Wednesday 10th March,200411486العددالاربعاء 19 ,محرم 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

التقويم الهجري التقويم الهجري
مالك ناصر درار

ان الهجرة النبوية بوصفها الذي أراده الله لرسوله الكريم لاشك أن وضع الاسلام والمسلمين قد تغير بهذه الهجرة التي قام بها الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة. وانتشار الدعوة الاسلامية.. حيث أصبح للمسلمين منذ ذلك الحين قوة لا يستهان بها وبدأت لهم في المدينة المنورة من الناحية العلمية دولة، تولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رئاستها.
وكانت هجرته صلى الله عليه وسلم فاتحة خير على الاسلام والمسلمين، وذات أثر بالغ في التاريخ، عرف لها المسلمون فضلها، وقدرها حق قدرها، ومن هنا جاء اتفاقهم على أن تكون مبدأ لتاريخهم تحقيقا لجمع كلمة المسلمين، واعتباراً لمصلحة عليا، وبعداً عن التقديس الشخصي، ولاشك ان المصلحة العليا هي التي فرضت على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يجعل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم مبدأ للتاريخ العربي والاسلامي، باعتبارها أعظم حدث في تاريخ الاسلام.. ولأنها كانت مبدأ نصر الله لرسوله واعزازه لدينه، وقد واجه عمر رضي الله عنه بهذا التاريخ تاريخ الفرس وتاريخ الروم، فإذا هو أعظم منهما ضياء، لأنه يمثل أجل حدث في تاريخ العالم، كما كان العرب الى ذلك الحين يؤرخون لعام الفيل حينا، وببعض أيام العرب الكبرى حينا آخر.
المحرم
كانت السنة العربية القمرية مستخدمة في التقويم الجاهلي من قبل الاسلام بأمد طويل.. ويطلق اسم (المحرم) على الشهر الاول من شهور السنة العربية القمرية.. وكان لشهورها في أقدم العهود أسماء أخرى غير الأسماء المعروفة الآن وان اختلف الرواة في تحديد تلك الأسماء.. وكان آخر تقويم قبل الاسلام يبدأ من عام الفيل، أي من حادث غزوة أبرهة لمكة ومحاولته هدم الكعبة، وهو العام الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تغير هذا التقويم في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجعله من هجرة الرسول الى المدينة المنورة مع تقديمه شهرين وبضعة أيام حتى يتفق مبدأه مع أول السنة العربية، وذلك أن التقويم الحالي بدأ من أول المحرم مع أن الهجرة كانت على الراجح يوم الاثنين الثامن من ربيع الأول بعد مبعث الرسول عليه الصلاة والسلام بثلاثة عشر عاماً على أرجح الأقوال.
يوم الاثنين
ومما تجدر الاشارة إليه أن الهجرة كانت يوم الاثنين لحديث شريف عندما سئل عن سبب تكريمه ليوم الاثنين ان قال ما معناه:(هذا يوم ولدت فيه وبعثت فيه - أو أنزل عليه فيه - وهاجرت فيه) ولكن كان الاختلاف يرتكز على تساؤل وهو في أي يوم اثنين؟ من النصف الأول من ربيع الأول - فذكروا يوم 2 و8 و12 من الشهر المذكور.
وفي كتاب التقويم العربي قبل الاسلام للمرحوم محمود حمدي باشا الفلكي تناول هذا الموضوع فأثبت فلكياً أن أول ربيع الأول من السنة المذكورة بالنسبة لهلال مكة كان يوم الاثنين - ومن المقارنة مع التاريخ العربي الذي أجمع المؤرخون على أن الهجرة وافقت عاشوراء اليهود في العاشر من تشرين الأول (شهور سنتهم المدنية) فقد توصل رحمه الله أن الهجرة كانت يوم الاثنين 8 ربيع الأول سنة 1 هـ الموافق 20 سبتمبر سنة 622م.
المؤرخون والحساب الفلكي
ولكن بعض المؤرخين ذكروا أن الهجرة كانت يوم 11 ربيع الأول، وهذا يخالف الحساب الفلكي الذي يثبت ان يوم 12 ربيع الأول وافق الجمعة وليس الاثنين كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطأ هؤلاء المؤرخين أنهم جمعوا بين يوم الأسبوع والتاريخ فواضح من الحساب الفلكي المذكور ومن أقوال المؤرخين أن الرسول عليه الصلاة والسلام وصل (قباء) ضاحية المدينة يوم الاثنين 8 ربيع الأول ومكث بها أربعة أيام ودخل المدينة يوم الجمعة 12 ربيع الأول فيكون التاريخ الهجري سابقاً للهجرة الحقيقة بـ67 يوماً.
وهذه حقيقة ذكرها أبو الريحان البيروني في كتابه (الآثار الباقية من القرون الخالية ص 30) كما ذكرها أبو الفداء في كتابه (المختصر في تاريخ البشر الجزء الأول صفحة 124).
اتساع نظام الدولة
ومع اتساع الدولة الاسلامية احتاج المسلمون الى تقويم لتنظيم جباية الخراج، ولتوقيت المكاتبات (بين السلطة المركزية في المدينة) وبين الولاة في الاقليم فاجتمع بالصحابة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب واتفقوا على اعتبار أول التقويم أو السنة التي كان فيها الهجرة، والمتواتر بين المؤرخين ان هذا الاتفاق كان سنة 17هـ. ولكن الطبري يقول في كتابه (تاريخ الأمم والملوك) ان هذا الاتفاق كان سنة 17 أو 18 كما أن البعض يحدده باليوم في 20 جمادى الآخر سنة 17هـ كما أن البعض يحدده باليوم في 20 جمادى الآخر سنة 17هـ. وذكر البيروني في كتابه أن المسلمين كانوا يسمون السنوات العشر الأولى من الهجرة حتى وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بأسماء: سنة الآذن وسنة الأمر والتمحيص والترفئة والزلزال والاستئناس والاستغلاب والاستواء والبراءة..
أما السنة العاشرة فكانوا يسمونها سنة الوداع كما كانوا يستغنون بذكرها عن عددها.. واتبع المسلمون التقويم الهجري لارتباط حساب شهوره القمرية بالعبادات كالصوم والحج.. وبكثير من قواعد الفقه كالعدة والنفقة وغيرهما، كما سميت بعض شهور السنة العربية بأسماء تشير الى أحوال جوية خاصة، فمن ذلك ربيع الأول والآخر وكلاهما يشير الى أن فصل الربيع أو فصل الخريف لأن العرب تسمي الخريف ربيعاً وجمادى الأولى وجمادى الآخرة كلاهما يشير الى فصل الشتاء إذ يجمد الماء ويتساقط الجليد ورمضان من الرمض وهو شدة الحر فهو يشير الى عنفوان فصل الصيف.
محرم ومكانته المقدسة
لشهر محرم في الاسلام مكانة مقدسة خاصة، ولذلك سماه الرسول عليه الصلاة والسلام شهر الله ولم يندب عليه السلام الى صيام كامل على سبيل التطوع غير شهر محرم وجعله أفضل صيام بعد رمضان فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ فقال: شهر الله الذي تدعونه (محرم) رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
ويظهر أنه كان له كذلك مكانة خاصة في نفوس العرب في الجاهلية، بدليل أنه من بين الشهور الأربعة الحرم قد اختص بالاسم الذي يدل صراحة على حرمته والأشهر الحرم هي - ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب - وسميت بالأشهر الحرم لحرمة القتل والقتال فيها.
ومنذ هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تغير وضع الاسلام والمسلمين بانتشار الدعوة الاسلامية، فأصبحوا منذ ذلك الحين قوة لا يستهان بها، وسيظل حادث الهجرة في سماء مجد الاسلام والمسلمين درة في جبين تاريخ الانسانية خالداً.. ما دامت البشرية لها مكان ومكانة في هذه الحياة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved