Thursday 25th March,200411501العددالخميس 4 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

قَيْدُ النِّعَمِ قَيْدُ النِّعَمِ
سارة الدباس - الخرج

تلفت يميناً أو يساراً.. ماذا ترى؟!
أرفع رأسك فوق أو اخفضه إلى أسفل.. ماذا تشاهد؟!
حرّك رجليك أو يديك.. انظر في المرآة.. تأمل ملامح وجهك.. ثم اطلق العنان لعقلك وتذكّر نِعَم الله عليك الحسيَّة منها والمعنوية هل تستطيع حصرها؟
خذ نفساً عميقاً ودع لسانك يلهج بحمد الله وشكره على كل صغيرة وكبيرة أهداها المولى لك دون مقابل!
أخي الحبيب.. إنَّ نعم الله علينا لا تحصى ومن ذا الذي يُحصي نعم الله والله تعالى يقول {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا } فلك الحمد يارب حمداً كثيراً عظيماً ممتداً ليوم الدين.
أحبتي.. إنّ المتأمل في أحوالنا اليوم يجد الغفلة قد طرقت علينا كل باب وَأنستنا حق نعم الله علينا، فترانا نلهث في دنيا مليئة بخيرات المولى بل نكاد نعبث بها ونصرفها إلى غير ما خلقت لهُ تجاهلاً منّا وظلماً لأنفسنا مع ما نحن مقيمين عليه من المعاصي، وَلم نخشَ يوماً أن يحرمنا الله منها فنقعد نادمين نضرب كفاً على كف نندب حظنا وَقد كان أولى بنا أن نبادر نعم الله بالشكر وَما الشكر إلاّ صرفها لعبادة الله وفيما يرضيه، ألم نسمع قول الرسول - صلى الله عليه وسلم:( إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج ثم تلا: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} ) حديث صحيح.
والله تعالى إذا سأله عبده أعطاه ولم يحرمه خيراً سأله إلاَّ لخير هو أعظم منه، فإن كان عبداً صالحاً مقيماً على طاعته شاكراً لنعمه فتح الله لهُ أبواب الخير بل وازداد لهُ فيها يقول الله تعالى:
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ...} سورة الأعراف (96).
فشكر الله تعلى من أعظم القربات والعبادات وَلعلَّ أكبر شاهدٍ على ذلك أن أول آية من القرآن افتتحت بحمد الله والثناء عليه {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} حمداً كاملاً محصوراً لذي الجلال والإكرام. ربٌّ كريم إذا سُئل، عظيم إذا أعطى، قال سليمان التيمي:(إنَّ الله عز وجل أنعم على عبادِهِ بقدر طاقته وكلفهم من الشكر بقدر طاقتهم) فإن من أسباب دوام النعم وزيادتها شكر الله تعالى يقول الله تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } سورة إبراهيم (7).
شكراً باللسان منطبعاً على كل جارحة من جوارحه وعلى كل عمل يقوم به فيسخّر ما وهَبهُ الله من نعيم في طاعته، أليس الله هو المتفضل علينا بتلك النعم فإذا كانت من الله فهي هدايا عظيمة وحَقٌ علينا ألا نصرفها إلاّ إلى عظيم وَمن يكون عظيماً غير الله تعالى؟!
قال حذيفة بن اليمان:« ماعَظُمتْ نعمة الله على أحد إلاَّ ازداد حق الله عليه عِظماً».
أحبتي وَلعلي أعرض بعضاً من نعم الله لا للحصر بل للتذكير بها وما علينا إلا أن نسأل أنفسنا بصدق: هل أدينا حق الله على هذه النعمة؟! وما ذلك إلا لنبادر نعم الله بالشكر قبل حلول الزوال.
{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} سورة لقمان (12).
فمن تمام نعم الله علينا أن جعلنا مسلمين وبيَّن لنا طريق الحق الواضح {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} فتخيَّل نفسك لو أنَّك وُلدت كافراً تتخبط في ظلمات الكفر لا يَقرُّ لك قرار، مضطرب النفس قلقاً حائراً كل يوم لك دين.. وكل لحظة لك إله أليست حياة البهائم تلك الحياة التي يعيشها الغرب الكافر عُبَّاد الشهوة والرذيلة.. نعم لقد أمروا هم بذلك.. فاحمد الله على استقرار نفسك وهدوئها في ظل شريعة هي من أكمل وَأعظم الشرائع الربانية وَاحمد الله أن اختارك من بين الناس لتكون مسلماً وجعل عبادتكم له وحده فهل تستوي أنت ومن يعيش حياة التشتت في العبادة بين عدة معبودات؟
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} سورة الزمر (29)
ثم نعمة أخرى لا نكاد نهنأ بعيش ولا نستلذ بنوم إلاَّ بوجودها ألا وهي نعمة الأمن ، أرأيتم كيف قضت مضاجعنا وَأقلق حالنا تغيُّر أحوال بلادنا الغالية في الفترة الماضية؟ أما استشعرنا في تلك الظروف أحوال إخواننا المسلمين في بقاع الأرض في فلسطين وَالعراق وغيرها وهم يعيشون تحت قصف المدافع والصواريخ؟
أما حمدنا الله من تسوّلُ لهُ نفسه الفساد وَترويع الآمنين فليتق الله في تفريطه وَإنكارِهِ لهذه النعمة { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} سورة الأنفال (30).
ونعمةٍ أخرى لا تقل أهمية عن سالفتها ألا وهي نعمة العافية.. انظر أخي إلى من هم على السرر البيضاء ليلهم كنهارهم، قد علت أصواتهم بالزفرات والأنين، هل فكرت يوماً في حالهم وَأنت ترفل في ثوب الصحة والعافية فحمدت الله عليها ودعوت لهم فهي دعوة لك قبل أن تكون لهم؟
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:( كل سُلامى من الناس عليه صدقه...) رواه البخاري ومسلم والسُلامى هي أعضاء جسم الإنسان ومفاصله.
إن نعمة العافية والأمن إن توافرت لك فهي الدنيا صارت في يدك ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أصبح آمناً في سربهٍ، معافى في بدنه، عنده قوت يومِهِ فقد حيزت لهُ الدنيا بحذافيرها) حديث صحيح
يقول الله تعالى {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}.
قال ابن عباس: النعيم: صحة الأبدان والأسماع والأبصار يسأل الله العباد: فيم استعملوها وهو أعلم بذلك منهم.
وقال ابن مسعود: النعيم الأمن والصحة وأخرج الترمذي وابن ماجه (أن أول مايسأل العبد عنه يوم القيامة فيقول الله: (ألم نُصحَّ لك جسمك ونرويك من الماء البارد).
وشكر الجوارح لايكون إلاَّ بصرفها إلى طاعته، فلا نلهج إلا بذكره ونترك فضول النظر فيما يغضبه ونطهر أسماعنا من مزامير الشيطان وصوت الخفا ولانخطو خطوة إلا بعد أن نحاسب أنفسنا لمن هذه الخُطأ؟ فإن كانت لله مضينا وَإن كانت لغيره رجعنا.
يقول الله تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} سورة النور(63).
ومن أعظم الشكر ذلك الذي يكون في بلاء المؤمن، فيبتلي الله عبده المؤمن ليرى قوة إيمانه وثبات أركانه، فإذا حمد الله وهو في تلك الحال كان له من الجزاء يوم القيامة ما ينسيه حَّر المصيبة ومرارتها في الدنيا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم فيقول: ماذا قال عبدي؟! فيقولون: حمدك واسترجعك، فيقول: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد) رواه الترمذي والإمام أحمد وابن حبان.
فالشكر عبادة يجزى المؤمن عليها، وَلما عرف عدو الله إبليس قدر مقام الشكر وَأنه من أجل المقامات وأغلاها جعل غايته أن يسعى في قطع الناس عنه فقال:{ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} سورة الأعراف (17).
وانظر أخي إلى كرم الله ورحمتِهِ فهو ينعم على العبد ليشكره فيرضى عنه ويغفر ذنبه، ذكر ابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( ما أنعم الله على عبدٍ نعمة، فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله لهُ شكرها وما علم الله من عبدٍ ندمه على ذنبٍ إلا غفر الله لهُ قبل أن يستغفره وَإن الرجل ليشتري الثوب بالدينار فيلبسه فيحمد الله فما يبلغ ركبتيه حتى يغفر لهُ).
وقد ثبت في صحيح مسلم عنهُ صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها).
قال عمر بن عبدالعزيز: قيدوا نعم الله بشكر الله
فيا أخي.. اذكر فضل من تفضلَّ عليك وأنعم فإن مجرد ذكر النعمة شكر لها..


إذا كان شُكري نعمة الله نعمةٍ
عليَّ لهُ في مثلها يجب الشكرُ
فكيف بلوغ الشكر إلاَّ بفضلَهِ
وَإن طالتِ الأيامُ واتَّصلَ العُمْرُ
إذا تسرَّ بالسراء عمَّ سرورها
وَإنْ مُسَّ بالضَّراءِ أعقبها الأجرُ
وما منهما إلاَّ لهُ فيهِ نعمةٌ
تضيق بها الأوهام والبرُّ والبحرُ

اللهم إنا نسألك قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وبدناً على البلاء صابراً، اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
والله تعالى أعلى وأعلم


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved