغي ان يحمل إليها جماله وينصب فيها خيمته، ويجعجع في وسائلها الإعلامية..
واخيراً يجب التنبيه إلى أن هذه النماذج الثلاثة هي القائمة فعلاً في التاريخ العربي والإسلامي المعاصر وخصوصا في مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر.. ولكن غير العراق توجد دول اخرى عربية وإسلامية وغير إيران توجد دول أخرى عربية وإسلامية .. وغير ليبيا توجد - ربما - دول آخرى عربية وإسلامية.. فنحن نعرف أن غير العراق توجد دول تحاول ان تقحم سوريا في دوامة النموذج التصادمي.. وغير إيران توجد دول اخرى مثل السلطة الفلسطينية تحاول ان تنتفع من النموذج التفاوضي.. وغير ليبيا توجد دول أخرى ترى أن الباكستان هي نموذج سابق للحالة الليبية..

( * ) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال/أستاذ الإعلام المساعد بجامعة الملك سعود
alkarnia ksu.edu.sa

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved