|
|
|
هناك اتجاهات ثلاثة رئيسة جرّبتها المجتمعات الإنسانية على مر العصور في رحلتها للبحث عن الحقيقة، سواء كانت تلك الحقيقة تعبر عن الحقيقة المهتدية بالوحي الإلهي، أم المتمردة على كل قوانين الحياة البشرية. ومن أجل التعرف على الحقيقة وإشاعتها في إدارة شؤون الناس ذهب الناس كل مذهب، بين موغل في أقصى اليمين ومنطلق دون كوابح نحو اليسار. ولأن كلا من هذين الاتجاهين ينطلق من رفض مُضمر وآخر معلن لندّه في البحث عن الحقيقة، فقد انبرى كل طرف للتشهير بالآخر منهجا وغاية، في محاولة واضحة للنيل منه موضوعا وشخوصا. وكان من لوازم هذه البيئة التنافسية في الوصول إلى المعرفة أو في تحقيق مكاسب متعددة المشارب!!، أن يتدرب أقطاب الطرفين على منازلة الآخر وتقوية الحجة بالدليل والبرهان. وذلك من أجل إفحام الآخر والنيل منه ومصادرة آرائه وتصوراته للكون والحياة، ليحل محلها شيء آخر مغاير تماما ومختلف في الأصول والجزئيات. وفي معرض الخصومات المتطرفة تلك، بقيت كيانات أخرى في المجتمعات الإنسانية تمارس ردحا من الزمن دور المتفرج. وهي كيانات تحمل بالتأكيد آراء أخرى مغايرة لكل ما لدى الطرفين من مخزون فكري وسلوكي، لكن تلك الكيانات المتفرجة باعتبارها قلب الرهان بين المتراهنين على كشف الحقيقة لم تر مكانا لها مستساغا في وهج الصراعات المجتمعية والاختلافات الفكرية والسلوكية، فهي تحمل آراء وسطية لا إلى هؤلاء ولا إلى أولئك. ولأنها آراء وسطية فربما ألقت وسطيتها تلك بثقل الوسطية على التوجه نحو الطرح والمبارزة أيضا، ومن هنا خبا بريقها، وقل مناصروها القادرون على إعلان مناصرتهم والتصدي لها في مواجهة التطرفين الخطيرين. |
![]()
[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة] |