|
|
|
الحوار هو ظاهرة إنسانية امتدت متوغلة في العقل البشري عبر أجيال وثقافات وحضارات متصلة وغير متصلة، والحوار كمفهوم فضفاض يفسر غالبا خلال الثقافات بحسب المحتوى والسياق الاجتماعي والأيديولوجي والحضاري ومنطق الأولويات والمصالح العليا، فقد يتفق على أطر وتتقاطع أخرى وقد يقيد أو يطلق، ولكنه في النهاية تقسمه عوامل مشتركة تجعل له أرضية تمكن لمثل هذا المفهوم أن يقف على قدميه كآلية جماعية متاحة بالسوية متى ما توافر عدد من الشروط الخاصة لخصها باولو فريري في كتابه «نظرات في تربية المعذبين في الأرض» فقد أشار إلى أن الحوار يجب أن يقوم على الحب العميق للناس والتواضع لهم والإيمان بالخير والإنسانية، وأضاف أن «الحوار لا يمكن أن يتوفر في غياب حب عميق للعالم وللناس فالحب هو أساس الحوار، ولا يمكن أن يوجد في علاقة سيطرة، إذ إن السيطرة تحاور من أجل الذات لا من أجل الآخرين». ويضيف كذلك «لا يمكن للحوار أن يوجد دون تواضع فكيف بوسعي التحاور إذا كنت ألصق الجهل دوما بالآخرين ولا أدرك على الإطلاق جهلي؟ كيف بوسعي التحاور إذا كنت أعتبر نفسي مختلفاً عن بقية الناس وأعتبر الآخرين مجرد «أشياء» لا أجد بينهم «أنا» آخر؟ كيف بوسعي التحاور إذا كنت أعتبر نفسي عضواً في مجموعة من الخلصاء الانقياء الذين يملكون الحقيقة والمعرفة، وكيف بوسعي التحاور إذا كانت النقطة الأساس بالنسبة إلي هي النخبة؟ كيف بوسعي أن أتحاور إذا كنت رافضاً لمشاركة الآخرين، بل إنها تثير استيائي؟ كيف يمكن لي أن أتحاور إذا كنت خائفا من أن أزاح وأعزل ويسبب لي مجرد هذا الاحتمال الهلع والضعف؟ ويضيف فريري يحتاج الحوار إلى إيمان عميق بالإنسان، إيمان بقدرته على فهم الأشياء وإعادة فهمها، على الإبداع وتجدد الإبداع، إيمان بمهمته في أن يصبح أكثر اكتمالاً إنسانياً «الذي هو ليس امتيازاً للنخبة، بل حق بالولادة لجميع الناس» ويخلص فريري إلى «إن الحوار بصفته قائماً على الحب والتواضع والإيمان، يتحول إلى علاقة أفقية، عاقبتها المنطقية هي الثقة المتبادلة بين المتحاورين، وسيكون ثمة تناقض في التعبير لو لم يسفر الحوار المحب المتواضع والملىء بالإيمان - عن خلق هذا الجو من الثقة الذي يؤدي بالمتحاورين إلى شراكة أوثق. وبالعكس فمن الواضح أن مثل هذه الثقة مفقودة في ظروف العداء خلال الحوار. فالحب الزائف والتواضع الزائف والثقة الضعيفة بالإنسان لا يمكن أن تولد ثقة، إذ أن الثقة تتوقف على الدليل الذي يقدمه طرف إلى أن الأطراف الأخرى عن نواياه الحقيقية الملموسة، ولكنها لن تتوفر إذا كانت أقوال ذلك الطرف لا تتطابق مع أفعاله. فقوله شيء وفعله شيء آخر لا يمكن أن يبعث على الثقة كما هو تمجيد الديمقراطية وتكميم أفواه الناس، وكذلك الحديث عن الإنسانية ومن ثم إنكار الإنسان». |
![]()
[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة] |