تفاعلاً مع ما طرحته الجزيرة في ندوتها عن البطالة في صفحة اقتصاد أقول: إن النيات الصادقة والرغبات المتأهبة للإصلاح حتى ولو تحولت إلى قرارات قد لا تحقق الآمال المنشودة في التغيير ومعالجة السلبيات إذا واجهت عقبات وعوائق متجذرة يصعب اجتثاثها إلا بعد مواجهة تيارات وفئات منتفعة من هذه الأوضاع ستستميت في مدافعة أي محاولات لإصلاح هذه الأوضاع مستغلة ما تملكه من نفوذ أو جاه أو أساليب ملتوية لإبقاء الأمر على حاله، خاصة إذا كان هذا التغيير قد يقلب هذه الأوضاع رأساً على عقب بالنسبة لها، ويفقدها مكاسب ومصالح تجنيها من هذا الوضع الشاذ، وفي رأيي أن من أخطر الأمور التي تهدد البنية الاقتصادية والاجتماعية بالتأزم ما سيجلبه ذلك الوضع القائم من التستر التجاري إذا قدر له الاستمرار من مؤثرات سلبية على باقي الأوضاع، ومن أهمها البطالة والأوضاع الأمنية والاجتماعية، وفي ظل هذه المعالجات الجزئية والأطروحات السطحية التي تستفرغ جهدها في التركيز على هامش المشكلة دون الدخول في أعماقها ومحاورها الرئيسة، وأن التركيز مثلاً على توجيه المواطنين بالكلية إلى المهن البسيطة كأسواق الخضار والماشية وسيارات الأجرة ومهن البيع في المحلات التجارية توجيه غير رشيد، فهذه المهن لا تتناسب مع مؤهلات وتخصصات جميع الشباب المتأهب للالتحاق بأعمال منتجة، وإنه لمن الخسارة المتحققة أن نصرف على الشباب مبالغ وجهودا مضنية لتعليمهم حتى يصلوا إلى مراحل متقدمة من التعليم الذي قد يبلغ المستوى الجامعي، ثم نقول لهم لاخيار لكم إلا الانخراط في مثل هذه المهن، وإذا عزفوا عنها أمطرناهم بوابل من اللوم والتأنيب بحجة أنهم مترفون وغير جادين في الرغبة بالعمل. إني أعجب من هذا التوجه الذي يريد أن يحول شبابنا إلى عمالة بسيطة تعطل مداركها وقدراتها الفكرية والعقلية في زمن علا فيه سوق التقنية وتسخير الآلة والجهاز لخدمة الإنسان في جميع مجالات الحياة مما يحتم امتلاك أسرارها ومعرفة علومها، وهذا التوجه قد ينم عن فقد ثقة مفرط في قدرات شبابنا الذين ينبغي أن نمنحهم الثقة في تحمل المسؤوليات دون تعميم وصف خاص سلبي لفئة قليلة على الجميع، إننا لن نستطيع حل مشكلاتنا إلا إذا طرحناها بشفافية وصراحة متناهية تشخص الداء وتصف الدواء. إن طرح قضية التستر على أنها محدودة في جوانب العمالة البسيطة أو في محلات البيع الصغيرة، وأن مجرد معالجة ذلك سيحقق لنا إحلال السعودة في جميع وظائف القطاع الخاص، تسطيح مخل للمشكلة، وإمعان في زيادة تأزمها. إن قضية التستر قضية محورية، وهي من القدم والتجذر في مجتمعنا، بما لا ينفع معه معالجات عابرة، فلقد استوطنت حتى احتلت مواقع رئيسة من مفاصل الاقتصاد، لا أبالغ إن قلت :إن هنالك مؤسسات وشركات ومصانع ومحال كبرى تعمل تحت سقف التستر، مما جعلها تضرب سوراً من الحصار على أي محاولة لكشف أسرارها حتى إن لجان مكافحة التستر التجاري التي لا تزال تراوح مكانها نتيجة ضعف قدراتها وتواضع السلطات الممنوحة لها تقف عاجزة عن دخول حصون هذه المؤسسات وكشف أسرار التستر المتفشية بها، وإذا قيل لي أثبت ما قلته فأقول هيهات لي أن أصل إلى ذلك، وقد عجزت لجان مكافحة التستر الرسمية عن إثباته، لكن جميع المؤشرات التي لا تخطئها عين تدل على أن عدداً ليس قليلا من هذه المؤسسات مملوكة، وتدار من قبل عناصر وافدة يدعمها إسناد شكلي من عناصر وطنية المنشأ بالجاه والنفوذ الذي لا يستطيع أحد مقاربته مع مكاسب آنية تجنيها متجاهلة الضرر المتحقق من ذلك على المجتمع، وإن القول: بإمكانية تصحيح أوضاع هذه الكيانات التي تعمل تحت مظلة التستر قول غير عملي في ظل إجراءات عاجزة وغير فاعلة لإيجاد حلول ناجحة لمشكلة التستر التجاري من هذا النوع الخاص، حتى أضحت هذه المؤسسات حكراً على العناصر الوافدة، وإذا وجدت فيها عاملا وطنيا، فهو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، وماله من دور سوى تكريس الخداع للإبقاء على هذا الواقع المريض. إن قضية البطالة قضية محورية ومهمة تتطلب معالجة جادة وحازمة ينبغي أن يتغلب فيها الحس الوطني على الأطماع الشخصية، وإذا لم يستشعر الجميع المسؤولية الكبرى تجاه هذه القضية، فإن جميع المحاولات التي تقوم بمعالجتها ستراوح مكانها في وقت تتزايد فيه حدة هذه المشكلة مع التدفق الهائل لهذه الأجيال الشابة المتأهبة للعمل التي سنجد أنها مع تزايدها قد وصلت إلى درجة من التضخم والشمول بقدر يصعب معه الحل، لذا وجب التدارك قبل فوات الأوان مع تخطيط جاد وبعيد المدى لإحلال المواطن في جميع المهن الإدارية والمهنية التي تتطلب مهارات عالية، وأن يتم ذلك في تناغم مستمر يجمع بين التدريب والتوظيف، وكسب الخبرات، ووفق استراتيجية علمية مسنودة من أعلى المستويات لتجاوز الحواجز والعقبات، حتى نصل إلى الحل الأمثل الذي سيتعدى نفعه مجرد التوظيف والقضاء على البطالة إلى تنشيط الاقتصاد الوطني، وحفظ ثروات الأمة من الاستنزاف وتحقيق الإصلاح الإداري والاقتصادي المنشود. والله الموفق.
محمد بن علي آل خريف
ص.ب 31886 الرياض 11411 |