*غزة -مكتب الجزيرة:
أمام مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح الفلسطينية، وسط قطاع غزة، ارتصت خمس عشرة سيارة إسعاف فلسطينية، بانتظار خروج جثامين شهداء مجزرتي مخيمي النصيرات والبريج، ساد الحزن والأسى جموع الفلسطينيين، وارتسمت ملامح الغضب و الوجوم على محيا الجميع.. عائلات فقدت عائلها، وأطفال ثلاثة قطفت زهراتهم، لفوا بأكفان بيضاء وبالأعلام الفلسطينية، وبالرايات الخضراء..
وبجوار سيارات الإسعاف المتوقفة أمام مبنى المستشفى الذي أقيم في فترة انتفاضة الأقصى وحمل اسم شهدائها وقفت كل عائلة تنتظر خروج جثمان ابنها من ثلاجة حفظ الموتى، وفي برهة من الوقت خرجت جثامين الشهداء الأربعة عشر محمولة على أكتاف الشبان الفلسطينيين، وبقي الشهيد الخامس عشر في ثلاجة حفظ الموتى كون معالم وجهه لم تتضح للعيان، لقد أصيب هذا الشاب فجر أمس بطلق ناري مخترقا عينه ومفجرا رأسه من الخلف..
الجزيرة راقبت المشهد المؤلم، تعالت الأصوات حين أخرج الشهداء، شهيدا تلو شهيد، هذا الطفل محمود عبد الله يونس (11 عاماً) من مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين، وذاك الفتى محمد علي بدوي (14عاماً)، من مخيم البريج ؛ وهذا هو الفتى عمر الجمل (17 عاماً)، من مخيم النصيرات.. وذاك الشهيد شادي السعيدني (24 عاماً)، وهذا هو الشهيد فارس الحواجري (21 عاماً)، وهذا الشهيد هو محمد الشطلي (22 عاماً)، والشهيد موسى حمو (23 عاماً)، وهذا الشهيد الشاب ساهر سليم المغاري، جميعهم من مخيم البريج، وذاك هو الشهيد أحمد حرب (22 عاماً)، وهذا هو يوسف السنوار (25 عاماً)، وهذا الشهيد خالد الحزوقي (22 عاماً)، والشهيد هذا هو حسن زهد (42عاماً)، وهذا حازم عقل(20عاماً)، وهذا الشهيد محمد عامر أبو زريق (22عاماً) جميعهم من مخيم النصيرات..
وما وضع الشبان الفلسطينيون جثامين الشهداء في سيارات الإسعاف، حتى انطلق موكب الخالدين إلى مخيمي النصيرات والبريج للاجئين الفلسطينيين، ورفعت الريات السوداء ونكست الأعلام، وزاد صوت الغضب، وانطلقت من حنجرة أم فلسطينية زغرودة تخللتها حشرجة في الصدر، ما لبثت أن انفجرت الأم بالبكاء.. لقد أبكت الجميع، إنها خالة أحد الشهداء..
سار الموكب من المستشفى إلى بيوت الشهداء، حيث الأبناء والأمهات الثكلى، وحيث الخراب والدمار الذي حل بالمخيمين اللذين يعجان باللاجئين الفلسطينيين، الذين يعيشون ظروفا اقتصادية ومعيشية صعبة للغاية، بيوتهم مسقوفة بالصفيح والاسبست، ومياه الصرف الصحي تسير في قنوات بين أزقة المخيم..
وحين وصل موكب الخالدين، وحُطت الجثامين في بيوت الأهل المتواضعة، زاد صراخ الأحباء والأخلاء على فلذات الأكباد الأطفال والشباب، وعلى الرجال الشهداء أعمدة وأركان البيوت.. انخرط الجميع بالبكاء، وسمع صوت الرصاص الهادر من شبان يمتشقون سلاحا خفيفا، هم جنود المقاومة في قطاع غزة من كافة الفصائل، ووعدوا بالثأر لدماء الشهداء، وما هي إلا لحظات حتى رفع الشبان جثامين الشهداء متوجهين إلى مساجد المخيمين، ومن ثم إلى مقابر الشهداء، لترقد كوكبة جديدة من أبناء فلسطين في قبور تملؤها رائحة المسك والعنبر..
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي ارتكبت صباح الأحد، الموافق 7-3-2004 مذبحة بشعة حين اجتاحت المخيمين قادمة من مستوطنة نيتساريم اليهودية الجاثمة على أراضي المواطنين الفلسطينيين جنوب مدينة غزة، وقد اعتلى جنود شارون أسطح عدد من المنازل، وأطلقوا القذائف والأعيرة النارية الثقيلة على المدنيين العزل، في مخيمي النصيرات والبريج وسط قطاع غزة،، مما أدى إلى استشهاد خمسة عشر فلسطينيا، بينهم شبان وأطفال وفتية، كما وأصابت قذائف ورصاص الصهاينة (83 مواطناً فلسطينيا مدنيا)، بينهم (40 طفلاً) دون (18 عاماً)، وصلوا إلى مستشفى شهداء الأقصى، منهم أكثر من (20 حالتهم خطيرة)..
وقالت القيادة الفلسطينية في بيان لها تلقت الجزيرة نسخة منه: ألا يكفي شارون وحكومته أن تاريخهم الأسود ملطخ بدماء اللاجئين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا وفي خان يونس وقبية ونحالين وغيرها في الوطن وفي الشتات.. ليرتكبوا اليوم مجزرة جديدة..؟ وأضاف البيان: إن شارون وحكومته يرتكبون اليوم هذه المجزرة التي لا تقل في وحشيتها عن جرائمهم العنصرية ضد جماهير شعبنا في كل مكان داخل الوطن وخارجه..
وطالبت القيادة الفلسطينية في بيانها مجلس الأمن الدولي ولجنة حقوق الإنسان بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني أمام حرب الإبادة والمجازر والاجتياحات العسكرية بالدبابات والمجنزرات والسيارات المصفحة والتغطية الجوية بطائرات إف 15 وإف 16، والهليوكبتر التي يواصلها شارون وحكومته وجيش احتلاله ضد الشعب الفلسطيني.. وجاء في بيان القيادة الفلسطينية: ألم يحن الوقت لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وإيقاف هذه المجازر التي يقوم بها شارون وحكومته ليلاً ونهاراً ضد أطفالنا ونسائنا وجماهيرنا وضد مدننا ومخيماتها وقرانا وبنيتنا التحتية بكافة جوانبها ومؤسساتها الرسمية والشعبية..
|