Tuesday 9th March,200411485العددالثلاثاء 18 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

كسروا حاجز الصمت وأيام العزلة.. كسروا حاجز الصمت وأيام العزلة..
قصص واقعية يرويها لـ« الجزيرة » مدمنون تائبون خلال رحلتهم مع المخدرات
تائب:المروجون يساومون زبائنهم على زوجاتهم..والبعض يواقع أخته لضمان ممارستها الفاحشة

* الرياض - فارس القحطاني:
المخدرات آفة العصر الحديث، مقولة تحمل في مضمونها الكثير من الصدق لما للمخدرات من قدرة عجيبة في تدمير عقول الشباب وخراب ودمار الأسر نتيجة لإدمان الآباء والأبناء عليها. فكم من أسرة فجعت بفلذة كبدها بعد أن ألقى نفسه في أحضان الإدمان، وكم من أسرة تشردت وضاعت لانزلاق وليها في نفق الهيرويين أو الحشيش أو غيرها من أنواع المخدرات.
ونظرا لما تحمله هذه الآفة من أخطار كبيرة تنعكس بصورة أو بأخرى على سلامة المجتمع، فقد قامت المملكة منذ أمد بعيد بمحاربة هذه الآفة بكل الطرق وشتى الوسائل.
من جهة أخرى ونتيجة إلى ضياع الأرواح والمال والمستقبل لمدمني المخدرات، فقد أنشئت العديد من المشافي التي تعالج الإدمان وتعيد المدمن إلى حياته الأولى من جديد ليصبح منتجا يستفيد المجتمع منه. (الجزيرة) وإيمانا منها بخطورة هذه الآفة، التقت بعدد من المدمنين التائبين في مجمع الأمل بالرياض واستمعت لقصص مأساوية حدثت لهم قبل وبعد وقوعهم في براثن هذه السموم فماذا يقولون:
***
100 ريال للحشيش
في البداية يحدثنا التائب (ف-م) عن قصته مع الإدمان ويبدأ قصته ومشواره الطويل مع الحياة ومتاعبها فيقول:
كنت في المرحلة الابتدائية حيث كنت أدرس بالصف السادس الابتدائي وكان والدي يدخن أمامنا مما جعلني أجرب التدخين بالخفية برفقة أولاد خالي حيث تعلمت التدخين منهم. وفي يوم من الأيام تعرضت لحادثة لم أستطع أن أبوح بها أو أن أخبر أحدا حتى لا تكون وصمة عار على مستقبلي.
وقد سببت لي هذه الحادثة متاعب نفسية فأصبحت انطوائيا جدا وأحب العزلة طوال اليوم وكنت ألجأ لأمي في كل شيء أرغب فيه أو أطلبه حيث لم أتعود على مخاطبة والدي والطلب منه أي شيء لأنه كان قاسيا علي كثيرا.
بعدها التحقت بالخدمة العسكرية وأصبحت أحصل على مرتب جيد.. وفي أحد الأيام عرض علي زميلي قطعة حشيش فلم أمانع فجربت الحشيش الذي وجدت فيه السعادة الزائفة والهروب من المشكلات، ومع الظروف النفسية القاسية أصبحت أتعاطى الحشيش بزيادة حيث كنت أصرف على التعاطي أكثر من 1000 ريال شهريا، وكنت أتعاطى الحشيش بمفردي ولا أحب أن يشاركني فيه أحد.. فأصبحت علاقة حب شديدة بيني وبين الحشيش، بعد هذا الوقت انتقلت إلى العمل في منطقة أخرى بمرتب أفضل.
ساعدني المرتب لأن أحصل على قرض من أحد المعارض واشتريت سيارتين وبعتهما وأخذت مبلغهما لأصرف نصفه على والدي والنصف الآخر على مصاريف زواجي. واستمرت حياتي ولم أنقطع عن الحشيش بل ازداد التعاطي نظرا لأنني أمر في مراحل صعبة جدا وكذلك الضغوط المالية المترتبة علي. وفي أحد الأيام وأنا في أشد حالاتي النفسية حاولت الانتحار وأطلقت النار على نفسي والحمد لله أن الإصابة لم تكن قاتلة بعد ذلك الموقف لم أتوقف عن الإدمان بل أصبحت أتعاطى بشراهة شديدة حتى أنني لم أستطع المقاومة فأدخلت إلى المستشفى وخضعت لجلسات كهربائية حيث أمضيت شهرين كاملين فاقدا للذاكرة لأن الحشيش أتلف المخ و الأعصاب لدي.
بعد هذه الفترة أردت اتمام الزواج من ابنة عمي ولما عرف عمي بإدماني فرفض هو ووالدي الزواج لأنني إنسان منحرف ومدمن ولكن ابنة عمي وقفت بجانبي تساعدني حتى تم الزواج.
انتقلت وزوجتي بعد إحالتي على التقاعد إلى العيش في منطقة أخرى هربا من أصدقاء السوء ولكن بعد مضي ستة أشهر تعرفت على مروجي المخدرات وعدت إلى التعاطي. وبمرور الوقت رزقني الله بثلاثة أبناء وبنت، فزادت علي المصاريف وكان للحشيش نصيب من مرتبي يشاركني مع أبنائي حصة مرتب التقاعد الشهري البسيط فأصبحت أعمل على سيارتي كسائق أجرة لأحصل على مبلغ (100) ريال باليوم حتى أغطي مصاريفي.. وطوال هذه الفترة الماضية كانت زوجتي تحاول معي بشتى الوسائل لأقلع عن التعاطي ولكن دون فائدة، وبعد معاناة طويلة وصبر من زوجتي فكرت بأولادي وزوجتي الحبيبة وإلى متى الانحراف فراجعت مستشفيات الأمل لإرضاء زوجتي بأنني سوف أتعالج وأعود سويا لأرعاها وأرعى أولادي، فدخلت مستشفى الأمل بالدمام وجدة. بعدها دخلت مركز التأهيل النفسي بالقصيم ومع المحاضرات والندوات والبرامج والعلاج النفسي المكثف راجعت نفسي قليلا وارتحت كثيرا للعلاج، استفدت من المركز وخدماته ولكن بعد خروجي استعملت الحشيش ودارت المشكلات مع زوجتي فطلقتها مرتين نتيجة الانفعالات والشكوك التي تؤدي إليها مادة الحشيش، ثم عزمت على التوبة ولم الشمل مع عائلتي وإقفال صفة الماضي المعتم فقررت الدخول إلى مجمع الأمل بالرياض لكي يتم علاجي فيه والآن وقد أمضيت فترة الشهرين ونصف الشهر من العلاج المكثف والبرامج المسلية وجلسات المختصين الاجتماعيين والنفسيين الذين عوضوني عن اللجوء إلى الحشيش، فأنا ألجأ إلى الإخصائي وأرتاح لجلسته لأنني أحكي له معاناتي ومشكلاتي.
وقبل أن أختم قصتي الحزينة الطويلة يجب أن أوجه كلمة لكل مدمن ولكل شاب ولكل مراهق بأن يجعل الله أمام عينيه، وأن يكون قريبا من والديه وأن لا يقع فريسة لأصدقاء السوء والمخدرات لأن طريقها طويل مليء بالشوك والعذاب والآهات وأقول لكل مدمن بأن يلجأ إلى أحد مستشفيات الأمل لأن فيها الأمل بالحياة لكي تعود إلى أهلك وأسرتك مرتاح البال وسعيدا، وأن تكون عضوا نافعا لمجتمعك الذي هو بحاجة إليك فلا تتردد في خدمته.
أصدقاء السوء
أما التائب من الإدمان (و-ف) فيقول:
كنت من أفضل الطلاب في المدرسة وأذكاهم حريصاً جدا على دروسي ومدرستي، محافظا على صلواتي وعلى جميع مسؤولياتي اليومية بدأت رحلتي مع التعاطي عندما كنا نستعد للامتحانات النهائية.
وفي إحدى الليالي كنت مع زملائي نتذكر الدروس حتى شروق الشمس وكنت منهكا جدا ويصعب علي الذهاب بسهولة إلى قاعة الامتحانات فنصحني أحد الأصدقاء بأن أجرب حبوب (الكبتاجون) حيث قالوا - على حد زعمهم - إنها ستمدني بالطاقة وتجعلني أجتاز الامتحان بسهولة. ومن باب الفضول طبعا جربت أول حبة كبتاجون في حياتي وكانت بداية النهاية.. وأصبحت أسهر الليل وأذهب للاختبار وأنا في حالة تعاطي.. واستمررت على هذه الحالة حتى انتهت الامتحانات التي كانت نتائجها عكسية وغير متوقعة ولم انقطع عن تعاطي الحبوب بل تماديت بالتعاطي حتى أني كنت في بعض الأيام أتناول (10) حبات باليوم الواحد. ومرت الأيام تلو الأيام وكان أصحابي يتعاطون الحشيش بالخفية عني وكانوا يتضايقون من وجودي معهم لخوفهم بأن أخبر بما يتعاطونه. وفي يوم من الأيام ونحن في رحلة برية تشجعوا وأعطوني لأجرب سيجارة حشيش وبالفعل ومن باب الفضول أيضا تعاطيت الحشيش وأصبحت أحصل عليه بالمجان. وبعد شهر تقريبا وأنا كل يوم أتعاطى الحشيش أبلغني أصحابي بأنه لابد أن أدفع مبلغا مقابل كل جرعة أتعاطاها، فأصبحت في ورطة حيث لا أستطيع الحصول على المال من أجل التعاطي فلم يكن مني إلا أن اشتغلت بترويج الحشيش حتى يتوافر لدي مبلغ من المال وأشتري به ما يكفيني من الجرعات وبعد سنة تعرفت على شخص من الذين يتعاطون الحشيش وأبلغني بأنه يعرف مروجا للمخدرات وطلبت منه أن أتعرف عليه ووافق بعد أن دفعت له مبلغ (1000) ريال نظير تعريفي بذلك المروج الذي أعطاني في بداية الأمر جرعات مجانية وبعد فترة أصبح يعطيني بسعر مخفض وهكذا حتى أصبح يطالبني بقيمة أي جرعة أطلبها منه كاملة.وفي يوم من الأيام وأنا في بيت أحد الأصدقاء داهمتنا هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث كان صديقي الذي أزوره من المشتبه فيهم في مواضع مخلة بالآداب وبعد تفتيشي من قبل الهيئة وجدوا معي قطعة حشيش فتمت محاكمتي على إثرها بالسجن بعد أن قضيت حكم السجن خرجت وبدلا من أن أتوب وأعود إلى الصواب تماديت في تعاطي المخدرات وترويجها حيث تعرفت على شخص آخر أعطاني حشيشا يختلف عن الصنف السابق.
كنت في بداية الأمر أقول له إنها مطلوبة مني وفي الحقيقة كنت أستخدمها أنا وبدأ يعطيني جرعة الهيروين بالمجان في بادئ الأمر ولما أدمنت عليها أصبح يطالبني بقيمتها فأصبحت أروج الحشيش حتى يعطيني بودرة الهيروين وبعد فترة تم القبض على الوافد الذي أتعامل معه فانقطعت إجبارياً عن التعاطي فعرف أهلي عن أمري بعد أن ظهرت الأعراض الانسحابية، فقام أخي على الفور بإدخالي إلى مجمع الأمل، واتضحت الرؤيا أمام أفراد عائلتي وتأكدوا بأنني مدمن مخدرات. وبعد شهر خرجت ولم أرتدع فتعرفت على أشخاص يتعاطون الهيروين أوصلوني إلى الأجنبي الذي باعني (30) جراما من الهيروين حتى أروج الهيروين واتسعت دائرة الترويج عندي. من جهة أخرى ساهمت عائلتي في إدماني حيث كان الجو السائد في البيت كئيبا فأنا من عائلة مفككة أسريا لا أحد يسأل عن أحد، بل أعطاني أهلي ملحقا بالبيت معزولا فساعدني ذلك لأن أتعاطى الهيروين في البيت الذي أجتمع مع أصحابي فيه، وبعد اكتشاف أهلي لذلك تم إبلاغ مكافحة المخدرات وأخذوني وأدخلوني للمستشفى مرة أخرى حيث قضيت مدة سبعة أشهر هناك و حوكمت بالسجن لمدة ثلاث سنوات نفذ الحكم علي وبلغت عن المروج الأجنبي.
وكنت في السجن مقطوعاً من الزيارات العائلية فلا أحد يزورني إلا والدتي - حفظها الله -، وبعد خروجي من السجن عملت في القطاع الحكومي على بند الأجور، أتقاضى مرتبا بسيطا، ومع استلام أول مرتب ذهبت إلى أحد الأجانب المروجين لأحصل منه على البودرة بالدين وأروجها ثم أدفع له.
ومع مرور الوقت واستمرار السهرات الليلية بالبيت وبصحبة أصدقاء السوء أصبح أخي الصغير يختلط مع أصحابي الذين أغروه بأن يسرق مني بعض جرعات الهيروين ويتعاطى معهم عن طريق الإبر دون علمي بذلك، وعندما علمت بذلك أخفيت عنه شنطة المخدرات حتى انقطع عنها وبطبيعة الحال فهو لا يعرف أي مروج أتعامل معه فأصابته تشنجات عصبية، أدخل على إثرها المستشفى وتعرض لقصور ذاتي في الرجلين لشهرين وتعافى أخي من مرضه فعاد إلى التعاطي مع نفس الأشخاص الذين غشّوه وغشّوني كنا نتعاطى سويا وكنا في ضياع تام. بعد ذلك تجمع أخوتي وحملونا بالقوة لمجمع الأمل بالرياض حيث شفي أخي بعد متابعته للرعاية اللاحقة وإرساله إلى المنطقة الشرقية وإصراره على الابتعاد عن المخدرات أما أنا فلم أتب بل رجعت مرة أخرى لترويج المخدرات حيث قبض علي وكنت أبيع لأحد الأشخاص المدمنين، وهذه المرة هي السابقة الرابعة، وبعد ذلك دخلت السجن فلم يزرني أحد غير أخي الصغير الذي أخبرني بأن أحد أصحابي توفي نتيجة تعاطيه جرعة زائدة من المخدرات وأن الآخر تدمرت حياته الأسرية وأنه مرض مرضا خبيثا نتيجة تعاطيه إبر الهيروين وكنت أفكر في كل هذه الأمور التي أحبطتني كثيرا وخرجت من السجن ولدي نية صادقة في التوقف ودخلت إلى مجمع الأمل الذي تعلمنا في كيفية التعامل مع الاشتياق للمخدرات والابتعاد عنها بطريقة سليمة وصحيحة ولكن للأسف رجعت لأتعاطى مرة أخرى ولم أستطع الحصول على المال الذي أستطيع أن أشتري به المخدرات فأدى بي الأمر إلى السرقة حيث كنت أسرق من أسرتي وأسرق اسطوانات الغاز في المنازل وأبيعها، وأسرق مسجلات السيارات، وكل هذه الأمور وأنا أتمادى في التعاطي حتى تعبت كثيرا ولم أستطع التحمل حيث طلبت من والدي مساعدتي في العلاج وبالفعل دخلت مجمع الأمل للعلاج وكلي أمل في أن تكون بداية البداية في حياة الأمل والنور والهداية فقد اقتنعت كثيرا بعد فوات الأوان انني كنت في طريق مظلم يسوقني إلى الجحيم حيث أمضيت (10) سنوات من عمري وأنا في شباك المخدرات ولم أحصل على فائدة واحدة ولم أتزوج ولم أبن أسرة أعيش معها وبالنظر إلى أقراني الأسوياء عرفت بأن الصاحب ساحب وعرفت أن الهداية هي الطريق السليم لحياة كريمة بلا مخدرات.
نصيحة أوقعتني
أما التائب (ع-م) فيقول: كنت طالبا في مرحلة أولى ثانوي أعيش حياة الطالب الطبيعية ولا أعاني من أي مشاكل أو ضغوط أسرية،والداي ولله الحمد استطاعا بفضل الله ثم بتفاهمها من بناء أسرة متماسكة خالية من المشاكل. مما جعل ذلك ينعكس علينا نحن الأبناء وبما أنني الابن الأكبر في العائلة أستطيع القول إنني كنت نموذجا مثاليا ومضربا للمثل منذ صغري في الجد والاجتهاد والمثابرة والحفاظ على الصلوات، ودائما ما كنت أحوز على أحد المراكز الثلاثة الأوائل مع نهاية العام الدراسي واستمررت على هذا المنوال حتى انتقلت إلى مرحلة أول ثانوي، وبدأ مستواي الدراسي يتذبذب ولم أستطع المحافظة على نفس وتيرة عطائي السابق حيث كان لأصدقاء السوء أثرهم في حياتي.
تعرفت على المخدرات وتحديدا الكبتاجون (الأبيض) في أول ثانوي وكان عمري (16) عاما. وقصة وقوعي فيها غريبة جدا كان هناك تنافس في الدراسة بيني وبين أحد الزملاء في الفصل للحصول على المركز الأول في فترة الاختبارات أتاني أحد الأصدقاء وقال: لدي طريقة تضمن لك الحصول على الترتيب الأول وتحتاج فقط لمزيد من الجرأة حتى تتأكد مما أقول. من شدة رغبتي في الحصول على أعلى معدل سألته بنية الصادق البريء، ما هي؟ فأشار علي بحبوب الكبتاجون، ونصحني أنها سترفع مستواي أكثر وأكثر، كما أنها ستضفي علي شيئا من الفرح والسعادة. لم أتردد في تجربة الحبوب لأن الذي قدمها لي زميل قد جربها ويضمن مفعولها على العطاء الدراسي. في البداية اقتصر التعاطي على أيام الاختبارات ولكن سرعان ما أصبح عادة أسبوعية، ومن ثم شبه يومية، فيوميا إلى أن تردت صحتي ونحل جسمي وأصبحت لا أشتهي الأكل ، لاحظت أسرتي هذا التغير الذي صاحبه تغير بسيط في السلوك، ولم يشكّوا في تعاطي المخدرات وظنوا أن الأمر طبيعي.
لاحظ أحد الأصدقاء المقربين أيضا حالتي الصحية وأخبرته بصراحة أن ذلك من تعاطي الحبوب فأشار عليّ مشورة كان لها أسوأ من سابقتها بناء على مشورته التي ستعيد شهيتي للأكل وصحتي كما كانت عليه وأفضل حيث انغمست في تعاطي الحشيش وبين عشية وضحاها وجدت نفسي مدمنا عليه.وبكل تأكيد كان لابد من أن يصاحب الانحراف في المخدرات تراجع مستواي الدراسي ويدل أن هناك شيئا خفياً.ولم يزد تعاطي الحشيش حالتي الصحية إلا تدهورا وقلَّ أيضا عطائي الدراسي (هذان العاملان) لفتا انتباه أبي والمعلمين في المدرسة ولم يتوقع أحد أن ذلك الطالب البريء والمتفوق أصبح أسيرا للحبوب والحشيش.
بدأت أشعر بنظرات الشك من أبي وأخذ يراقب تصرفاتي وسرعان ما اكتشف أمري بعد أن وجد بعض الحبوب في غرفتي، الصدمة كانت عظيمة وكبيرة على أبي الذي كان ينتظر أن أكبر حتى أكون سنا وعونا له لا عالة وحملا عليه، وأجبرني أبي على دخول مجمع الأمل للعلاج. وبالفعل وقفت عند رغبته ودخلت المجمع.
وبعد انتهاء مرحلة العلاج وخروجي من المجمع التحقت بالجامعة وانقطعت عن التعاطي لمدة سنة ومن ثم انتكست وعدت إلى تعاطي الحبوب بداعٍ أنها ستساعدني في الاستذكار لاسيما وأن الاختبارات كانت على الأبواب ودون سابق موعد تعرفت على نوع جديد من المخدرات ألا وهو الهيروين عندما تلقيت اتصالا مفاجئا من صديق قديم سألني فيه عن رحلة التعافي؟ أجبته: كأنك تعرف أنني سأنتكس.. سأل هل عدت إلى التعاطي؟ أجبته: نعم ومن الليلة فقط.
أخبرته أنني أعيش في جو نفسي كئيب جدا وخاصة أن لي امتحانا غدا فما كان منه إلا أن طلب مقابلتي لإعطائي شيئا جديدا سيزيل الهم عن قلبي، تركت الدراسة وتجاهلت اختبار الغد وعلى الفور حددنا موعدا وتوجهت لمقابلته، قدم لي البودرة، وكالعادة كنت متهورا وتعاطيتها شما دون تردد، أحدث الهيروين مزاجا جديدا لي من أول مرة وأصبحت أقضي وقتا طويلا أبحث وراء هذه السعادة الزائفة، الصنف الجديد (الهيروين) لم يكن كسابقيه فسعره مرتفع جدا ولا يوجد بسهولة الأمر الذي جعلني أطلب المال من والدي باستمرار وأغيب الوقت الطويل للبحث عن البودرة، أثار ذلك حفيظة والدي وجعله يعاود الشك في مدى علاجي من التعاطي ، صبر والداي عدة أسابيع برجاء أن أتعدل لكن المؤشرات كانت تدل بأنني في انحدار.. نفد الصبر وفوجئت أحد الأيام وأنا عائد إلى المنزل بأبي وأحد أصدقائه ينتظراني، اتهمني والدي على الفور بعودتي إلى التعاطي فأنكرت، طلب مني الذهاب إلى المجمع لإثبات ذلك، فرفضت فأيقن من إجاباتي أنني عدت إلى التعاطي وما كان منه إلا أن أخذني بالقوة إلى المجمع حيث كانت الصدمة الجديدة تنتظر والدي. كان أبي ينتظر نتيجة التحليل ستقتصر على الحبوب والحشيش فقط ولكنه دهش عندما أبلغه الطبيب بأن النوع جديد هذه المرة، صدم أبي وصعق من الخبر ولم يتخيل أن الأمر سيصل بي إلى التعرف على أنواع جديدة من المخدرات لا سيما أنه لم يقصر معي في شيء للتخلص من الإدمان. على الرغم من الصدمة المؤلمة التي استقبلها والدي لم يغادر المجمع إلا بعد وقت طويل قضاه في إسداء النصائح، وقطع الوعود لي بالوقوف معي مهما كلف الأمر شريطة التوقف عن التعاطي وعدت أبي خيرا وبدأت رحلة علاج جديدة لم تتكلل بالنجاح، واستمررت أدخل المجمع وأخرج منه وسرعان ما أعود للتعاطي والآن فإنني عاقد العزم وصادق النية إن شاء الله في التوقف وتعويض أسرتي ما سببته لها من متاعب مضنية.
مآسي المخدرات
ويروي التائب بعضا من المشاكل والمآسي التي جرتها عليه المخدرات: كان لي صديق تعودت معه على التعاطي الذي أوجد بيننا علاقة قوية جدا، ذات يوم طلب أن أسدي له خدمة في ظل العلاقة المتوترة مع أسرته باستئجار شقة له باسمي لأن بطاقة أحواله مفقودة. وما هي إلا أيام وجهزت الشقة باسمي وأصبحت وكرا لنا ومكانا نتعاطى فيه المخدرات بأنواعها، بعد فترة وجيزة قررت أنا التوقف عن التعاطي حيث لم يعد جسمي قادرا على تحمل المخدرات وخصوصا الهيروين، أخبرت صديقي عن نيتي الصادقة بالتوقف، ويا حبذا أن نبدأ ذلك سويا لكنه رفض.
غادرت الشقة وتوجهت إلى المنزل وأخبرت أسرتي أنني ذاهب لطلب العلاج بمجمع الأمل، سر والدي لما سمعه مني، وبالفعل توجهت إلى المجمع بعد عشرة أيام من فترة التنويم فوجئت باتصال هاتفي في أواخر الليل ما يقارب الساعة (الواحدة) من أبي وذهلت أكثر عندما سمعت أبي يهلل ويحمد الله على أنني ما زلت على قيد الحياة، سألته ما الأمر؟ أجاب: اتصل بنا رجال الشرطة وأخبرونا انهم وجدوك ميتا في إحدى الشقق المؤجرة باسمك. لم أكن بحاجة إلى مزيد من الذكاء لمعرفة بأن زميلي هو من توفي. حزنت كثيرا عندما خرجت من المجمع وأخبرني السكان المقيمون في نفس العمارة بأن صديقي توفي بسبب التعاطي وأمره لم يكتشف إلا بعد وفاته بثلاثة أيام بسبب تسرب روائح كريهة من الشقة.ويصف التائب المخدرات بأنها وباء ليس لها مثيل لا يمكن أن تعلم أو تتنبأ بما ستسببه لك المخدرات من مشاكل على الإطلاق كان لي أصدقاء مروجون يقومون بالمساومة على زوجات زبائنهم وكنت أشاهد الزبائن يأتون بزوجاتهم ليقدموهن فداء للمروجين للحصول على قليل من المخدرات والبعض الآخر أطاح بزوجته أو أخته في المخدرات حتى يضمن عدم رفضها لفعل الفاحشة فيها مقابل حصولها على المخدرات.ويضيف المخدرات بكل بساطة هي السير نحو الهلاك بخطى ثابتة وبطيئة والهلاك هنا بأنواعه المادي والاجتماعي والصحي وهلاك عرض الإنسان وكرامته.
المخدرات وضعتني في مواقف لا أحسد عليها مرة تجدني احتال على صديق ليسلفني مبلغا من المال واعده بإرجاعه إليه، وبمجرد أن أستلم المبلغ أبدأ أخطط على ضحية أخرى وهكذا، إلى أن أصبحت هذه الطريقة لا تغطي مصاريفي فبدأت أروج حتى قبض علي وأدخلت السجن بتهمة الترويج وقضيت فيه عدة سنوات، لم أجد في المخدرات سوى التعب والأسى والندم. الندم على شبابي ومستقبلي الذي ضاع بسبب اعتقادي الخاطئ بأن المخدرات تساعد الاستذكار وتجلب السعادة والفرح إلى أن تورطت في إدمانها.
وعن مدى علاج المدمن واستفادته من البرامج العلاجية ذكر: المريض هو أساس العلاج، المريض الذي لديه رغبة وارادة وثقة هو من سيستفيد من البرامج التي يقدمها المجمع. أما من كان على العكس فبكل تأكيد لن يستفيد من هذه البرامج.وقبل الختام وجه التائب نصائح لفئة المراهقين وهم الأكثر عرضة للوقوع في المخدرات بقوله: حب الاستطلاع إذا كان فيه مصلحة لا تتنافى مع التعاليم الإسلامية وعاداتنا وتقاليدنا لا مانع منه، أما حينما يضر يجب الابتعاد عنه، لأنه بلا شك سيعود بمشاكل سلبية على الإنسان، وأذكرهم بأن حب الاستطلاع لمعرفة قدرة الكبتاجون على مساعدتي في التحصيل الدراسي هو الذي وضعني في هذه الحالة.وفي الختام أناشد الشباب المتعاطي بالتوقف فورا، والذي يواجه أي مشاكل أو عقبات بهذا الشأن يستطيع التوجه إلى مجمع الأمل للاستفادة من الخبرات المتخصصة التي وفرتها الدولة رعاها الله. من جهة أخرى أكد المشرف العام على مجمع الأمل الطبي بالرياض الدكتور رياض بن عبدالله النملة أن توعية المجتمع حيال الوقاية من سوء استعمال المخدرات والكحوليات لهو من الأمور المهمة التي يوليها المجتمع جل اهتمامه فيقوم بنشر مجموعة منوعة من الكتيبات والملصقات والأعمال الفنية والمشغولات والمعروضات على عامة الناس للتوعية بأضرار المخدرات، ويقوم أعضاء الفريق العلاجي المتخصص في العديد من المناسبات بإلقاء المحاضرات على طلبة المدارس والجامعات والقطاعات الأخرى داخل المجتمع للتوعية بأضرار المخدرات وكيفية العلاج والوقاية، كما يتم عقد المنتديات العامة وإلقاء المحاضرات داخل المجمع احتفالا بالمناسبات الدولية مثل اليوم العالمي لمكافحة المخدرات ويوم الصحة العالمي والإيدز وغيرها. بالإضافة إلى دور المجمع الأمل العلاجي فهناك جهود وقائية يساهم فيها للتوعية بأضرار المخدرات عبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية كما يقوم المجمع بإصدار مجلة الأمل ضمن خطط التوعية والتثقيف وهي مجلة ربع سنوية تعنى بتوعية المواطنين عن سوء استعمال المخدرات والكحوليات مع إلقاء الضوء على المفاهيم العلاجية الحديثة بالإضافة إلى العديد من المواضيع الثقافية والاجتماعية المهمة.وتتولى تحرير هذه المجلة أسرة تحرير من العاملين في المجمع بالإضافة إلى كم هائل من المقالات والإسهامات المحلية والتي ترد من المواطنين والشخصيات العامة بالمجتمع تفاعلا مع موضوعات المجلة.
وقال الدكتور النملة : من أهم الأقسام العلاجية بالمجمع هي وحدة الرعاية اللاحقة، والتي تعتبر من أهم الركائز الأساسية في أي علاج تأهيلي ونفسي لمرضى الإدمان، وتهدف برامجها إلى التدرج في تهيئة المريض للاعتماد على نفسه في العيش بدون مخدرات في البيئة الخارجية، وهي تعتني برعاية وتهيئة المرضى الذين قطعوا شوطا لا بأس به في رحلة التعافي قبل خروجهم من المجمع وربط وتقوية الصلات العلاجية الفردية والعائلية، وتوفير الوسائل والسبل العلاجية لهم، حيث تستقبل خلال الأسبوع ما بين 70-80 متعافيا بعد الخروج من المجمع، وبرامج الوحدة مستمرة في أوقات النهار والمساء وتحتوي الوحدة على مرافق ترفيهية وصالة طعام تقدم الوجبات المجانية للمرضى وقاعة للعلاج الجماعي ومكاتب للجلسات الفردية والعلاج الأسري والعائلي ومركز الحاسب الآلي ومعمل لتعليم اللغة الإنجليزية.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved