* رؤية - عساف مطلق البراق:
للأمسيات الشعرية دور كبير في نشر الشعر، وإيصال رسالته للمتلقي، في جو مناسب، ومكان مناسب، يضمن للشعر خصوصيته، وللمتلقي استمتاعه.
وسأتكلم في هذه العجالة عن أمسيات " هلا فبراير" للشعر الشعبي وهي جزء من البرنامج الاحتفالي لهذا الشعر في دولة الكويت الشقيقة، وهي كفكرة لا غبارعليها، كما أن توقيتها ومكان إقامتها مناسبان، ولكن نجاح أية أمسية لا يعتمد فقط على ذلك، بل يعتمد ايضاً على حسن تنظيمها، واعدادها اعداداً جيداً، والإعلان عنها، واختيار الشعراء المؤهلين لتسنم طاولة الشعر فيها، بالإضافة إلى الحضور الجيد من متذوقي الشعر ومحبيه وليس جمهور الفزعة والبهرجة والتصفيق، وهذا للأسف ما افتقدناه في أمسيات «هلا فبراير» منذ إقامتها وحتى هذا العام، فمازال مسلسل الفشل يتواصل مع كل أمسية تقام، وهذا الكلام لا أقوله جزافاً، ولكن وفقاً للمعطيات التالية (وهذا مُشاهد من خلال أمسيات هذا العام والأعوام السابقة) ولكم الحكم.
1 - أحد الشعراء المعروفين من شعراء الدولة التي يقام فيها مهرجان «هلا فبراير» وهو ضمن الشعراء المشاركين في أمسيات هذا العام حضر لأمسيته التي يشترك فيها معه شاعر آخر لا يقل عنه شهرة وضوءاً، وهو مدجج بمجوعة من أقاربه وأصدقائه (ليقتحم) بهم القاعة، التي امتلأت عن بكرة أبيها بالجماهير، محاولا إدخالهم معه، ولكن رجال الأمن منعوه من ذلك، إذ إن هناك الكثير من الجماهير منعوا من دخول القاعة لاكتظاظها، وليس من العدل إدخال هؤلاء وترك الباقين ينتظرون في الخارج، وعندما أصر رجال الأمن على عدم إدخالهم، رفض الشاعر دخول الأمسية، وبالحاح من أقربائه وأصدقائه قرر دخول الأمسية، وأتساءل: هل حضر هذا الشاعر من أجل اصدقائه وأقاربه أم من أجل الشعر وجمهور الشعر؟
2 - كثرة الحضور - وهو ليس بالضرورة مقياس نجاح - يثير أكثر من علامة استفهام، فهل حقق الشعر الشعبي هذه الجماهيرية الساحقة عن جدارة؟ وهل الجماهيرية للشعر أم للشعراء؟ وهل أغلب من يحضرون الأمسيات ممن يتذوقون الشعر ويفهمون مفرداته ويستنبطون معانيه؟
أشك في ذلك، والشعر مقياسه بالكيف وليس بالكم، وكذلك الجمهور.
3 - التزاحم عند أبواب الأمسيات، والاشتباكات التي تحدث بين الجماهير ورجال الأمن، لا مبرر لهما، إذ إنه ليس من حقوق الشعر علينا نشر الفوضى وعدم الانضباط، كما أن هذه التصرفات ليست من سمات الجمهور الذي يحضر لأجل الشعر والشعر فقط.
4 - بعض الأسماء المشاركة في أمسيات هذا العام سبق وأن شاركت في أمسيات في أعوام سابقة، ولا أدري ما سبب اصرار اللجنة المنظمة للأمسيات على ذلك، وعلى ماذا تبني اختيارها، هل على وزن الشاعر (بالكيلوجرام) أم على حرارة الشعر أم لشهرة الشاعر وكثرة أتباعه ومعجبيه ومعجباته؟
ولست أدري هل انقرض الشعراء حتى لم يبق إلى هؤلاء سؤال موجه للجنة؟
5 - اللجنة المنظمة لأمسيات «هلا فبراير» يرأسها منذ أعوام رئيس تحرير مجلة المختلف - مع احترامي لشخصه - ولا أدري هل هو الوصي على الشعر أم هو اكبر الشعراء شعراً وسناً؟ وهناك أناس أحق وأعرف بالشعر منه، ومجلة (المختلف) بالمناسبة كانت ومازالت صاحبة مبادرات مسيئة إلى الشعر والتراث، ولم تكتف بتلطيخ الشعر فقط، بل تجاوزت ذلك إلى تلطيخ التراث الشعبي، وذلك من خلال المؤلفات الصحفية (التراثية والتاريخية) عن الفرسان وأخبار القبائل وأمرائها والقصص الشعبية والتراث بشكل عام، والتي كانت عبارة عن لقاءات وبحوث صحفية على صفحات المجلة، ومن ثم قامت المجلة بطباعتها في كتب خاصة، مفتقرة - أي الكتب - إلى أدنى متطلبات الأمانة الأدبية والمصداقية التاريخية، والهدف من وراءها بالطبع الكسب المادي السريع، ولو كان على حساب تراث الآباء والأجداد، ولعل من أشهرها وأبرزها كتاب العزاوي والألقاب لابراهيم الخالدي - مشرف ملحق وسم التراثي بالمختلف - وهو أيضاً الذي حقق كتاب (تحفة المشتاق) للبسام تحقيقاً لا يعتمد على أصول المنهج العلمي في التحقيق والمقابلة.. وهلم جرا.
6 - أحد الشعراء القطريين الذين برزوا في الآونة الأخيرة، وضخمهم الإعلام، واحتضنتهم مجلة المختلف، ألقى قصيدة نارية لا تستحق النشر في الأمسية التي شارك فيها بمهرجان «هلا فبراير» هذا العام، ومنها ثلاثة أبيات هوجي وقذع بسببها لأن البعض يقول إنها تحمل إساءة للكويت، وأنا لا أحمل الشاعر وحده المسؤولية في ذلك - كونها أول أمسية جماهيرية يشارك فيها - بل أحمل اللجنة المنظمة للأمسيات المسؤولية أيضاً لأنه من صميم اختصاصها الاطلاع على قصائد الشعراء قبل بدء الأمسية لئلا يكون فيها تجاوز للدين أو الأدب والذوق، فذائقة الجمهور ليست ملكاً للشاعر وحده، ويجب حمايتها من التلوث وتطورت قضية الشاعر حتى تدخل فيها أعضاء من مجلس الأمة,
ومازال الجدل محتدماً فيها إلى الآن.
7 - اختلاط الرجال بالنساء في قاعة واحدة دون ساتر بينهم، أمر لا يجوز اطلاقاً، وفيه خروج على دائرة الشعر واحترامه، وهذا ما حدث ويحدث بالفعل في أمسيات «هلا فبراير» منذ إقامتها وحتى هذا العام.
8 - بعض القصائد التي قيلت في أمسيات هذا العام فيها من الكلام المخجل ما لا يقال ولا حتى ينشر، والكلام موجه لمن يريدون تغيير المفردة الشعبية لتتناسب مع العصر، فمن شاهد أمسيات «هلا فبراير» وغيرها يجد مفردات (منيح، مابدي، لعنبوك، بلشنا، يخرب بيتك) وغيرها الكثير من المفردات المستعارة من هنا وهناك التي لا تمت لبيئتنا بصلة.
بعض الشعراء - الذين يحافظون على احترامهم وعلى احترام الشعر - تلح عليه ليسمعك من قصائده، ولكنه يأبى، ليس خجلاً منك، ولكن خشية أن تنتقد قصيدته، أو ألا تحوز على إعجابك (مع أن رضا الناس غاية لا تدرك)، ولكن الآن بعض الشعراء لا يتورعون عن القاء قصائدهم بمناسبة أو بدون مناسبة في أمسية أو حتى في ملاهِ للأطفال.
9- سلوك بعض الشعراء أسلوب الوصف الحسي والخطاب المباشر للمرأة - وهذا شائع عند جيل الشعراء الجدد الآن - وتمثل ذلك في بعض شعراء «هلا فبراير»، فأصبحوا يتوجدون على الخدود والقدود والعيون وحتى المشية والحركات وماركة العطر والماكياج، وهذا لا يجوز في الشعر الغزلي العفيف البريء، ويصور الشاعر نفسه كما لو كان يتخاطب وجهاً لوجه مع موصوفته فتجد مفردات (جيتك، وقلتيلي، يا خاينة، مارديتي على الجوال) التي تحرض على الخروج على العادات والتقاليد وسلخ الحياء، أضف إلى ذلك التناقض الواضح في الكثير من أبيات القصيدة الواحدة - أو بين القصيدة والقصائد الأخرى للشاعر - فتارة يضع موصوفته فوق رأسه، وتارة (تطيح من عينه)، وتارة هو العاشق الجبار المتغطرس وتارة هو العاشق المستكين الروماني الحالم، تناقض عجيب لا أجد مبرراً له سوى أننا في عصر انقلاب المفاهيم، وتقاطع الجمل، وهذه القصائد أقرب ما تكون إلى القصائد الغنائية منها إلى الشعر الشعبي.
10- الشاعر حامد زيد مازال متشبثاً بالقصيدة المحشية ولا أظنه يحسن غيرها، واتي فيها اقحام لكثير من المفردات والألفاظ والتصاوير، والقصيدة بالبلاغة والإيجاز وليس بالكثرة والإعجاز، أما بالنسبة لخالد المريخي فقد شارك وأغلب قصائده قديمة، ولم يأت بشيء جديد يذكر.
11- الأمسية التي شارك فيها الشاعر عبدالرحمن رفيع، مع أني أتحفظ على مشاركته - لانه ليس شاعراً شعبيا بل عامياً - والشاعر طلال السعيد وشاعر (مبتدئ) اسمه فهد السكران، كانت امسية ضاحكة، أضف إلى ذلك رداءة القصائد - وخصوصاً من الشاعر عبدالرحمن رفيع والشاعر السكران - التي قيلت فيها باسثتناء بعض قصائد طلال السعيد، فإذا كان الشعراء لا يحترمون الشعر، فمعنى ذلك أنهم لا يحترمون أنفسهم
12- الالقاء مهم لايصال معنى القصيدة بوضوح وجلاء بصوت رجولي جهوري واضح يرسخ الكلمة والمعنى في ذهن المتلقي، ولكن نرى في بعض أمسيات «هلا فبراير» وغيرها قيام بعض الشعراء أثناء القاء قصائدهم بحركات وتصرفات لا لزوم لها، وكذلك تقليدهم لشعراء آخرين، وبعض هؤلاء يستغل ذلك في ستر بعض العيوب التي قد توجد في القصيدة وخصوصاً في الوزن.
13 - أمسيات «هلا فبراير» في نظر منظميها وبعض الشعراء والصحفيين والجمهور (صفوة أمسيات الشعر الشعبي). وشعرائها (صفوة الشعراء). والقصائد التي تقال فيها (أفضل القصائد) وهذا ليس بصحيح، لماذا كان المعروض رديئاً فما بالك ببقية السوق؟
14 - لا أدري لماذا نقرأ دائما عن اية امسية تقام - أو حتى ستقام - أنها ناجحة وفي الغالب بكل المقاييس (ومنها مقياس ريختر)، فأقول الإعلام له دور في تجميل القبيح، وتقبيح الجميل، وهو أمانة في يد الأعلاميين، وهو مرآة فإن كانت المرآة تقلب بدل أن تعكس فما عسانا أن نقول؟
15 - من يشاهد هذه الأمسيات وغيرها - ممن يقدر الشعر ويتذوقه - يدرك جلياً أننا لسنا بحاجة إلى أمسية ننشر غسيل شعرنا فيه، بقدر ما نحن بحاجة إلى غربلة قصائدنا وإعادة صياغتها بحيث تتقاطع مع مسار الشعر الشعبي الأصيل، وتتلائم مع مفرداتنا ولهجتنا ومع ديننا وآدابنا وعاداتنا وتقاليدنا.
16 - لا أدري ما سبب إصرار اللجنة المنظمة لأمسيات "هلا فبراير" على مشاركة الشاعر نواف الدبل - مع احترامي له ولا أعتقد أنها المرة الأولى التي يشارك فيها في "هلا فبراير" مع أن هناك من هم أحق منه وأجدر بالمشاركة من المملكة، وربما تم اختياره لأنه من أبناء مجلة (المختلف) المطيعين (الذين لا ينشرون في غيرها) والتي يرأس تحريرها رئيس اللجنة المنظمة للأمسيات، وقد تكون المحسوبية والواسطة والشللية في الساحة لعبت دورها هنا، ولا نزكي على الشعر أحداً.
هذا شيء مما استطعت رصده. ولا أتهم أمسيات "هلا فبراير" وحدها بتشويه الشعر وأبرئ ساحة غيرها، فإياكِ أعني واسمعي يا جارة.
وأرجو ألا يفهم كلامي على أنه تحامل شخصي على الجهة الفلانية، أو المجلة الفلانية، أو اللجنة الفلانية، أو الشاعر الفلاني، فما يهمني من هذا الأمر كله هو الشعر، والشعر وحده، ويجب ألا نحابي أحداً على حسابه، أو نسمع بشيوع الظواهر الدخيلة والسلبية عليه، إذا كنا فعلاً نريده أن يبقى.
وفي الختام أتمنى أن يظل الشعر صامداً أمام (هجمات الانحدار) (وموجات السخف) والتشويه، وفراشات الضوء، ليرتقي برسالته، ويمتع محبيه. والله المستعان.
|