يبدو أننا استسهلنا عملية التذمر من السياسات الغربية التي لا تتوانى في كيل التهم لنا واتهامنا بالإرهاب والرجعية، وإن أرادوا اللطف بنا يصنفوننا تحت مسمى الأصولية المتزمتة أو الوهابية.
ولا تزال الأبواق الإعلامية تلك تحاول دون يأس النيل منا، أو على الأقل محاولة صرفنا عن قضايانا الأساسية إلى قضايا وأمور ثانوية تتركز كلها في الدفاع عن أنفسنا بإمكاناتنا الذاتية المحدودة أمام ماكينة الدعاية التي لا تقف ولا ترعى ذمة أو ضميراً في دورانها.
لكننا نسهم من حيث ندري ولا ندري في زياة جذوة الهجمة علينا، وذلك من خلال أمرين أساسيين نقترفهما بحق أنفسنا، حتى ولو لم نكن قاصدين ذلك الأول..أننا ننطلق في التصدي لهؤلاء بمواقف اجتهادية بعيدة عن روح المناظرة العلمية، وتفتقر إلى أسلوب البحث العلمي المنظم، أو المنطق الحضاري المنسق مع قضايانا العادلة، وهو لعمري منفذ لهؤلاء علينا وغلبة لهم لا نستطيع لها دفعاً ولا رداً إلا إذا قمنا بحقنا وحق قضايانا ووقفنا أمام أنفسنا وانطلقنا ننظم استراتيجيات جديدة ومناسبة لواقع وظروف العالم الجديد.
أما الأمر الثاني.. فهو أن بعضاً منا يرى في الأجنبي المخلّص والمتنفس، فيلقي بكل لواعج صدره وعقله بين أيدي هؤلاء، ليكون كمن يأتمن الذئب على حمله الوديع!
في آخر حديث لي مع إحدى صحفيات (نيويورك تايم)..إليزابيث روبن، التي استمعت إليّ طويلاً وأنا أعاتب وأرد على ما ينشر من تطاول علينا في بعض الصحف الغربية بما يجافي الكثير من الواقع والحقيقة التي لا ندعي بأننا فيها مثاليون. وأذكر أنني سألتها: (لماذا هناك تركيز على السلبيات لدينا، بينما يُغفل عن ذكر الإيجابيات التي نسمعكم تطرونها أمامنا؟) قالت إليزابيث.. ما نكتبه من سلبيات لا نبتدعه، وقد لا نبحث عنه لكن هناك من يتطوع لتزويدنا به فنعتقد أنه يريدنا أن ننقله في وسائلنا لنساعده عليه، ونفاجأ بعد ذلك أنه يعاتبنا على ذلك! مثال ما أقول إن بعض النساء قد نقلن لنا شكواهن من مصادرة كثير من حقوقهن الاجتماعية والسياسية، وحين كتب ذلك في الصحف قيل إن الغرب يهجم علينا من خلال مواقف عدائية!
هذان أمران يجب أن ننتبه إليهما جيداً، ولنتذكر قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (من عرف لغة قوم أمن شرهم) مع اعتبار لمعنى كلمة لغة هنا أنه يتجاوز المعنى الكتابي أو الخطابي، وهو ما يعني أننا في حاجة إلى تطوير لغتنا لتناسب رؤانا وتطلعاتنا وتطوير سبل التواصل مع الآخر، الذي لا بد لنا من أن نفهمه ونُفهمه.
أما لجلجة اللسان التي لا نفتأ ننطلق منها أمام كل غريب كوننا نعاني عقدة الأجنبي (فنتبرع بالفضفضة له دون حساب) كونه لن يفضحنا أو يكشف سرنا، لنجده بعد ذلك يستخدمنا ضدنا ويضربنا بنا!
الذي فاجأني وهو الأمر الثالث أن هناك منا من يرى وجوب إهمال الآخر، ويحرم التعامل معه، بل ويطور أدواته الرافضة إلى حد الإرهاب ليرد المختلفين عنه.
المختلفون معنا يستخدمون ضدنا أرقى السبل والأساليب لغلبتنا فيسمعون جيداً.. ويفهمون جيداً.. ويعملون جيداً.. للتعريف بأنفسهم بما يخدم مصالحهم بينما لا نزال نفهم الأمر كله بطريقتنا الخاصة التي تنص على أننا لا نسمع.. ولا نريد أن نفهم.. ولا نحب أن نعمل.. وتاليتها.
فاكس:2051900 |