Sunday 4th January,200411420العددالأحد 12 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شيء من شيء من
الحيادية والحرية والإعلام العربي
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

رغم ان النقلة النوعية التي أحدثتها ثورة الاتصالات في الإعلام العربي، وبالذات بعد ظهور القنوات الفضائية، وكذلك الإنترنت، قد حسن كثيراً من أداء هذا الإعلام، سواءً المقروء منه أو المرئي أو المسموع، وبالذات فيما يتعلق بهامش الحريات، وجعلته إلى حدٍ ما يقترب في أداء وظيفته من تأثير ونفوذ أداء الإعلام الغربي؛ إلا أن هناك بعض الوسائل الإعلامية لم تتخلص بعد من أسلوب «الدعاية الفجة والمباشرة» التي كانت مهيمنة على الإعلام العربي قبل ثورة الاتصالات، ووصول الإعلام الآخر «الحر» وغير المسيطر عليه من قبل الأنظمة للجميع دون استئذان؛ الأمر الذي جعل مثل هذه الوسائل اليوم في تعاملها الإعلامي كمن يؤذن في مالطا كما يقولون.
فمن نافلة القول أن هناك أعرافاً ومعاييرَ إعلامية جديدة بدأت تفرض نفسها على الواقع العربي، وعلى الإنسان العربي، بعد ثورة الاتصالات؛ هذه الأعراف والمعايير تتمحور حول مبدأ «الحيادية» في العملية الإعلامية؛ وبالذات في التعامل مع الخبر وأسلوب صياغته، ومع التحاليل الإخبارية، وكذلك التحقيق الصحفي وحتى اللقاءات الصحفية؛ بحيث يكون «موقف» من يقوم بممارسة مثل هذه الأعمال محايداً وموضوعياً ما أمكنه ذلك. فالحياد أصبح شرطاً من شروط الرصانة والإقناع والتأثير؛ ورغم أنه - بالطبع- ليس شرط كفاية للنجاح، إلا أنه - وبكل تأكيد- شرط ضرورة لتحقيقه؛ بمعنى أن غيابه يعني بالضرورة الفشل، غير أن توفره لا يعني بالضرورة النجاح، فثمة عوامل أخرى ليست إعلامية هي ضرورية - أيضا- لنجاح الوسائل الإعلامية من أجل تحقيق أهدافها.
وهذا ما يُسوغ لنا القول: إن الإعلامي كلما تبنى في عمله الصحفي وجهة نظر شخصية أو أيديولوجية مسبقة، وحاول أن يلف ويدور كي يُسخر عمله لتمرير وجهة نظره تلك، هيأ نفسه أكثر للفشل الحتمي، وابتعد عن الإعلام المتحضر والمقنع، وأصبح أقرب إلى حقبة «أبواق الدعاية» التي تجاوزها العالم، والتي أصبحت اليوم من مخلفات الماضي التي لم يعد لها أي تأثير يُذكر. وهذا لا يعني أن رؤية الإعلامي الخاصة والشخصية تجاه الأحداث، لم يعد لها مجال في الإعلام الحديث، إنما يفترض أن تبقى هذه الرؤية محصورة في حدود «المقال» الذي يحمل وجهة نظر صاحبه في صفحات الرأي، ولا تتعداها إلى بقية تفرعات الطرح الصحفي الأخرى. وكما هي الأعراف الصحفية الحديثة، فالمقال هو في التحليل الأخير ليس سوى مجرد وجهة نظر خاصة بصاحبها، لا تعني تبني أو عدم تبني الوسيلة الإعلامية التي تنشره لما يتضمنه من أفكار، بقدر ما يتم نشره إنطلاقاً من إيمانها بالتعددية في الآراء واحترام الرأي الآخر وإن اختلفَت معه؛ وهذه الجزئية بالذات هي من أهم الأسس التي يتكئ عليها الإعلام المعاصر هذه الأيام.
واتساع هامش الحرية هو - أيضا - من أساسيات المشروع الإعلامي الناجح. فرغم أن سقف الحريات قد ارتفع بشكل ملحوظ في الإعلام العربي خلال السنوات الأخيرة، إلا أن ارتفاع هذا السقف بين وسيلة وأخرى، وأحياناً في نفس البلد الواحد، يبقى متفاوتاً إلى درجة كبيرة؛ حتى يخيل إليك أحياناً وأنت تقارن بين صحيفتين، من حيث هامش الحرية، أن هذه الصحيفة تصدر في بلد والأخرى في بلد آخر، وأن القوانين والأنظمة الصحفية التي تخضع لها هذه الصحيفة ليست هي ذات الأنظمة والقوانين التي تخضع لها تلك ؛وسبب هذا التفاوت يبقى- حسبما أراه- في قدرات وإمكانيات ورؤية من يدير الصحيفة، ومدى إحساسه بالمتغيرات، وقدرته على مواكبة المتطلبات الإعلامية للحقبة التي يعايشها؛ ناهيك عن جرأته في «دفش» سقف الخطوط الحمراء إلى الأعلى كلما سنحت الفرصة، بالشكل الذي يعطيه هامشاً أكبر من الحرية، ويستطيع من خلاله هو وفريقه الصحفي أن يمارسوا عملهم بقدر أقل من الوصاية والرقابة من الآخرين، وبدرجة أكبر من حرية الحركة، وبأقل ما يمكن من الخسائر بالشكل والمضمون اللذين يستطيع من خلالهما أن يحافظ على معادلة بقاء «الذئب والغنم» معاً، فلا يكون هو «الضحية» ولا تقوم الأنظمة والقوانين الرقابية الصحفية أو من يطبقونها بدور الذئب.أعرفُ ان تحقيق هذه المعادلة على أرض الواقع من الصعوبة بمكان، إلا أن التعامل مع العمل الإعلامي بمثل هذه المفاهيم يعني بالضرورة التميز في الطرح، وبالتالي تحقيق هدف وطموح أي مشروع إعلامي وهو الانتشار والتأثير القيمي، فضلاً عن الجانب الاقتصادي الذي يسعى إليه كل مشروع يهدف إلى تحقيق الربح في ظل اقتصاديات السوق.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved