|
|
|
خرج وزير الخارجية الأمريكي كولن باول على صفحات الواشنطن بوست يوم الثلاثاء 3 فبراير مقللاً من أهمية المعلومات الاستخبارية التي اعتمدت عليها حكومته لشن الحرب على العراق، وقال وبكل جرأة إن أمريكا كانت ستذهب لحرب العراق سواء امتلك أو لم يمتلك أسلحة دمار شامل، وعلى مشهد من العالم أجمع أوضح مدى الغرور والعنجهية التي تخيم على أذهان رموز الإدارة الأمريكية ومدى تبرير الوسيلة للوصول لغاية التدخل في الشؤون الداخلية وانتهاك حرمات الشعوب. ونحن إذا رجعنا لأنفسنا قليلاً وانتقلنا من العراق إلى قائمة المطالبات الأمريكية للمملكة العربية السعودية ومن ضمنها تغيير المناهج الدراسية، لتأكد لنا أنه سيخرج هذا الوزير ثانياً ويقول إن أمريكا تريد تغيير المناهج الدراسية في السعودية سواء ثبت أو لم يثبت خلوها من أفكار الغلو والتطرف - طبعاً كما يزعمون هم وأتباعهم الذين يتمزلقون صباح مساء على أبواب الفضائيات وأعمدة الصحف لتبرير هذا التوجه-، مع سالف علمنا أنها شنشنة نعرفها من أخزم، إن فكرة تعديل المناهج أو حتى تغييرها بالكلية قضية قابلة للنقاش ولا يملك أحد أن يغلفها بإطار كهنوتي ويمنع كل أحد من التطرق أو الاقتراب منها، وذلك أنها - وفي الأصل - من المسائل الاجتهادية التي قد يصيب واضعها الصواب أو الخطأ وفي كلاهما يحتفظ بالأجر من الله، لكن أن يعول على تعديل المناهج الدراسية بشكل كبير، وتضخم بشكل لا يتسع الأفق لغيرها، وكأنه عندما تحذف جملة أو جملتين من هذا المقرر أو ذاك سيحل الإشكال وينتهي المصاب، وفي نفس الوقت أغفلوا عن قضايا اجتماعية تفشت وفحشت حتى أحس بها الصغير مع الكبير واتفق عليها الرجل والمرأة، تجاهلوا تلك المظاهر عن عمد وهمشوها حتى أصبحت لا تذكر إلا من نفل القول بل وتعتبر أحياناً إنها إفرازات طبيعية لتلك الجمل المشؤومة في نظرهم، وعندما سُئل أحدهم عن الفائدة من تغيير المناهج الدراسية والتي لن يخرج نتاجه قبل خمسة وعشرين سنة، في الوقت الذي نغلق عيوننا عن المشاكل اليومية التي يعيشها الشباب، قال: بأسلوب بلاغي أن نسق الأمم المتقدمة وضع استراتيجياتها على شكل خطط طويلة الأجل تصل لخمسين سنة أو أكثر، والذي يعمل في حل قضاياه الآنية واليومية فهذا من نسق الأمم المتخلفة، والذي أعتقده وبكل صراحة أنه يجب علينا أولاً وقبل السماح لأولئك بالحديث عن قضايانا الاجتماعية أن يتم إخضاعهم لدورات مكثفة لتطوير مهاراتهم الفكرية والتحليلية، والدليل على ما أقول أنك لو كلفت نفسك عناء الوقوف عند تقاطع أي إشارة مرور وسألت أحد المشاة سؤالاً بسيطاً: هل إن مناهج العقيدة والتاريخ وغيرهما في مدارسنا سبب رئيس للإرهاب وظاهرة العنف الاجتماعي أم أن البطالة، ومشكلة القبول في الجامعات، وتفشي استقدام العمالة من الخارج، والتلاعب بالقيم الاجتماعية في الإعلانات الفضائية، والسماح للعمالة الآسيوية لتصميم شكل عباءات نسائنا، وانتشار الغش التجاري، ومحاباة رجال الأعمال في ظل انعدام مفهوم الانتماء الوطني عند الكثير منهم؟ أقول انه لو وجه هذا السؤال للسواد الأعظم من الشباب في الشوارع وعلى الأرصفة وفي المخيمات وفي طوابير التوظيف في مكاتب العمل ورواد المقاهي وحتى المعاكسين ومدمني المخدرات وحتى أولئك الإرهابيين، لوجدت أن الإجابة مختلفة اختلافاً جذرياً عما يتحدثون، وكأنهم في وادٍ والشباب ومشاكلهم في وادٍ آخر. |
![]()
[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة] |