«1»
** طغى «الهمسُ» أزماناً وربما اختفى.. فلم يعد للمشكلات «العامة» التي تمسُّ «الوطن» حضور في منتديات «المثقفين».. وجلسات «العامة».. واستهلكت «الجميعَ» تفاصيلُ الحياة «اليومية» «المملة»، أو «الهروبُ» من الواقع.. والاكتفاءُ «النُّخبوي» بمناقشة الأبعاد «النظريّة» للفكرِ «المتعدّد»..!
** ويحسُّ من «أَسْمع» أو «استمع» «بفوقيّةٍ» واهمةٍ تحاولُ «الارتقاءَ» على الهمّ «الداخليّ» بادعاء «مُظْهرٍ» أو «مضمر» أننا خارج دوائر تلك «الإشكالات» التي عمّت الناس واستثنتنا حتى لكأننا نرقبُ «العالم» من كوكب «زحل»..!
** حذّروا «الصغار» من أن «للحيطان آذاناً» فالتزموا «الصمت».. وملأوا أذهانهم بأن «ليس في الإمكان» فقَنعُوا.. وصرفوا اهتماماتهم لما يُجذِّر نظرات «الرّضا».. و«التسليم».. فتخرجْت «أجيالٌ» ربّت أجيالاً على ثقافة «السكوت» و«الطاعة».. وحفّظتهم مبدأ «باب الريح» الذي يفترض أن تغلقه «فتستريح».. و«تريح»..!
** أسعفت «الوفرةُ » «بانسياب » هذه «التوجيهات » «السلبية».. وكان كلّ شيءٍ يُحلُّ ببدائلَ ماديّة.. وانشغل كثيرون «بالسيارة» تجدّد.. و«المنزل» يتجدد.. و«السفر» يتحدّد.. إلى «الغرب» آناً و«الشرقِ» آناً.. و«القريب» عبوراً نحو «البعيد».. و«البعيد» وسيطاً «استهلاكياً» لحكاياتِ ال«ياه» وال«أوكى» وال«أولا» وال«داكور»..!
«2»
** عاش المجتمعُ «عقوداً» في «استلابٍ» فكريّ بناهُ «ركودٌ» داخلي.. و«انبهارٌ» خارجي.. و«نقائضُ» في أعماق «الذات» بين «خوفٍ» من «وافدٍ» قد يستأذن، و«تالدٍ» قد يغيب..!
** بدأَ «الإعداد» لهذه «التحولاتِ» بمبادراتٍ فرديةٍ انطلقت -لأول مرة- من «منبر الجمعة» الذي ركزّ على «إفتاءِ» العامة في حالهم ومآلهم.. ونادراً ما تجاوز ذلك إلى طرحِ قضايا كبيرة كما صنعَ «الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-» في «جامع عنيزة» حين «العدوانِ الثلاثيّ».. و«الشيخ محمد العثيمين -رحمه الله-» عند انفصال «باكستانِ الشرقية» مما وثَّقه «شهودُ المرحلتين».. وفيهما إشارةٌ إلى مثلهما مع «منابر» «جُمْعيةٍ» مماثلة.. لتظلَّ «استثناءً» من قاعدة خُطب الأحكام المتصلة «بالعبادات» و«المعاملات»..!
** جاء الخطاب الجديد محمّلاً بأمور غير معهودة.. وسمعَ «الناسُ» شيئاً عن «الشيوعية» و«الصهيونية» و«الماسونية» و«العلمانية» بطرحٍ بسيط لا يختلف عن نقاش «المجلات» العربية التي تضع صور الفتيات غلافاً، و«القناة» الوحيدة التي تخصص «سهرة الخميس» لأغنيات «أم كلثوم»..!
** تساءلتْ الأغلبية «الصامتةُ» عن نظرية «المؤامرة» التي تربطُ - بشكلٍ حاسمٍ جازم - بين قراءة «مجلةٍ»، أو «روايةٍ»، أو «نظريّة» نقدية وبين الاستعمار الفكري الذي دارت حوله موضوعات «التعبير والإنشاء» المدرسيّة.. وأيقنّا أن الغزو «الثقافي» أخطرُ من «العسكري» دون أن «نرى» هذا أو «نفهم» ذاك..!
** لم يكن غريباً - في ظل ذلك - أن نسمع عن «قراراتٍ» إدارية تنذر «طالباً» للعثور عليه متلبساً بقراءة «مجلة» ثقافية ذائعة، وتهديداً بفصله من «السكن الجامعي» إذا تكرر ذلك.. مما لا يعدو أن يكونَ «إفرازاً» للخوفِ «المبرّر» في مرحلةٍ «انتقالية» مهمة..!
** وإذن فهي ثقافة «التخويف».. أو إن شئتم ثقافة «الحصار» التي حاولتْ صدّ محاولات «الاختراقِ» القادم إلى بيئةٍ «محافظةٍ».. وساعدت وسائطُ الإعلام على «تبني» الخطاب «الاجتماعي» «السياسي» الحذر تجاه «الجديد»..!
«3»
** ساعدت «الرقابةُ» الصارمة على عدم تمرير «كتب» و«دوريات» تعرض «الثالوث» «المُحرّم»، وكان «المنعُ» و«النّزع» و«التفتيش» وسائطَ مهمة في الحفاظ على بقاء «الناس» منهمكين داخل حكايات اليوم المرسومة «بمعاناة» الفقير.. ومساهمات الغني.. وقطيعة «النّخبة» لعدم وجود الجو الملائم «للحوار» بين فرق «الانكفاء» المسيطرة.. وفريق «الانفتاح» المتردد..!
** «تاريخٌ» انتهى.. يخرجُ «مستعرضُه» بحقيقة أن «الانغلاق» - مهما كانت رؤاهُ أو تبريراتُه - غير قادرٍ على الصّمود أمام «رياح التغيير» التي تهبُّ على كل «الأمم» فلا تستثني واحدة.. لكنها - في «الوسط» غير المستعد «لعواصفها»- «تقتلع» و«تخرّب» و«تؤذي».. وينتج عنها «تصدعات».. وربما «تشظى» «المجتمع» بسببها مما يؤدي إلى صراعات وانقسامات..!
«4»
** تحول «الهمسُ» إلى «جهر».. و«الإسرارُ» إلى «إعلان».. و«الإعلامُ» «الرسميُّ» -في كل البلاد «العربية» - إلى «هامش».. في حين استطاعت الأصواتُ «المتدثرةُ» بمنطق «المعارضة»..
أو عبث «الإثارة» أن تكون أقوى حجةً وأكثر تأثيراً..!
** حملت «الفضائياتُ» كل «الأخبار» و«التحليلات»، وزايدت «العنكبوتيات» فطرحتْ «المسكوتَ» عنه ، و«المحذّر» منه، وتجاوزتْ فوجد فيها الناسُ «الرأيَ.. والرأيَ الآخر».. دون أن يتهمها أحد »بالتحيّز» أو يقدّر لها »التميّز»..!
** تعامل «المتلقي» معها تعامل «المحايد».. واستتر «كُتّابها» برداء «الاستعارة» فصالوا وجالوا وقالوا ما يعجزون عن قوله في «الضوء» واستقطبوا مَنْ أغرتْهم لغة «الظلام»..!
** سقطت كل «الفرضيات» القائمة على دور «السُّور» في توجيه الفكر، وأصبح المجتمعُ «غير المسّيس» الذي اعتاد على قبول الرؤية الوحيدة قابلاً لتشرُّبِ كل الرؤى.. والتمايل مع مختلف الأهواء.. وويلٌ «للمكبوت» حين ينفتح أمامه «القُمقم» فيظن نفسه مارداً يُمارس كُلَّ ما مُنع عنه في مرحلة الإغلاق..!
«5»
** تزايدتْ في الآونة الأخيرة فكرة الجلسات الثقافية التي تجمعُ «أصدقاء» يتشاركون في حواراتٍ جادة مفتوحة حول قضايا «الآن»، وإشكالات «الآتي».. وربما استضافوا لها «كاتباً» أو «مفكراً» أو «أستاذاً» أو «سياسياً» ليتبادلوا معه الرؤى في شؤون وشجون الواقع والمستقبل..!
** ظاهرةٌ «جيدة» تُتيح فرصاً للتأمل والاستزادة وفتح المنافذ أمام الشمس والهواء وتتكامل مع الندوات المخصصة «للمجاملة» و«التكريم» التي تظلُّ مهمةً في مجالها ولكنها أقرب إلى ثقافة «المشاكلة» منها إلى ثقافة «الاختلاف» التي أصبحت المطلب «الأول» في الظروف الحالية..!
** إن من المهم تعريض «الجماهير» لجميع التضادات الفكرية حتى يقبلوا «التعايش» مع «المختلف» دون «تصنيم» «رأي» أو «صاحبه».. فلا وجود في النشاط البشري لمفاهيم «ماورائيةٍ» تثبتُ حقائقَ «مطلقةً» لا يجوزُ طرحُها.. وحركية المجتمع والتاريخ تثبتُ أن «الركود» عِيٌّ.. و«الوقوف» تخلف.. والحَجْر متعذر..!
«6»
** كان «أبو حنيفة» يقول: «هذا رأيي وهو أحسنُ ما رأيت فمن جاء بغيره قبلناه»، بل لقد حرم على من لم يعرف دليله أن يفتي بكلامه.. ومثله الإمام «مالك» الذي أكد أنه يخطئ ويصيب وطلب النظر في رأيه..!
** الحراك الاجتماعي قوي.. وتاريخية المذاهب تفترض ربطها بزمنها ومكانها وإنسانها.. إذْ لا يمكن تحميلُ «عالمٍ» اجتهد «لقومهِ» في «وقته» أخطاء «المتغيرات»، كما لا يصح افتراض «العِصْمة» فيه مهما كانت «مرتبتُه» في الذهنِ «الجمعيِّ»..!
«7»
** لعل من «المفارقات» التي يفترضُ الاهتمامُ بها أن «الوسائط» التي لا تتجاوز كونَها أوعيةٌ لتفريغِ «الإسقاطات» و«الانحرافات» و«التشويهات» وسط ما تقدمه من معلومات وقراءات وتحليلات «وبعضها جيد دون شك» تجدُ إقبالاً واستقبالاً في أجواءٍ انفتاحيةٍ غير مراقبة، في حين تغيب «الأغلبية» «الصامتة» «المحايدة» عن مناظرات «الحوار الوطني» الذي بقي خلف أبواب «مغلقة»، واقتصر دوره على تقديم «التوصيات»..!
** ولعلكم لاحظتُم صفات: الأغلبية، الصامتة، المحايدة.. التي يسعى أصحاب «التيارات» المستترة لاجتذاب أكبر رقمٍ منها.. في حين يغيب عنها الخطاب الرسمي الذي أفسحَ الطريق بإقفالِ «حواره» الوحيد أمامها.. وكأنه سيُعيد فكرةَ الإغلاق الأولى بأسلوبٍ حضاري له من يبّرره ويُدافع عنه..!
** إننا بحاجةٍ إلى وضعِ رؤيةٍ موضوعية ،علمية، علنيّةٍ لخلق أجواء الحوارِ المنطلق أمام الجماهير ليعتادوا سماع الآراء المتناقضة دون «خوفٍ» أو «وصايةٍ».. «فالهدف» هو الوطن.. و«المستهدف» هو الوطن.. و«الرابح» أو «الخاسر» هو الوطن..!
* الضوء يُعشي المتسللين..!
|