Wednesday 10th March,200411486العددالاربعاء 19 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رأي اقتصادي رأي اقتصادي
الإرهاب بعيون اقتصادية (2/2)
د. محمد اليماني

في إطار مناقشة الاقتصاديين لتداعيات الإرهاب الاقتصادية وآثاره على العديد من المتغيرات الاقتصادية توصلوا إلى مجموعة من النتائج والتي تحتاج إلى مزيد من الدراسة والبحث، ذلك أن هذه الأبحاث لاتزال في بداياتها. وقد وجد الاقتصاديون أن هناك علاقة طردية بين الإنفاق العسكري والأمني وتزايد الحوادث الأمنية.
وربما لا يكون ذلك مستغرباً بل متوقع، لكن المزعج أن هذه الزيادة في الإنفاق تكون على حساب الإنفاق على التعليم والصحة والبنية التحتية وبرامج الرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي ويتزامن هذا مع الأثر السلبي الذي يحدثه الإرهاب على حصيلة الضرائب في الدول التي تعد الضرائب العمود الفقري لإيرادات الحكومة.
ويمتد الأثر السلبي للإرهاب ليشمل الاستثمارات سواء المحلية أو الأجنبية. فحالة عدم الاستقرار التي يعيشها المجتمع الذي يتعرض لحالة من الاختلال الأمني لا يتمكن من توفير البيئة المناسبة القادرة على تشجيع الاستثمارات وجذبها مهما كانت الحوافز الإدارية والمالية والاقتصادية المتاحة , وربما تطور الأمر وانخفض الطلب على الأصول المنتجة مثل رأس المال وزاد على الأصول غير المنتجة مثل الذهب , وذلك نتيجة طبيعية لسيادة روح التشاؤم وعدم وضوح الرؤية المستقبلية لدى المستثمرين وأصحاب الأموال في المجتمع. وفي أحيان أخرى يزداد الأمر سوءاً فيفقد الناس ثقتهم في العملة المحلية تدريجياً، الأمر الذي ينذر بفقدان الثقة في الاقتصاد ككل. وبسبب ذلك يبحثون عن ملاذ أكثر أمناً لثرواتهم ومدخراتهم بعيداً عن الأصول المحلية والعملة الوطنية والتي ستعاني حتماً من انخفاض في سعر صرفها.
تبدو الصورة التي يرسمها الاقتصاديون لآثار الإرهاب الاقتصادية قاتمة بعض الشيء لكنها متوقعة بل وملموسة في البلدان التي عانت أو مازالت تعاني منذ مدة زمنية طويلة نسبياً من الإرهاب والعنف والنزاعات المسلحة الداخلية. ويضيف الاقتصاديون إلى هذه القائمة من الآثار السلبية توقعهم بتدني معدل النمو الاقتصادي ودخول المجتمع في ركود اقتصادي مصحوب عادة بارتفاع في المستوى العام للأسعار.
كما بينت الدراسات التي أجريت عن قيمة الأمن النقدية لدى الأفراد أنهم على استعداد للتخلي عن أكثر من 6% من قيمة إنفاقهم السنوي المالي مقابل العيش في مكان أكثر استقراراً من الناحية الأمنية. وبعبارة أخرى، فإن الأفراد سيقبلون بمستوى معيشي أقل من مستواهم الحالي بأكثر من 6% مقابل توفير بيئة أكثر أمناً لهم.
وفي جميع الأحوال، فإن هذه الدراسات لم تأخذ في الاعتبار تكاليف إعادة إعمار ما ينشأ عن الإرهاب والعنف من دمار مادي في المباني والبنى التحتية، إضافة إلى تكاليف إعادة الثقة بين أفراد المجتمع وفي المجتمع وترميم البناء المجتمعي بشكل عام. اخذاً في الاعتبار، أن كثيراً من الآثار السلبية للإرهاب والعنف لايتم التخلص منها بشكل سريع بل تحتاج إلى أمد طويل.
وتتفاقم الآثار السلبية للإرهاب بكافة أنواعها متى صور للمجتمع المحلي أو للمجتمعات الخارجية على أنه أصبح سمة لهذا المجتمع وأنه ظاهرة عامة. وتلعب وسائل الإعلام من صحافة وتلفزيون وإذاعة دوراً هاماً في هذا الأمر. فمن غير المناسب أن يصبح الناس ويمسون وهم يشاهدون أو يسمعون أو يقرؤون عن الإرهاب والعنف حتى ليتصور من يعيش خارج الحدود ويتابع وسائل الإعلام المحلية أننا نعيش حرباً أهلية أو أن الاختلال في الأمن قد وصل إلى درجة لا تسمح للشخص العادي بمزاولة حياته الطبيعية. وربما عانى المجتمع من الآثار السلبية للإرهاب والعنف وهو لم يعشه واقعاً في حياته.
إن التوازن في مناقشة القضايا المحلية ووضعها في إطارها الصحيح بدون مبالغة والشفافية في تناولها يجنب المجتمع كثيراً من المشاكل التي ربما لا يكون الإرهاب سبباً فيها بقدر ما هو استغلال بعض الأحداث بطريقة سيئة بدون إدراك لما يمكن أن يتسبب فيه ذلك من تنغيص لحياة الشخص العادي.
وبلغة الاقتصاديين لا نريد أن نقيم سوقاً للآثار السلبية الخارجية للإرهاب بدون أن نشعر وربما تكون آثار السلع التي تتداول فيها أشد وطأة على المجتمع من الإرهاب نفسه. فالآثار السلبية للإرهاب ليست مرتبطة به وحده بل وبالطريقة التي يتم بواسطتها التعامل معه وما تتركه من آثار وانطباعات نفسية لدى المستهلكين والمستثمرين والتي لها أبلغ الأثر في قراراتهم الاقتصادية.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved