Sunday 4th January,200411420العددالأحد 12 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لستُ إرهابياً لستُ إرهابياً
الرائد/ فهد بن عبدالعزيز الغفيلي

لاحظت أن تصرفات صديقي بدأت تتغير تجاهي فلم يعد يبادلني نفس القدر من الاهتمام والاحترام السابقين وأصبح يتهرب منِّي ويحاول قدر استطاعته اختلاق الأعذار لتفادي مواجهتي، شعرت بأن في الأمر سرا وأن هناك شيئاً قد غيَّره. فكرت ملياً كيف لي أن أعرف ذلك وأنا غير قادر على الالتقاء به فقد أصبحت لا أراه إلا عندالضرورة وعندما يكون في حاجة ماسة إلىَّ حيث يأتي على عجل للتشاور في مصلحة أو عمل ثم يولِّي سريعاً مدعياً أنه لا يملك الوقت الكافي للحديث معي ويعدني بأنه سوف يكون أقل انشغالاً في المرة المقبلة ليجلس معي ويحدثني بما لديه، وهكذا مضت الأيام والشهور دون أن يخبرني بأي شيء. وفي إحدى المرات وبينما كنت جالساً أفكر بما يمكنني أن أفعله لمعرفة السبب الحقيقي وراء تصرفاته معي ومحاولته تجنب لقائي والحديث معي. وبعد تفكير عميق قررت أن اتصل به، فقد عوَّدت نفسي على انتظاره ليأتي إليَّ ويخبرني بما لديه فلِمَ لا أكون صاحب المبادرة هذه المرة!، وبالفعل رفعت سماعة الهاتف دون أن أرتب أو أخطط لما سأقوله له وطلبت رقمه فردَّ عليَّ ورحَّب بي ولكن ببرود، ودون أن أطيل في الكلام قلت له: إني أرغب بزيارتك في منزلك. رحب مجاملة لي واتفقنا على موعد الزيارة. حضرت إليه في الموعد المحدد وبدأنا نتجاذب أطراف الحديث ثم قلت له: أرى مشاعرك تجاهي قد تغيرت وتعاملك معي ليس كما كان فلم تعد ترغب لقائي أو الحديث معي. قال: بل على العكس من ذلك ولكن كما تعلم فأنا مشغول ولا أملك الوقت الكافي لإنجاز أعمالي وإنهاء مشاغلي، فكيف بالحديث مع الأصدقاء؟ قلت له: ولكنني أعرفك منذ زمن بعيد، وارتباطاتك ومشاغلك كانت أكثر مما هي عليه الآن ومع ذلك لم تكن تمنعك من قضاء بعض الوقت معي. قال: كما تعلم ان الزمن قد تغير. فقاطعته على الفور متسائلاً وما الذي غيَّر الزمن، فالزمن هو نفسه لم يتغير ولكننا نحن الذين تغيرنا وأصبحنا نخفي أحاسيسنا ومشاعرنا الحقيقية تجاه بعضنا البعض، ومن هذا المنطلق يبدأ الواحد منا بالتهرب من الآخر خوفاً من المواجهة والمصارحة.
وتلافياً لذلك فقد اتصلت بك وطلبت لقاءك، لا لتجاملني وأجاملك بل لتخبرني بمشاعرك الحقيقية تجاهي وما الذي غيَّرك. قال: حقيقة أنت الذي تغيرت وليس أنا ولهذا فقد فضلت الابتعاد عنك، قلت له: كيف عرفت ذلك؟ قال ببساطة أفعالكم وما تقومون به من أعمال تخريبية تستهدفنا ومواطني بلدنا في كل مكان تدل على ما تكنونه لنا من حقد وكراهية لذا فقد فضلتُ أن أتجنبك وخاصة أنك تنتمي لنفس المعتقد الذي يدين به أولئك المخربون ويستمدون منه أفكارهم ومبادئهم. قلت له: ولكن مَنْ يقومون بكل تلك الأعمال التخريبية لا يستمدون أفكار هم من ديني، بل هم يحاولون التستر تحت مظلة الإسلام في محاولة منهم لتبرير تصرفاتهم ولكسب تعاطف الجهلة من الناس ولإيجاد مسوِّغ يستندون عليه للقيام بأفعالهم، فيضلون به ضعاف النفوس والمراهقين والجهَّال من أتباعهم. وإلا فديني لا يأمر بالقتل والعنف والتدمير بل على العكس من ذلك حيث يأمرنا ديننا بالإحسان واستخدام اللين واللطف عند التعامل مع أصحاب الملل الأخرى حيث يقول ربنا عز وجل {وّلا تٍجّادٌلٍوا أّهًلّ الكٌتّابٌ إلاَّ بٌالَّتٌي هٌيّ أّحًسّنٍ}، ثم يا صاحبي إن مَنْ يقومون بأعمال العنف والإرهاب هم ثُلَّة لا تتجاوز نسبتهم الواحد بالألف من المسلمين فلماذا تصفون الإسلام وأهله جميعاً بالإرهاب وأنتم تعلمون ذلك. مع العلم بأن هذا الدين هو أكثر الأديان دعوة للسلام والمحبة والإخاء والدليل على ذلك أنك تعيش في بلادنا منذ مدة طويلة دون أن تتعرض لأية مضايقة أو إساءة من أحد.
قال: ماتقوله صحيح فأنا أحظى بكل المودة والاحترام من الجميع منذ أول يوم وطأت قدماي فيه أرض بلادكم، وسوف تسمع نفس الإجابة من جميع أصدقائي المقيمين هنا بل إن بعضهم يفضل البقاء والعيش في بلادكم إلى الأبد لما يجده من وفرة في جميع الخدمات التي ينشدها أي إنسان في هذا العالم وكل ذلك مقرون بالأمن والاستقرار وراحة البال. قلت له: إذاً لماذا ومن حادث أو حادثين تنقلبون علينا وتتهموننا وديننا بالإرهاب دون أن تفكروا أو تحللوا مايحدث!!. حتى إن وسائل إعلامكم تحاول بشتى الصور أن ترسم صورة بشعة لنا ولديننا فتنفِّركم منَّا ومنه، وتحاول بشتى الطرق والأساليب أن تصفنا بالمتشددين والأصوليين مع أن ديننا ينهانا عن الإساءة للآخرين؟ قال: ولكن لا تنس أن دينكم انتشر باستخدام القوة والعنف وهذا نوع من الإرهاب. قلت له: أنت تأخذنا إلى موضوع آخر ليس هو موضوعنا ولكن دعني أخبرك ببعض الحقائق التي يحاول إعلامكم أن يخفيها ويعمل جاهداً على حجبها عنكم. قال: وماهي؟ قلت أتدري كم مكث المسلمون في الأندلس؟ قال أعلم أنهم مكثوا مدة طويلة ولكن بالتحديد لا أعلم كم المدة قلت له: مكثوا مايزيد على ثمانية قرون كانوا خلالها مسيطرين عليها وعلى أهلها ولكنهم عاملوهم بكل احترام فلم يرغموهم على اعتناق الإسلام ولم يغيروا لغتهم ولم يطمسوا ثقافتهم بل عرضوا عليهم الدين فمَنْ شاء منهم دخله ومَنْ أراد بقي متمسكا بدينه. ثم إنهم عندما غادروا الأندلس تركوا لأهلها من الآثار الشيء الكثير حتى إن إسبانيا تعدُّ اليوم واحدة من كبريات البلدان السياحية في العالم بسبب ما خلَّفه المسلمون هناك.
هذا من جانب المسلمين الذين تصفونهم بالإرهابيين المغتصبين. ولكنكم تغضُّون الطرف عن الكيفية التي دخل بها نابليون بونابرت مصر وبلدان المغرب العربي وكيف حاول طمس هويتها وتغيير لغة أهلها وثقافتهم وسلخهم من دينهم ثم إنه لم يكتف بذلك بل قام بسرقة كميات كبيرة من آثارها وإرثها الثقافي وشحنه إلى بلاده قبل خروجه منها، وأظنك زرتَ باريس ورأيت بنفسك بعض الآثار المصرية المسروقة هناك. فبالله عليك مَنْ يستحق أن يُوصم بالإرهاب والتدمير والتخريب الإسلام وأهله أم مَنْ قاموا بالحملات الصليبية التي توالت على بلدان المسلمين منذ فترة طويلة ومازالت، هدفها الوحيد سرقة أراضي المسلمين والاستيلاء على خيراتهم، كما أن شعارهم يختلف بين حملة وأخرى من إنقاذ المضطهدين في بلاد الشرق إلى حماية بيت المقدس، وأخيراً غرس الديمقراطية في البلدان العربية. قال: حقيقة، رأيت كل ما تحدثت عنه في أوروبا حيث لايخلو بلد أوروبي من آثار إسلامية وزرت إسبانيا بنفسي وشاهدت الكم الهائل من الآثار والمتاحف التي خلَّفها المسلمون هناك ولكنني كنت غافلاً أو إن شئت قل متجاهلا للحضارة العظيمة التي بنت كل ذلك ولا أعزو أسباب تجاهلي سوى لما غرسه فينا إعلامنا عنكم وعن دينكم وحضارتكم، كما أنكم أيضاً مقصرون جداً في هذا الجانب حيث لم تقوموا بأي عمل لتوعية شعوبنا بمفاهيم دينكم ومعتقداتكم الحقيقية بل تركتم المجال لفئة منكم تعمل ما تشاء باسمكم واسم دينكم فتقتل وتخرب وتدمر ثم تأتي وسائل إعلامنا وحتى بعض وسائل إعلامكم فتنسب ذلك لكم ولدينكم وكان من الأولى أن تقوموا بتوعية شعوبنا وإعطائها الصورة الحقيقية عنكم وعن دينكم بدلاً من القدوم لبلادنا لأغراض السياحة والترفيه فقط. فلم لا تعملون من أجل ذلك وتظهرون صورة دينكم الحقيقية لكل فرد منا وأجزم أنكم سوف تحصدون نتائج جبارة تغير نظرتنا عنكم وعن دينكم مثلما قمت أنت بالتأثير علي وتغيير ما رسمته عنكم بعد أن مكثت في بلادكم مدة طويلة جداً لم أجد من يريني الحقيقة، حتى أنت لم تتجرأ على محادثتي إلا بعد أن أوشكت علاقتنا على الوصول إلى طريق مسدود وإلى نهاية مؤسفة بسبب تقصيري في البحث عن الحقيقة وتقاعسك عن إيصالها إلي.
سألته عن الطريقة المثلى لإيصال الصورة الحقيقة عن الإسلام إلى شعبهم بشكل خاص والشعوب الغربية بشكل عام. فأجابني قائلاً: إن معظم الشعوب الغربية تحرص كل الحرص على معرفة الحقيقة وتحاول الوصول إليها والغالبية منهم ترى أن وسائل الإعلام هي الطريقة الأنسب، لذا فهم يستقون معلوماتهم منها ويصدقونها ويجزمون بصحتها. لذا أرى أن أفضل طريقة للوصول إلى شعوبنا هي وسائل الإعلام فنشر المعلومات الحقيقية بطريقة مدروسة ومؤثرة تغير نظرة الشارع لدينا بشكل عام وتساعد على فهم الآخر وتقبله وفتح حوارات جادة معه وهذه سوف تسفر عن نتائج سارة وغير متوقعة بالنسبة لكم. فقلت له ولكن إعلامكم محتكر من قبل فئة لا ترغب بنشر أي شيء يصب في مصلحة الإسلام. قال: هذا صحيح ولكن لا تنس أنه إعلام قائم على المال، فبقدر ما تدفع تحصل على ما تريد.
ثم إن هناك قنوات تلفزيونية وصحفا ومجلات غير محتكرة وبالإمكان النشر عن طريقها وبأسعار زهيدة، صحيح أنها صغيرة ولا تحظى بنفس حجم الانتشار الذي تحظى به الصحف الكبرى ولكن عملية النشر والتوعية من خلالها ستؤدي إلى نتائج طيبة والبداية بها خير من الوقوف مكتوفي الأيدي والاكتفاء بالفرجة على ما يجري وما يقال عن دينكم وما يحاك ضده من مؤامرات يتم تنفيذها في شتى بقاع الأرض. ثم لا تنس أيضاً الإنترنت وتأثيرها الفعال في مجتمعاتنا كل هذه الوسائل قادرة على عرض وإظهار الصورة التي ترغبون بها ولكن يجب عليكم أن تعملوا وتبذلوا كل ما تملكون في سبيل دينكم ومعتقداتكم، كما يجب أن تتخلوا عن الشعارات الزائقة والبراقة التي لا تقدم ولا تؤخر في هذا العالم المادي الذي يريد أن يرى أفعالاً لا أقوالاً وشعارات.
شكرته على مشاعره الطيبة وتفاعله وتفهمه لأبعاد القضية ومحاولته المساعدة في إبداء النصح والمشورة والإسهام في إيجاد بعض الحلول المناسبة لتغيير المفاهيم الغربية عن الإسلام، ثم غادرت منزله وأنا أفكر بما سمعت منه وما سوف نحصل عليه من نتائج لو تكاتفنا سوياً كأفراد ومجتمعات وحكومات وعملنا جاهدين وقدم كل منا ما يستطيع لخدمة هذا الدين العظيم حتى ولو على الأقل بالتحلي بسلوك حسن والتعامل مع الغير باحترام ولطف، لا كما يفعل الجهّال عند ذهابهم إلى بعض البلدان الغربية حيث يتشبهون بسفهائهم فيحاكون أفعالهم ويتخلقون بأخلاقهم فلا تجدهم إلا في الأماكن المشبوهة ومستنقعات الرذيلة - أعاذنا الله وإياكم منها- فياليت أولئك يعلمون أن جميع تصرفاتهم وأفعالهم وأقوالهم وخطواتهم ليست محسوبة عليهم فقط، بل على دينهم وأوطانهم ومجتمعاتهم لذا وجب علينا الأخذ بأيديهم وتوجيههم وإفهامهم أنهم سفراء لبلدانهم فينبغي عليهم أن يمثلوها بطريقة لائقة، لا أن يسيئوا إليها. كما أن هناك دوراً مهماً مناطاً وملقى على عواتق علمائنا وأدبائنا ومثقفينا للتفكير الجاد بالكيفية التي يمكن من خلالها التعامل مع الأوضاع الراهنة والبحث عن أفضل السبل التي تساعد على محو الصورة المزيفة عن الإسلام التي تظهره قريناً للإرهاب في أعين الشعوب الغربية، مع استخدام جميع الوسائل التي توصل إلى الشارع الغربي وتعطي صورة حقيقية عن ديننا وثقافتنا وحضارتنا. والله الموفق.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved